الأمر بالسجود وحماقة إبليس

د. أيمن العوامري | القاهرة

قال جل شأنه في كتابه العزيز: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وقوله تعالى:  {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72].

وقد تكلموا على اليد واليدين والأيدي؛ أي: على اختلاف الصيغ؛ من إفراد وتثنية وجمع، وأن المراد إظهار القوة؛ لكون اليد منبعها ومحلها، ولا أمنع ذلك، غير أن الذي يبدو لي أن المراد بذكر اليد في هاتين الآيتين ونحوهما إنما هو قصد المباشرة؛ أي: مباشرة الخلق الرباني لهذه المخلوقات دون وسيط عهد الله له بذلك؛ كي يخلق بأمر الله تعالى، كما نصنع نحن البشر الأدوات والآلات ونبني المدن والعمائر ونشق القنوات بقدرة الله لا بمباشرته إياها، ودائمًا كان يقع في نفسي أن اللوم والتقريع الواقعين على إبليس مردهما أنه امتنع عن السجود لما خلقه الله بيديه؛ أي: بنفسه، ولم يصنعه أحد من عباده بقدرة الله؛ ومن ثم كان حريًّا بإبليس وجديرًا أن يسجد وقد أمره الله، ولو كان المسجود له من صنع عباد الله بقدرة الله، لكان حريًّا به السجود أيضًا ولازمًا؛ إذ يكفي الأمر بالسجود داعيًا وموجبا، فما بالنا وقد اجتمع مع الأمر صنع الله نفسه مباشرة دون وسيط؛ إذ لو افترضنا أن الله أمر إبليس أو غيره من الملائكة بالسجود لما يخلقه البشر من أدوات أو مبانٍ، فيجب عليهم السجود ويلزمهم الانقياد دون تردد أو شك أو جدل، فكيف بهم وقد خلق الله آدم مباشرة على أعينهم، ثم أمرهم بالسجود!!

إن السجود هنا لا على سبيل العبادة، بل على جهة التعظيم للصانع الخالق، كما يرى أحدنا لوحة جميلة أو يسمع قصيدة عظيمة فيصفق أو يصفِّر أو يكبِِّر أو يهلل أو يعبر بما شاء له التعبير من طرائق وأساليب؛ تحية لصاحب العمل وتقديرًا لموهبته، أما والصانع هنا هو الخالق العظيم -سبحانه- وهو أعلم وأدرى بما يناسبه من أشكال التعظيم، فلم يترك الملائكة وأنفسهم يعبرون عن تعظيمهم خلق الله بما يشاؤون -ولا أراهم يقدمون على أي تعبير من أنفسهم مهابة لله وخوفًا من الوقوع في الخطأ- بل علمهم ذلك بأن أمرهم بالسجود…

أما قوله عز من قائل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72]، فقد صرَّح المولى باليدين؛ كي يعبر عن المباشرة؛ أي: الخلق المباشر، وكي يدعو الناس إلى التفكر في الخالق الصانع العظيم، لا سيما أن أحدًا لم يدعِ أنه خلق أو أوجد هذه الأنعام التي تخدمكم -أيها الناس- وعليها يترتب عيشكم وسعيكم… والله -سبحانه تقدست أسماؤه- أعلى وأعلم وأعز وأكرم…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى