الكاتب الضاحك عبد الإله رؤوف وعلي جبار عطية رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية (وجها لوجه)

أميل إلى المرح والفكاهة تعويضاً عن حالة الحزن التي لازمتني طويلاً.

هدفي من الكتابة الفكاهية هو أن أُخفّف من أعباء الحياة عن نفوس صغارنا.

من المفّزع أن تجد طفلاً صغيراً يتكلم بكلامٍ كبيرٍ، أو يتصرف كالكبار؛ لأنَّ ذلك يُعدُّ تجاوزاً على الطفولة، لكنَّ من المدهش أن تجد طفلاً بهيئة كهلٍ، يعيش ، ويفكر، ويتصرف ، ويضحك كالطفل!
لقد وجدتُه في دار ثقافة الأطفال في مبنى وزارة الثقافة في منطقة الصالحية ضحى الثلاثاء الموافق ١٩٩٩/٦/٢٢ م
إنَّه الكاتب عبد الإله رؤوف الجلبي ( ١٩٤٠ م ـ ٢٠١١ م) ، وقد حاورته لمدة خمسٍ ، وسبعين دقيقة . كنتُ وقتها مراسلاً لجريدة (عُمان) العمانية؛ والتي نُشر الحوار في ملحقها الثقافي في العدد المرقم (٧٠٧٩) الصادر يوم الخميس الموافق ٢٠٠٠/١٠/١٩ م، وفي الوقت نفسه أبحثُ عَن شخصياتٍ ثقافيةٍ، وفنية ضاحكةٍ في مشروع كتابٍ عنوانه الأولي (ضاحكو العراق) ومنهم الكتاب الساخرون، ورسامو الكاريكاتير، ومن بينهم الكاتب المبدع عبد الإله رؤوف الجلبي ، مبتكر شخصية شيبوب في مجلة الأطفال (مجلتي) . وها أنذا أقترب من تحقيق نصف حلمي بلقائه.
ولد الكاتب في مدينة الموصل سنة ١٩٤٠م ، وتخرج في قسم التاريخ ـ كلية الآداب ـ جامعة بغداد سنة ١٩٦٤م
المحطة الأبرز في حياته كانت سنة ١٩٦٩م ، حين أسهم في إنشاء أول مجلة عراقية للأطفال هي مجلة (مجلتي) ، ومجلة الفتيان (المزمار) وتولى منصب مدير التحرير في كلتا المجلتين .
في عام ١٩٧٩م أُوفدَ إلى مدينة نيويورك الأمريكية؛ للمشاركة في دورة نظمتها اليونيسكو بشأن (توظيف التراث، والموروث الشعبي في أدب الأطفال ) .
في عام ١٩٨١م أصبح سكرتيراً لتحرير ملحق (علم وتكنولوجيا)، الذي صدر عن دار ثقافة الأطفال .
له خمسةٌ، وعشرون كتاباً مطبوعاً منها: (أشهر عجائب العالم/ ١٩٨٤ م) ،( من هنا وهناك/ ١٩٨٥ م) ، (مغامرةٌ في الأدغال / ١٩٩٠ م) ، ( رسالةٌ من نمرٍ صغيرٍ/ ١٩٩٣ م) ، (النوارس تحلق عالياً /٢٠٠١ م) .

*قلتُ له :هل عشتَ طفولتك؟
ـ قال : ربما كان أبرز شيءٍ في حياتي طفولتي ، فقد عشتُ فيها ـ كما يقولون ـ بالطول ، والعرض ، وتجاربي ، وذكرياتي غنيةٌ.. كنتُ أحياناً على تماسٍ مع الخطر في كثيرٍ من مراحل حياتي ، لكنَّ طفولتي علمتني معنى الخوف ، فتحت في ذهني آفاقاً لم أكن أجرؤ على الدخول في عوالمها . ويمكن القول أن ذكريات الطفولة مازالت تشدني في الكثير من أعمالي ، وباختصارٍ شديدٍ ما كنتُ أحلم به حققته في سني نضجي.

*قلتُ له : فكيف هي متانة حبل طفولتك الآن؟
ـ قال: أحس الآن بشدٍّ قويّ إلى الطفولة، وذكرياتها.. عشتُ طفولتي في الموصل التي تمتاز بطابعها المحلي الخاص، أسواقها، وجوامعها ، وأزقتها، وبيوتها، وكنائسها.. عندما أُسافر إلى الموصل أرجع كما كنتُ طفلاً يمشي في الحارات ، وأستعيد شريط ذكرياتي.

*قلتُ له: ذكرتَ الخطر ، فهل تعرَّضتَ له في طفولتك؟
ـ قال : نعم ، تعرضتُ لخطر الغرق في مياه دجلة ، كان احساسي بالموت غريباً جداً ، كان عمري في العاشرة عندما غرقتُ في نهر دجلة لمدة خمس دقائق .. كنتُ أشعر أنّي أنتقل إلى عالمٍ ، أو حلمٍ جميلٍ قبل أن يتمكن أحد أقاربي من انقاذي ، واعادتي إلى الحياة .. ربما منذ ذلك اليوم ، وإلى الآن لا أشعر بالرعب من الموت ، بل أُحسه بدايةً لحلمٍ غامضٍ ، وجميلٍ ، لكن بالمقابل بدأت أخاف الماء ، هذه الأعماق الغريبة الغامضة .
ربما كان هذا الغرق المفاجئ هو الذي جعلني أشعر بجمال الحياة ، وضرورة أن نعيشها بعمقٍ ، واحساسٍ مرهفٍ ؛ لأنَّ كل لحظةٍ تمر على الانسان، وهو حيّ هي نعمةٌ كبيرةٌ من الله.

* قلتُ له : هل تحبذ عرض فكرة الموت على الطفل؟
ـ قال : نعم.. نعرضها عليه بشكلٍ مبسطٍ ؛ لأنَّ الأحداث التي يعيشها الطفل خطيرةٌ ، وعلى الانسان صغيراً كان، أم كبيراً أن يواجه الموت بشجاعةٍ ، ليتسنى له أن يموت كما تموت الأشجار العالية واقفاً على قدميه.

* قلتُ له : في كتاباتك مرحٌ ، وسعادةٌ ، وضحكٌ إلى درجةٍ يظن فيها القارئ أنَّك من أسعد السعداء ، فهل هذا تعويصٌ عن أحزانك ؟
ـ قال : التناقض في شخصيتي موجود منذ زمنٍ طويلٍ ، وفي كتاباتي أميل إلى المرح ، و الفكاهة تعويضاً عن حالة الحزن التي لازمتني طويلاً، ومازلت أشعر أنَّ الحزن الكبير الذي يعشش في داخلي لابدَّ أن يواجه بقدرٍ كبيرٍ من روح التفاؤل، والحماسة ، وهذه لن تتحقق إلا بروحٍ من المرح .
أمّا لماذا اخترتُ أسلوب الفكاهة، والمرح فذلك لأنَّي أشعر أن الشعب العراقي هو أكثر الشعوب احساساً بالنكتة، واهتماماً بجوانب الفرح، والبهجة..
هناك صورٌ فوتوغرافيةٌ لأطفالٍ عراقيين أظهرتهم غاضبين حزينين عبوسين جادين ، وهي صورٌ لا تعكس الواقع لذلك ومن معرفتي بالناس رأيتُ أنَّ وصفهم بالجدية ، وعدم حب النكتة تهمةٌ قاسيةٌ جداً، والدليل وجود الكثير من الفكاهيين الشعبيين ، بل إنَّ كثرة المسارح الكوميدية مؤشرٌ على ميل الناس للضحك .

* قلتُ له: هل أنَّ شخصية جحا شخصيةٌ حقيقيةٌ ؟
ـ قال :أؤكد لك أن جحا أو ملا نصر الدين ، وكثيراً غيرهما أشخاصٌ حقيقيون ، وعندنا من لا يقل عظمةً عنهم كـ(الملا عبود الكرخي) ، و(حجي بريد) ، و (أنيس الوزير) ، إلا أن نوادرهم لم تدون.
إنَّ الفكاهة عملٌ إبداعي جميلٌ جداً ، ويفترض أن تدون ، وتحفظ ؛ لأنَّها ثروةٌ قوميةٌ تراثيةٌ شعبيةٌ.

* قلتُ له : أنتَ مبتكر شخصية شيبوب فماذا أردتَ أن تقول من خلاله ؟
ـ قال : شيبوب هو ابن عم عنترة بن شداد البطل ، والفارس الحقيقي لكنَّ شيبوب على نقيضه، وشخصيته أقرب إلى (دون كيشوت) سرفانتس .
ويمكن القول أنَّ شيبوب هو (دون كيشوت العرب)، وبطولته هشةٌ تعتمد على المبالغة، وأصبح رمزاً للأبطال الوهميين الدون كيشوتيين!

*قلتُ له : أيهما أصعب إضحاكاً : الطفل أم الكبير ؟
ـ قال : الطفل أصعب إضحاكاً؛ لأنَّه كائنٌ ليس من السهل اضحاكه، فالكبير يعرف من المعلومات ما يساعده على فهم النكتة.. لقد لاحظتُ أنَّ كثيراً من النكات تضحك الكبار لكنّها لو ذكرت للصغار فلا تضحكهم .
إنَّ من يقولون: إنَّ الأطفال لا يجيدون فن النقد واهمون فأفضل النقاد هم الأطفال؛ لأنَّهم لا يجاملون، وقد دأبتُ على استشارة الأطفال في كتاباتي ، ومناقشتهم قبل دفعها للنشر.

* قلتُ له :هل أنَّ الأطفال متشابهون؟
ـ قال: إلى حدٍ ما ؛ فالطفولة متشابهةٌ ، لكنّي أعتقد أنَّ الأطفال الفقراء هم أكثرُ تقبلاً للنكتة ، وأكثرُ صدقاً في التعبير عن أفكارهم ، و مشاعرهم ، وانطباعاتهم، وهم أكثرُ تفتحاً ذهنياً؛ بسبب ظروفهم المعيشية ، لهذا أرتاح للتعامل معهم .
إنَّ هدفي من الكتابة الفكاهية هو أن أُخفّف من أعباء الحياة عن نفوس صغارنا، وأجعلهم يتحملون ثقل الحياة بابتسامةٍ ، وفرحٍ.. أشعر عندما أتمكن من إضحاك طفلٍ أنَّني صنعتُ معجزةً كبيرةً ، ويمكن القول: أضحك طفلاً واحداً تكسب العالم كله.

* قلتُ له : ما المطلوب ليفرح الطفل العربي ؟
ـ قال: إنَّ ما يحصل عليه الطفل العربي من الكوميديا صفر في المئة، والمطلوب هو تشجيع هذا النوع من الكتابة، وتوفير كل مستلزمات نضج الحس الفكاهي عند الطفل ، وأن نتعلم من تجارب الآخرين ، ونوثق الحكايات الشعبية ، ونفهم سر النكتة في تونس ، والمغرب ، والسودان ، وسوريا ، ولبنان ، والعراق ، وهذا عملٌ أُناشد فيه جامعة الدول العربية أن تتبناه ، ومطلوبٌ منها أن تشجع الكتاب العرب على ابتكار شخصيات عربية من واقعهم، وإعمامها في الأدب، والتلفزيون، وتخصيص جوائز لمن يكتب عنها .
إنَّ دخولنا عام ٢٠٠٠ م يحتاج إلى إعادة نظر في كل ما قدمناه خلال نصف قرن لأنّي لا أرى في الأفق أية معالم لخطةٍ تولي اهتماماً بالطفل العربي.. لقد دخلنا في عصر الانترنيت ، وتطور وسائل الاتصال ، ومازلنا قابعين في ماءٍ راكدٍ بينما تتحرك كل الأشياء من حولنا ، وعلينا أن نكتشف أين الخطأ ؟
*فصل من كتابٍ مُعدٍ للنشر بعنوان (وجوهٌ في ذاكرة الأرض) للكاتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى