سعاد العامري وكتابها الرابع  ” دمشقي “

عادل الأسطة | أديب فلسطيني

أصدرت سعاد العامري المهندسة المعمارية المسؤولة عن مؤسسة “رواق” كتابها الأدبي  الرابع تحت عنوان  “دمشقي” ، وكان الكتاب الذي كتبته مؤلفته باللغة الانجليزية ، كعادتها في كتابة كتبها ، صدر بالانجليزية في ٢٠١٦ ومؤخرا بالعربية عن منشورات “المتوسط” و”الرقمية” ٢٠١٩ ، وترجمه مع الكاتبة إلى العربية عماد الأحمد. 

الكتب الأدبية الثلاثة السابقة لسعاد هي “شارون وحماتي ” و”مراد مراد “و”غولدا ولدت هنا” .

والكاتبة التي ولدت في العام ١٩٥١ نشرت أول كتبها الأدبية في العام ٢٠٠٤ – أي وهي في الثالثة والخمسين من عمرها، وإن كانت كتبت أجزاء من الكتاب قبل عام النشر بسنوات .

لفت كتاب الكاتبة الأول  “شارون وحماتي” الأنظار إليه لأسباب عديدة منها موضوعاته وأسلوبه الساخر، وترجم إلى عشرين لغة منها العربية  ويبدو أن النجاح الذي حققته دفعها لمواصلة الكتابة،شأنها شأن اميل حبيبي الذي حققت له “سداسية الأيام الستة “١٩٦٨و” الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل “١٩٧٤ شهرة كبيرة شجعته على مواصلة الكتابة الأدبية.

وإذا أردنا تحديد هوية  “دمشقي” فإنه حسب معيار اللغة يدرج تحت الأدب الإنجليزي، ولكن حسب معايير أخرى، مثل الموضوع وهوية الكاتب ومكان ولادته وأصوله العرقية والمكان الذي تجري فيه الأحداث ، فإن الكتاب يدرج ضمن الأدب العربي ، وإن أردنا التحديد أكثر وأكثر فإنه يدرج ضمن الأدب العربي في بلاد الشام. 

وإذا أردنا تحديد الجنس الأدبي لما تكتبه سعاد  فإننا لا شك واقعون في حيرة.

كيف تصنف الكاتبة ما تكتب؟

شخصيا لم أقرأ لها سوى كتابين هما  “شارون وحماتي “و”دمشقي” ولا يمكن اعتبارهما روايتين  ؛ الأول هو نصوص أدبية نثرية ، والثاني هو مزيج من الحكي/الكتابة والسيرة  ؛ سيرة عائلة .

في النظر إلى غلاف “دمشقي ” نقرأ ما كتبه الناشر عن سعاد وكتبها. لقد عد “شارون وحماتي “رواية وأشار إلى كتب أخرى لها هي  “مراد مراد”و” غولدا نامت هنا” دون أن يدرجها تحت جنس أدبي، وعد في الكلمة التي أوردها على الغلاف الخلفي ل “دمشقي ” عد “دمشقي ” رواية. 

وإذا بحثنا في الغلاف عن تصنيف الكاتبة نفسها لكتابها  فإننا لن نقرأ عن تجنيس أدبي له،ففي الشكر الخاص تستخدم الكاتبة دال  “هذا الكتاب” ولكن ماذا تقول الراوية ؟ 

في الصفحة ١٠٥ ترى  فيما ترويه ملحمة ” سنعود إلى هذه الشخصية وتعقيداتها الكثيرة في سياق هذه الملحمة ” . وفي مواطن أخرى ترى  أن ما تسرده هو حكاية عائلية تروى من الذاكرة :

 “لا بد لي من القول إن مجموعة القصص المتشابكة المعششة في رأسي عن ابنة خالتي نورما، تبدو وكأنها الدمية الروسية ماتريوشكا قصة داخل قصة داخل قصة.

ليس لدي أي فكرة عما إذا كان هذا يتعلق بغنى طفولة نورما المضطربة وسنوات مراهقتها المعذبة، أو أنه يتعلق على الأرجح بذاكرتي التي تلاشت اليوم يشعر المرء عندما يكتب حكاية عائلية، وهو في الثالثة والستين، والنسيان رفيقه…” ولنركز على “بذاكرتي ” و “يكتب حكاية عائلية ” . 

 فماذا أقول ؟

وأنا أصغي إلى سعاد ،في ال (يوتيوب)،  في حفل تكريمها في مدينة يافا لاحظت أنها تركز في وصف نفسها على أنها حكاءة بالدرجة الأولى. هذا يعني أن ما يهمها بالدرجة الأولى هو الحكي، وفي الحكي كان المتلقون يهتمون بالحدث ولم يكن الشكل يعني لهم الكثير فهم شغوفون بمتابعة الأحداث وصيرورتها.

إن طريقة الحكي مهمة لا شك وكذلك عنصر التشويق ، ولكن ما هو مهم لهم أكثر هو الحكاية ذاتها ، و “دمشقي” ذاتها لا تخلو من دال الحكي والحكاية وطريقة الحكي أيضا.

إن طريقة الحكي وظاهرة العرض المسرحي تحضران في حضور العروض المسرحية في النص، وما يحضر أكثر هو شهرزاد راوية “ألف ليلة وليلة “، وتعد شهرزاد مثالا تقتديه سعاد لتحكي حكاية عائلات شامية: آل عبد الهادي و آل الجمل  و آل البارودي  وغيرهم من سكان بلاد الشام.

إنها تحكي عن أكثر من مائة عام من تاريخ تلك العائلات وما ألم بها – مثلا جدو نعمان، وهو شخصية رئيسة ، عاش من ١٨٦٢حتى ١٩٦٠ ويستمر زمن الحكاية حتى ٢٠١٢ – وبأهم المدن التي عاشت فيها وهي دمشق والقدس ونابلس وقرية عرابة، وتظل دمشق هي المدينة الأولى وليس مستغربا أن يكون العنوان “دمشقي”؛ العنوان الذي إن لم يلتفت القاريء إلى الفتحة على الياء فقد يتساءل تساؤلات عديدة :

– من هو؟

– دمشقي – منسوب إلى دمشق . 

– ما هو؟

– دمشق من؟ 

أما إذا التفت القاريء إلى الفتحة فإنه قد يربط بين الكاتب ودمشق،أو قد يربط بين أنا الراوي ودمشق ، وقد يكون أنا الراوي هو الكاتب وقد لا يكون ، وإن رجح من يقرأ عن حياة سعاد أن هناك تقاطعات كبيرة بينها وبين الراوية ليلى ،

فكلتاهما من مواليد ١٩٥١.

وكلتاهما عاشتا في عمان ودمشق. 

وكلتاهما تهتم بالقصور والبيوت وهندستها، وكلتاهما درست الهندسة المعمارية .تقول ليلى  :”عندما أتأمل كيف أصبحت في نهاية المطاف مهندسة معمارية، لا تعرف كيف ترسم خطا مستقيما، أتساءل دائما ما الذي كان سيحل ببيكاسو لو أن مدرسة التربية الفنية عضته وهو في السادسة من عمره  ” . 

وكلتاهما تحضر السخرية في حديثها أو كتابتها .

وكلتاهما كان والدها من يافا وكان يصطحبها إلى نادي الضباط في مدينة الزرقاء الأردنية وهناك تمارس رياضة السباحة .

وهناك أدلة أخرى عديدة .

الراوية :

الراوية في النص هي شخصية من شخصياته، وهكذا تروي لنا من الداخل عن عالم هي جزء منه . الراوية هي ليلى ابنة سامية، وسامية هي إحدى بنات جدو نعمان البارودي الدمشقي الذي تزوج من بسيمة ابنة آل عبد الهادي من سكان عرابة ونابلس ، وقد تزوجت سامية من عمر ابن يافا الذي درس في الجامعة الاميركية في بيروت وأقام بعد ١٩٤٨ في القدس ثم في عمان .

وكنت وازنت بين ليلى  وسعاد، وفي تصنيف “دمشقي” توقفت أمام عبارة الراوية”حكاية عائلية” ، وهكذا تروي ليلى/سعاد قسما من سيرة عائلة أمها آل عبد الهادي وبعضا من سيرة آل البارودي الدمشقيين وسيرة أمها التي تزوجت من والدها . وتتحول “دمشقي”  في قسمها الأخير  إلى سيرة ذاتية تقريبا لطفولة ليلى قبل زواجها. 

في “دمشقي” نلحظ تأثير دراسة سعاد العامري الهندسة المعمارية في الكتابة، فهذا الوصف التفصيلي الدقيق للأماكن التراثية ولقصور العائلات الإقطاعية والارستقراطية في دمشق ونابلس وغيرهما من المدن، ما كان ليكون على ما هو عليه لولا دراسة الكاتبة ومثلها ساردتها للهندسة المعمارية. 

ويرتبط بوصف القصور وصف الطعام الذي كان يتناوله سكانها وحياة البذخ فيها، كما تصف العلاقات الجنسية الشرعية وغير الشرعية ففي “دمشقي” تحضر اللقيطة ويحضر ابن السفاح .

 ولأن الكتاب يتناول فترة زمنية تربو على المائة عام فإنه يرصد تحولات هذه الطبقات وما آلت إليه القصور. 

تحكي ليلى / سعاد التي عرف عنها الميل إلى السخرية بأسلوب ساخر ناقد، وهنا يتذكر المرء ما رآه بعض النقاد الماركسيين في روايات بلزاك وهو يصف حياة الطبقة الارستقراطية التي كان جزءا منها. لقد كانت رواياته وهي تصور الحياة الداخلية لسكان القصور تفضح تلك الطبقة وتصور خواءها من الداخل ، وهو ما تفعله هنا سعاد  بوعي تام خلافا لما هو الحال لدى بلزاك، ولكن سعاد في نهاية الرواية تحاول عدم التمادي في فضح تلك الطبقة مجسدة في العائلة التي تحكي عنها، وتقول إن هذه العائلة مثل بقية العائلات ، ولذلك تكتب الفصل الأخير تحت عنوان “لكل عائلة جانبها المظلم وعائلتي ليست استثناء “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى