الأحفادُ لَـمْ يأتوا

د. مجمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر

ما كنت أتصوّر أبدًا أنّني سأعيش ا أيّامًا عديدة بعيدا عن الأحفاد، وأنا تعوّدت  اللّقاء معهم دومًا، لا يخلو يوم من وجود حفيد أو سبط في المنزل، إمّا هو مقيم معنا، أو هو زائر من حين إلى حين، من دون أن تطول مدةّ الغياب أو الانقطاع عن المجيء إلى البيت. لكن سبحان مغيّر الأحوال ومبدّل الأوضاع..

زارتنا ” كوروما “ ففرضت علينا نَـمطًا جديد من الحياة، كانت له انعكاسات سلبيّة على جوّ البيت، إذ أصبح ناقصًا روعةً؛ لأنّه من دون أحفاد يلعبون ويتحرّكون ويتجوّلون ويتحوّلون من ركن إلى ركن، ويصعدون وينزلون، يبهجون ويزعجون، يتصالحون ويتعاركون، يتجمّعون ويتفرّقون، يهمسون ويصرخون.. منزل من دون هذه الحركات هو خواء من معاني السّكن والرّاحة النّفسيّة، والبهجة والـمتعة..

هذه الأجواء غابت، وهذه الفسيفساء ضاعت.. فماذا يبقى من رومانسيّة المنزل؟ وماذا يبقى من مباهج البيت؟ وماذا يكون من طعم للبقاء في الحضن؟ وماذا يكون من ألوان المنزل الزّاهية؟ وماذا يكون من أصواته  النّديّة؟ إذا غاب الأولاد وامتنع الأحفاد عن الزّيارة؟ الأولاد والأحفاد زينة البيت وروعة المنزل، ومتعة البقاء في الحضن.. هم الزّهرات التي ترسل الأريج في الـمنزل فتتعطّر زواياه.. فتنتعش النّفوس، وتهدأ الأعصاب، ويذهب السّأم، ويزول التّعب.. كلّ هذه الفوائد تغري بالبقاء في البيت.

أين جلسات الأحفاد مع يعضهم؟ أين لقاءاتهم مع الآباء والأمّهات والأجداد والجدّات؟ أين أسئلتهم المتعدّدة  التي تدور حول دراستهم أو في مجال الثّقافة العامّة؟ أين إشكالاتهم المحرجة؟ أين إبداعاتهم فيما يقومون به في المنزل؟ أين أناشيدهم؟ أين محفوظاتهم؟

 أين  مشاكساتهم؟ أين معاكساتهم؟ أين أخطاؤهم؟ أين لغطهم؟ أين.. وأين؟؟ أين صياح هذا وصراخ تلك؟؟ أين إزعاج هذا وإقلاق تلك؟  أين خشونة هذا ولطافة تلك؟ أين حكاية هذا وقصّ تلكّ؟ أين صوت انكسار الأشياء وأين وقع تحطيم الأدوات؟ أين أنانيّة الأحفاد العلامةُ المميّزة للطّفل؟ أين العطف والـمحبّة التي يظهرها لهم  أجدادهم وجدّاتهم؟ أين استنجاداتهم بهم حين يقسو عليهم والدُوهم؟ أين طلب الرّأفة منهم حن ينفذ صبر والديهم في الاستماع لطلباتهم، وتلبية رغباتهم؟؟ أين.. وأين..

غاب كلّ ذلك في أيّام ” كورونا “، فأصبحت أيّامنا في البيت ناقصة نكهة وطعمًا وروعة وبهجة.. فلم نعد نرى الأحفاد إلاّ في صور تأتينا بواسطة وسائل التّواصل الاجتماعي، لكنّها لا تنوب عن الحضور الجسدي، ولا تغني عن التّمتّع بمشاهدتهم مباشرة من دون وسائط، وفي الوضع الطّبيعي.. نلتقي مع الأحفاد بواسطة الهاتف، فنسمع أصواتهم، لكنّ تأثيرها الوجداني يكون ناقصًا، لأنّها تأتي وتصلنا من مسافة مكانيّة تمنعنا من الالتقاء بهم مباشرة، بل تفرض حاجزًا ماديًّا بيننا، يمنع من  الاستماع إليهم بحماسة وحرارة، لعدم التقاء حاستي النّظر والسّماع معا،  في الاستمتاع من التّواصل معهم؛ بما يوفّر المتعة والرّوعة والبهجة والانشراح..إنّ غياب حاستَي البصر والسّماع معًا  يمنع من التّجاوب الوجداني بعمق مع الأحفاد، ويفسد روعة التّلاقي المباشر معهم   والتّجاوب مع ما يقولون وما يفعلون.. وما ينطقون وما يهرفون وما به يحرجون أو يضحكون أو ما به يبهحون أو يزعحون.

إنّ ” كورونا ” منعتنا وحرمتنا من تلك الأجواء، لكنّها منحتنا فرصة تذكّر نعمة اللّقاء الأسري، وزرع الـمحبّة بين أفراد الأسرة الواحدة، وأفهمتنا أو ذكّرتنا أنّ الأولاد نعمة، والـحضن الـمنزلي متعة، والتّلاقي رحمة، والتّزاور مودّة.. فلنحرص على الزّيارات الأسريّة، ولنتمسّك بها ولنتعاهد على عدم التّفريط في الاجتماعات الأسريّة، ففي ذلك الخير كلّ الخير، وفيه ما يرفع عنّا وزر الانقطاعات عن صلة الأرحام، ويقينا  عواقب الإهمال الأسري، وبدفع عنّا عاقبة سوء لتّعامل مع الأولاد والأحفاد، الذين  هم امتداد لحياتنا، وهم معقد آمالنا في المستقبل.  

هذه أبيات أخاطب بها أحفادي، ولو كانوا بعيدين عنّي:   

أحفادَنَا!! هَلْ    نَفْهَــــــــــــمُ؟

 

مَاذَا  جَرَى؟  لَـَمْ  تَقْدِمُـــــــــوا

لِلبَيْتِ   كَالـــــمُعْتَـادِ   قُــــــــــــو

 

لُوا، أَفْصِحُوا، لَا    تُـحْجِمُــــــوا

هَلَ مِنْ مُـجِيبٍ يَكْشِفُ السْــ

 

  سَبَبَ   الـخَفِيَّ   ويُعْلِــــمُ   

ذَا   غَيْــــــرُ     مَعْقُــــــولٍ     وَلَا

مِنْ   أَيْـــنَ  يَأْتِــــــي  رَدُّهُـــــــمْ

عَبَثًـــا   أُعَايِــــنُ    مُرْشِـــــــــدًا

حَتَّى   أُرِيـــحَ   مَوَاجِـــعِـــــــــي

لَا  يَسْمَــــــعُ  الأَحْفَــــــادُ    كَيْ

لَيْسَ    الـجَوَابُ   بِـمُمْكِــــــــــنٍ

مَا   أَرْتَـجِيهِ  هُـوَ   الـمُحــــــــــــا

فَعَسَى   الغِيَابُ  يَكُونُ  خَيْــــــــ

فَلـــــمَ    السُّـــــــؤَالُ   إذنْ   إِذَا

أَدْرَكْتُ    بَعْـد    تَذَكَّـــــــــــــــــرٍ

بوبَــــاء   كُورُونَــــا  الــــــــــــذِي

   إِذَنْ    لُــزُومُ    البَيْــــــــــــــتِ

في  ذَا  الــــــــقَرَارِ   مَنَافَــــــــعٌ

فِيـــــهِ   النَّجَــــــــاةُ   مِنَ  الــهَلَا

شُكْرًا  لَكُمْ     أَحْفَـــــــــــــــــادَنَا

فيـــــــــه ِ     انْصيَـــــاعٌ      لِلأَوَا

لَمْ   نَلْتَقِ   الأَحْفَــــــادَ   فِعْــــــ

 لَكِنْ   رَبِـْـــــحْنــَـــا   بالنِّظَـــــــا 

أَحْفَادَنَـــا!! َسَنعُودُ   نـــــــجْــــــــ

   فَالفَـــارِجُ    اللهُ     الـــــــــرّؤُو

 

طَبْـعٌ     لَكُــــــمْ،  فَتَكَلَّمُـــــوا

فَأَنَــــــا    بِسُــؤْلي   أَحْلُــــمُ

فَالصُّمْتُ  لِي  هُوَ  مَغْنَــــــــمُ

وَالقَلْـبُ  مِنْهَــــــا   يَسْلَــــــمُ

يُعْطُــوا   بلاغًــــا    يُفْهِــــــــمُ

لا  َيُـوجدُ   الـمُسْتَفْهَـــــــــــمُ

لُ، إِذَنْ لَهُ   أَسْـتَسْلِــــــــــــمُ

رًا،  ذَا حَكَاه ُ الـمُحْكَــــــــــــمُ 

حَكَمَ   القَضَاءُ  الـمُبـــــــــرِمُ؟

أَنَّ    البِــلَاد    تَألّـَـــــــــــــــمُ

بِسُمُــــومِهِ    لَا  يَرْحَـــــــــــمُ

رَأْيٌ    سَدِيــدٌ    مُـــــحـــــكَمُ

فَمَنِ  ارْتَضَى بِهِ    يَسْلَــــــــمُ

كِ،   وَلِلــــسَّقَامِ  الــــــمَرْهَمُ

في   الاِنْضِبَاطِ    البَلْسَــــــــمُ

مِرِ،  أُثبْتُـــــــــوا،  لَنْ  تَنْدَمُـــوا

لاً،   ذَا   يَــحُــزُّ  وَيُؤْلِــــــــــــمُ

مِ  مَكاسبًا، هِيَ  أعظـــــــــمُ

لِسُ  فِي  انْبِسَــــــــاطٍ  نَنْعَمُ

فُ  الـرّاحِمُ  الــــمُتَكَـــــــــرِّمُ  

                                    الجزائر يوم  الأحد:  17   من  رمضان  1441ه

                                                           10  من   مايو     2020م

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى