وقفات تأملية مع “النفس والإنسان في القرآن

ناصر أبو عون

كتاب “وقفات تأملية مع “النفس والإنسان في القرآن” للكاتب المصري محمد عبد العظيم العجمي يتكون من ثلاثة وأربعين فصلا عن “النفس في القرآن” والتي هي حالة داخلية للإنسان أودعها الحق كنوزا من الأسرار، وتجلت فيها كثير من عظمة الخلق والإبداع والإعجاز الذي نوه عليه في قوله “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”، وهي تحدّ لجنس الإنسان الذي رزق هذه اللطيفة بين جنبيه وهو عاجز عن إدراك كنهها، أو فهم ما يتأتى عليها كل حين، يدرك بعضه، ويعزب عليه كثير منه، ويحار بين التفسير والـتأويل لما يجدّ لها من حال.. ثم يتيه مختالا دعيا؛ أن قد حاز شيئا من العلم وهو حائر في أمر هذه البدعة من الخلق، فيعجزه رد القرآن عليه بقوله “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا “.

يقول المؤلف محمد عبد العظيم العجمي “هذه تأملات في أحوال النفس والإنسان في القرآن، كنت نشرتها في مجموعة مقالات في جريدة (الرؤية العمانية). وهي وقفات استقرائية من واقع المطالعة والقراءة في كتب السابقين والمعاصرين، وكذا التفكر والتدبر  في أحوال النفس والإنسان من خلال آيات القرآن المسطورة، وأحوال الإنسان الملحوظة والمكتوبة؛ تكاد تكون محطات مرَّ بي كثير منها على مستوى النفس، وما استوقفني في الحياة العملية ؛ فرحت أسقط عليه ما فطنتُ له من قراءات.

في هذا الكتاب يمتطي المؤلف محمد العجمي صهوة العقل، ويرفع راية النقل مرفرفةً خفاقةً، ويقتفي أثر الحديث النبويّ كشاهدٍ ودليل، ويستأنس بالشعر سندًا للمنطق؛ ويقلِّب وجوه الفكرة ليستخرج من بين ثنايا القَصص القرآني المعاني التي تستنطق العِبرة، وتستدعي العَبرة.

هذا الكتاب مَعونٌ من الأفكار، يفتح شهية العقل على رؤى متعددة، ويثير جدلا حميدا حول محاوره، ويأخذ بالألباب، ويحاور أساطين العلم والشباب، ولا يتوقف عن تقليب المعاني والألفاظ على سائر وجوهها؛ إنه كتاب مُشرع على كل الاحتمالات اللغوية، يوائم بين (النقل والعقل)، يأخذ بقَطْعي الدلالة، ويناقش الظَّنيّ بفطنة العلاّمة الفهّامة.

عرفت مؤلفه محمد العجمي منذ شبّ عن الطوق قارئا نَهِمًا، ومحاورا مُتألقا لبِقا، لا يُصادر رأيا، ولا ينغلقُ فهما، ولا يلوي للنصِّ عنقا ليساير هواه، ولا يأتي بشاهدٍ شعري أو قرآنيّ إلا وكان مُدركا فحواه، ولا يسندُ ظهر الفكرة إلا لحديث نبويٍّ أجمع الأولون والمتأخرون على صحته ومعناه.

لم يضع العجميّ كتابه ليحجز مكانا بين في مكتبتنا العربية المرصوصة، ولم يكتب لينسج المعاني المتروكة، ولم يُدبّج لينظم الألفاظ المهجورة؛ في عِقد جديد يعلقه تفاخرا وخيلاء في جِيد الأدعياء والمتثاقفين.

إنما يكتب العجمي ليبلّغ رسالة، ويؤدي أمانة، ويحاور عقول مَن يعاود النظر مرةً بعد مرةٍ، ويستخرج الدرّ من أصداف المعنى، ويناقش الرأي وما حوى من مغالطات فنجا ولم يقع في براثن الهوى.

 في هذا الكتاب وهو باكورة الفيوض الربانية المكتوبة التي تنزّلت على صاحبنا إلهاما يعالج بها أمراض القلب السائر في ظلمات الطين وفأقعدته عن التفكّر فيما الله أعطى، وغاصت به نفسه الأمارة في دركات الجهل فعضّ أصابع الندم وعوى، فلا علما جمع، ولا قلبا اتسع، ولا بالحكمة صدع.

مع فيض الخاطر، وإلهام العلي القادر يصعد المؤلف مع قارئه آخذا بيده إلى درجات العقل واحدة بعد أخرى وصولا إلى سدرة المنتهى؛ فتُفتّح له أبواب أولي النُّهى، على عوالم واسعة، ويقلب الأفكار ويهزّ شجرة المعاني المثمرة، وتنجلي الغشاوة عن مُسلمات بدت له ثابتة، ويحاور الفكرة، ويقتفي أثر العبارة الجزلة، ويجدد الرؤية، لا يكاد يخرج من باب حتى يتلقفه باب آخر من الأفكار الطريفة في طرحها، والبلاغة الرصينة في مرادها، والشريعة الأصيلة في مقاصدها.

وفي الأخير يرى المؤلف أن كتابه “مجرد رحلة في صحبة الإنسان من الخارج، والنفس من الداخل كما يراهما القرآن”، ويحاول أن “يقف على أوصاف كل منهما، مستعينا بما توصلت إليه علو م النفس والإنسان الحديثة، وهي لا شك علوم استقرائية تستعين بالملاحظة حينا والتجربة العملية والعلمية حينا آخر، ثم نرى كثيرا منها لا يخالف منهج القرآن (اليقيني)، وقد يختلف بعضها أحيانا لكن لاشك أن حجة القرآن في هذا التناول بالغة، وحجتهم داحضة، إذ هو لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهم في اختلافهم معه ينادون من مكان بعيد”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى