رسالة عرفان

منى مصطفى | مصر

 

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى بِيْضِ الوجُوهِ
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
تسير الأيام بين شدة ورخاء، وكل عاقل يبحث له عن منفذ يقيم منه أمر دنياه التي فيها معاشه، وأمر أخراه التي فيها ميعاده، وقلة من الناس هي من تفطن لأن تجعل نوافذ الكسب في الدنيا هي نفسها منافذ الخير المدخر للآخرة، ثم فئة أقل يعلم الله منها خيرًا فيوفقها لإصابة جوهر الدين من خلال أنشطة الدنيا، وهؤلاء هم الذين جعلوا خدمة عباد الله ديدنهم ونافذتهم لكسب الدنيا والآخرة!
فمن وفقه الله عزّ وجل للاستثمار في مجال التعليم؛ فقد فتح عليه أبواب الخيرات؛ حيث قام على تربية جيل يعبد ربه، ويفهم دنياه، ويتقن طريقًا حلالًا يتكسب منه…
والاستثمار في مجال التعليم لا يؤتي أكله إلا إن كان نابعا من نفس خيّرة، تهتم بالعقل والدين قبل أن تهتم بالربح، وبعد خبرة في هذا المجال قاربت من ربع قرن، عملت فيها مع مستثمرين كُثر، ولمست سياستهم عن كَثب، خرجت باثنين كلما وقع بصري على أحدهما أو جال بخاطري ذكرهما دعوت لهما بخير الدنيا والآخرة، ولم أرَ فيمن رأيت من أصحاب المال من ينطبق عليه قول نبينا ﷺ ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هيِّن سهل)) فيشهد الله ما طلبنا أمرا ييسر علينا العمل إلا ووفروه على أكمل وجه ممكن، وما احتاج الطالب دعما نفسيا أو علميا إلا وبادر الجميع إلى دعمه دون التفكير إطلاقا فيما سيعود عليهم من مال، فكل جهدهم موجه لأن هذا الطالب نفس وأمانة، أمانة الله رقيب عليها، ثم وليّ الأمر، ثم الوطن والأمة!
هذان الرجلان بيضُ الوجوه هما رجلان من رجالات الكويت الذين حملوا في وجدانهم شيم الإنسان العربي الفطين الذي وصفه الإمام على رضي الله عنه بقوله (لست بالخب ولا الخب يخدعني) فكما توفر فيهما حب الخير توفر أيضا الذكاء وحسن الإدارة، والحسم في موضعه كما اللين في موضعه!
هذان القامتان هما (صالح المخلف وماضي الخميس) كلاهما مثال للأمين المنفق، الذي يحرص على المعلم أكثر من حرصه على المال، وبصراحة قلّ ذلك النموذج بين الناس في زمننا، دفعني لكتابة هذا المقال ما راع الناس إبان جائحة كورونا، فقد أظهرت هذه الجائحة معادن الناس الحقيقية، فبينما نجد زملاء لنا حرموا من رواتبهم لأشهر عدة، وصاروا عالقين بين يأس ورجاء، تدفعهم الحاجة للسؤال وتمنعهم الكرامة…، وجدت السيد بو عبد العزيز (صالح المخلف) يعطي رواتب معلميه كاملة دون أن ينقص فلسًا واحدًا، بل وفي موعدها الذي قرره منذ الشهر الأول في العام الدراسي، وبينما الارتباك هو شعار المرحلة في قطاع التعليم نجده أول من بادر بمواصلة العمل مع الطالب عبر المواقع المناسبة، كانت الوزارات على اختلافها ربما في العالم كله مازالت تُنظّر ومدرسته تعمل كخلية نحل في فريق واحد لتدريب المعلمين والمتعلمين من خلال ورش عمل افتراضية، ثم مواصلة تعليم الطلاب بل ودعمهم نفسيًا عبر التعليم عن بعد، وكأنه يقول للطالب: أنت عقل وروح عليّ أن أفي لك بما تعاقدت معك عليه، لن أتواكل ولن أبخسك حقا يوجبه عليّ الدين والوطن!


هذا الرجل السيد (صالح المخلف) لا يعرفني، وإذا قابلته في محفل كبير ربما لا أعرفه؛ لأني رأيته مرات معدودة، ولكني أردت شكر الله عزّ وجل على ما أنعم عليّ به بأن جعلني عضوا في فريقه لسنوات، ثم توجيه الشكر له، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، كما أن هناك من يستحق الشكر العميق بعد ذلك وهي البطانة الصالحة التي تعمل خلفه، بضمير لا يغيب وروح لا تشيخ، ومراعاة لله لا يذهبها طمع نفس أو صعوبة موقف، لهذه البطانة أقول: بيَّضَ الله وجوهكم، وبارك رزقكم، وثبتكم يوم تزل أقدام.
أختم حديثي إليك بوعبد العزيز: بعد انتهاء العام الدراسي 2019/2020
أسأل الله أن يبارك في مالك وولدك وما آتاك، وأن يسخّر لك الصالحين، وأن يبارك في البطانة الصالحة التي تقوم على هذا العمل ويجعل عمركم جميعا في ميزان حسناتهم، بو عبد العزيز: لك الأجر من الله والشكر عظيم الشكر من كل معلم، رب أسرة أنقذته من العوز أمام أهله رغم ما يكتنف البلاد والعالم أجمع من ظروف الجائحة!
ربح البيع سيدي، كن بخير أنت وفريقك والسلام!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى