معبد ( لانش ) الوادي المقدس للأكراد والإيزيديين

فريدة شعراوي | باحثة في التاريخ والمصريات

معبد لالش واحداً من أهم المواقع الأثرية والمقدسة لدى الكرد عامة والكرد الايزيدين خاصة، يقع المعبد في  منطقة شنكال  في باشوري كردستان، حيث يقع في واديٍ جبلي تحيط به الجبال من ثلاث جهات، يبلغ ارتفاع هذه الجبال حوالي (3000 م) عن مستوى سطح البحر، ويبعد المعبد عن مدينة دهوك حوالي (53 كم ). وحسب ما جاء في النصوص الدينية الايزيدية، فان تسمية لالش تعني خميرة الأرض حيث كانت الأرض في البداية في حالتها السائلة بعد ان انزل الله فيها لالش.

يعد معبد لالش من أقدس الأماكن عند الايزيديين الذي تقام فيه الطقوس الدينية، والاعياد، والحج، ويعتبر مكاناً لحل المشاكل الكبيرة التي تحدث بين الناس.و لا يوجد حتى الأن ابحاث دقيقة حول تاريخ المعبد، والكهوف المحفورة في حجارة الجبل هي المعبد الأساس، وأنه كان موجوداً في القرن الأول قبل الميلاد، وبعد إن ازداد عدد السكان أصبح المعبد صغيراً مما دفعهم إلى بناء مبانٍ فوق الكهوف، والمعبد مبنيٌ من الحجارة، والجبس، والحجارة ذات احجامٍ متفاوتة فمنها الصغير، والمتوسط، والكبير، وارضية المعبد مبلطة بالحجارة المرصوفة، وعند دخول المرء إلى الجبل تضيق مساحة السماء، فيرى نفسه في مكان مختلف، حيث يخيم الصمت على المكان، وشموخ رؤوس قباب المصلحين وأولياء الايزيدية.

معبد لالش أول موقع استقر فيه الملائكة وهو بمثابة خميرة الكون، ذلك حسب الميثولوجيا الايزيدية ونصوصهم الدينية المقدسة المدونة باللغة الكردية حيث يشير أحد النصوص الدينية إليه (وجعل من لالش الاساس)، والتجوال في اروقة وازقة المعبد الداخلية يأخذنا إلى أعماق التاريخ ويحكي عراقة هذا الجبل وكم من مراحل وعصور قد مرت عليه.

إلى يمين الطريق وعند مدخل الوادي المؤدي إلى المعبد يوجد ممر مائي (pıra enzel) الذي يعبر عليه كل شخص ايزيدي ينهي مراسيم زيارته للمعبد،وعند مدخل المبعد الرئيس المبني من حجارة مربعة الشكل وبمقاسات متقاربة يرتفع جدار إلى أكثر من أربعة أمتار وبوابة كبيرة مصنوعة من خشب الزان وإلى الجانب الأيمن من باب المعبد الرئيس، حيث مدخل المعبد تعلو صورة الحية السوداء، ويقدسها الايزيديون معتقدين بأنها أنقذت البشرية عندما لفت نفسها في الثقب الذي اصاب سفينة نوح عندما اصطدمت بصخرة إثناء الطوفان.. ولهذا السبب نرى إن للحية السوداء في الموروث الديني الايزيدي مكانة كبيرة فهي موجودة في أغلب معابدهم الصغيرة الأخرى ومزاراتهم المختلفة.

أمام باب المعبد ينبسط أيوانٍ واسع بأرضية مفتوحة تم رصفها بالحجر الحلان وبمقاسات واحدة، وإلى اليمين موقع أو ( دكة – بابا شيخ – الزعيم الروحي الديني للأيزيدية حيث يجلس عنده في الأعياد التي تقام في لالش وهو يستقبل زائريه) ثم إلى اليسار مقام بابا جاويش الذي يقوم بمقام الإرشاد الديني في المعبد، ومدخل وأيوان المعبد تتوسطه سبعة أعمدة مبنية من الحجر الجبلي وبارتفاع خمسة امتار حيث يمثل كل عمود، واحدا من الملائكة السبعة، في تسلسل القداسة للملائكة في الديانة الايزيدية . وحول كل عمود يمكن للزائر أن يشد قطعة قماش ويفك عقدة اخرى، دلالة على أن تفتح واحدة من العقد لأخرين يتمنون ذلك، وعلى جانبي المدخل تتوزع مواقع عدة (قناديل) تشعل كل أربعاء من أيام الأسبوع (وهو اليوم المقدس لدى الايزيدية) ثم قبر الشيخ ئادي كما يعرفه الايزيدية (الشيخ عدي بن مسافر الهكاري الكوردي المصلح الديني الرئيس للايزيدية وهو الذي وضع العديد من المقررات الجديدة في الديانة الايزيدية .

معبد لالش طراز فني نادر في العمارة والبناء، يمتزج فيه الفنون الشرقية القديمة  خاصة المرتبط بالتراث الكردي من حيث البناء الواسع، فضلاً عن وجود بقايا علامات ورموز قديمة جداً تعود للقرون الأولى قبل الميلاد وهي مرسومة على الجدار الخارجي، وإلى ذلك تنتشر على جانبي الوادي الجبلي قباب ومزارات عديدة لأولياء الايزيدية ولكل واحدة حجمها الخاص من البناء مع شكل موحد فبعضها مخرطوية تضم أثني عشر مفصلاً دلالة على عدد أشهر السنة في حين تستند أخرى إلى قاعدة مربعة دلالة على الجهات الأربع، وهي تتجه نحو الشمس لما لها من مكانة مقدسة في الديانة الايزيدية، وفي ليلة الثلاثاء والأربعاء بداية كل سنة جديدة يتحول المعبد إلى شعلة من الضياء حيث يتم إشعال قناديل بعدد أيام السنة دلالة على استقبال الايزيدية للسنة الجديدة بالنور”.

إلى الجانب الأخر من الوادي الجبلي الذي يمتد لأكثر من خمسمائة متر في ارتفاع باتجاه الغرب حيث مدخله الذي يبدأ من الشرق نرى موقع (كانيا سبي) الذي يعد اقدس موقع في المعبد وهي بركة ماء صاف تنزل في حوض عبر مدخل بوابة العين وعلى اليمين منها موقع السادن الذي يشرف عليها، وهنا يتوجب على كل شخص ايزيدي أن يرش الماء عليه في هذا المكان خاصة الذين لم يسبق لهم زيارة المعبد، وهذا الأمر بمثابة التعميد الموجود لدى المسيحية.

هم جماعة  مسالمة و إناس طيبون ، لكن جماعة داعشى المجرمة لم تتركهم و شأنهم ، و فى أغسطس 2014 كان آخر يوم عاش فيه المجتمع الإيزيدي في العراق بسلام، قبل أن يبدأ داعش بحملة ضد الأقلية الإيزيدية تضمنت تطهيرا عرقيا على شكل عمليات إعدام جماعية وإجبارا على تغيير الديانة وعنفا جنسيا واسع الانتشار، بالإضافة إلى ذبح الآلاف منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى