أمة اليقين يقودها الوهم! ( 1ـ التعليم)

منى مصطفى | تربوية وروائية مصرية 

لقد ميّز الله ـ جلّ وعزّ ـ أمتنا بكتاب محفوظ، لا يأتيه تحريف أو تزييف؛ لأن العليم الخبير تكفل بحفظه، وخصّها كذلك بنبيّ صادق أمين لا ينطق عن الهوى، وكل هذه نعم عظيمة تبعث في النفس اليقين، فما بالنا نذوب في آراء ما أنزل الله بها من سلطان، ما إن تُرسم لنا دائرة حتى ندور فيها بلا وعي، وحتى لا أطيل عليكم فأنا أقصد النظام التعليمي تحديدا، تدّبروا معي ـ حفظكم الله وفتح على عقولكم ـ ما الحصيلة التي يخرج بها الطفل من المرحلة الابتدائية بحسب مناهج العرب كلها؟

لا تنصدم فإن ابنك أضاع ست سنوات من عمره ليتقن فقط ( القراءة والكتابة بالعربية والانجليزية مع جدول الضرب) إن لم تصدقني فسل ابنك واختبر حصيلته! لن تجدها تزيد عما ذكرته …

ندور في فلك نظام ثابت فُرض على الأجيال بقصد أو بدون قصد، ثم نبكي ونردد: ابني تخرج من الجامعة جاهلًا، ابني في الثانوية لا يطيق يقرأ كتابًا واحدًا، ابني لا هدف له….

فماذا علّمته ؟ وبمَ أدبته؟ بالطبع لا شيء، لهثت وراء تفوق مزيف في مدرسته، ومناهج لا تغني ولا تسمن ولا تمس الواقع ولا حتى تعلم الدين والتاريخ كما يجب!

ما الحل إذن؟

الحل ألا يكون أقصى طموحك تفوق ابنك في مدرسته لأني أعتبره تفوق في الجهل!

دعه ينجح في المدرسة بأقل درجات ممكنة حتى لا يتخلف عن رفاقه، وضع له منهجًا موازيًا يتعلمه في البيت تحت رعايتك، هذا المنهج يعتمد أكثره على الحفظ من عمر الرابعة حتى الخامسة عشر، اهتم بحفظ القرآن والحديث والشعر العربي الموزون، والتدريب على الخط العربي الجميل، وإن آنست منه تميزا فزد له حفظ البديهيات والنظريات الرياضية والطب النبوي إن شئت … !!

عندما يصل للتاسعة من عمره تقريبًا، أدخل له نصوصًا باللغة الأجنبية، استماعًا ومشاهدة لمدة عام عن طريق اليوتيوب ثم كتابة …، سيصل للثانية عشر من عمره وهو لديه من المحفوظات ما يشكل وجدانه وفكره، ويجعله فائقًا على أقرانه، ولا تقلق، فهو لم يتأخر عن أقرانه في شيء، بل سبقهم بلا شك، واستعن على ذلك بمعلم واحد من طلاب العلم النابهين، وبعد أن تطمئن لأنه قطع شوطًا يرضيك استعن بمعلم آخر ليعلمه اللغة الانجليزية والحساب وكلها مبادئ لن يعجز معلم واحد عن القيام بها.

 ولا تنس أن يكون الترفيه منظمًا، يتعلم أنواع الرياضة حتى يحدد أحبها لنفسه ويتقدم فيه، اجعل الترفيه مكافأة له على جهده ليكون حافزًا منك لولدك فيبذل جهدًا بلا ملل.  

مع بداية المرحلة الثانوية أو قبلها بقليل ـ حسب القوانين في بلدك ـ ينتظم في مدرسته حيث سيبدأ في دراسة الرياضيات والعلوم المختلفة، ولكنه صنع أرضية علمية لغوية شرعية تُدرب عقله على الاستيعاب المضاعف، وفي نفس الوقت نفى عن كاهله دراسة المواد الأدبية لأنه تقدّم فيها عما يدرسه أقرانه.

سيبدأ بعد ذلك في إثراء معلوماته بالقراءة حيث أنك ستلاحظ أن معلومات المدرسة لم تعد تشبعه، هنا يمكن توجيه اهتمامه لتطوير مواهبه كأن ينظم الشعر بدلا من قراءته، ينوع في قراءات القرآن بدل من التزام قراءة واحدة، يتوجه للرياضيات أو الجغرافيا أو غيرها بحسب ميوله، وإن لم تجد له قبولا لأي من هذا فعلّمه حرفة إلى جوار دراسته، أو اكتف بالحرفة إن لم يكن ولدك أهلا للدراسة، فالمهم أنك بنيت لديه أرضية دينية وفكرية تحكمه أيًا كان توجهه بعد ذلك.

 بعضنا يستصعب ذلك على أبنائه متوهما أنه لن يفلح في هذا الطريق، وهذا غير صحيح فالعلم لا يكون إلا بطريقين: الحفظ أو الفهم، والطفولة هي مرحلة الحفظ المثلى، و كما قال أجدادنا ( التعليم في الصغر كالنقش على الحجر) وقد رأيت أحد اللغويين يُحفّظ ابنته وهي دون العاشرة المعلقات العشر من الشعر الجاهلي، وبإلقاء معبر وضبط صحيح! وكثيرون حفظوا القرآن الكريم دون سن العاشرة…

أما عن الخطة التي تتبعها في تحفيظ الأولاد أو تنفيذ منهجٍ ما معهم، فتوضع تبعًا لقدرة الطفل على الحفظ والتحصيل، ومدى حاجته للتكرار من عدمه، ومن يبحث على الشبكة يجد مناهج كثيرة متنوعة وممتازة للحفظ وتعلم اللغات، ومن لا يجد طريقًا لهذا فعليه بسؤال أهل الاختصاص أو أهل التجربة.

ولا أنسى ذلك الرجل اليمني ـ وهو دكتور جامعي ـ تقدم بطلب للمدرسة لمنح أولاده عطلة من الدوام والاكتفاء بحضور الامتحان فقط، وعندما استفسرنا عن السبب فقال أريد أن أعلّم أولادي !!

ـ كيف هذا!؟  تقطعهم عن المدرسة وتقول أعلمهم؟

ـ نعم، فما يدرسونه في مناهج المدرسة لا يغني ولا يسمن، حسبهم أن تعلموا القراءة والكتابة!

ـ أخذ كل منا يدلو بدلوه مادحًا المدرسة والمناهج وطريقة التدريس والاعترافات الدولية الكثيرة التي حصلت عليها المدرسة…

ـ فقال: ماذا يحفظ الطفل من متون لديكم حتى يتخرج من المتوسط أي أن عمره 15 عاما؟

بادرت زميلة وردت: أي حفظ؟ الحفظ طريقة جدي وجدك!

فقال وهل جاء بعد جدي وجدك عالم، انظري لمخرجات التعليم، تعرفي مقصدي.

استوقفني فكر الرجل، وحرصت على متابعة أولاده، وهل سيصنع منهم شيئا مختلفا أم لا؟

 بعد عودتهم للدوام المنتظم في نهاية المرحلة المتوسطة، وجدت طلبة علم أمامي، ليسوا كأقرانهم لا يحسنون إلقاء قصيدة في محفل، وجدتهم نموذجًا طيبًا لما يجب أن تكون عليه أشبال أمة اقرأ.

 لا يُفهم أنني أدعو لأن يكون كل شباب الأمة طلاب علم شرعي فقط، بل أدعو لإنهاء عصر الطبيب والمهندس والمعلم الذي لا يعرف يكتب تقريرًا صحيحًا أو يُلم حتى بأركان وواجبات وسنن الصلاة.

 فالعلم باللغة والدين أصل في المسلم بغض النظر عن تخصصه أو وظيفته، كانوا في بلاد الإغريق قديما لا يقبلون أحدًا في دراسة الطب إلا بعد أن يدرس الأخلاق أولا ثم يختبر فيها، ويبدأ مسيرة دراسة الطب!، فأين جامعاتنا التي تعج بأنواع الفساد من ذلك النموذج، ونحن أمة محمد ﷺ الذي كان خلقه القرآن.

أخي الأب نحن في أزمة حقيقية، نُهلك أنفسنا من أجل إشباع بطن أولادنا فقط، ونتغافل عن الأخلاق والدين والعقل، ثم نستفيق على صفعات القسوة والعقوق، استفيقوا يرحمكم الله ، اقتدوا بهدي نبيكم، تعلموا سيرته وعلموها لأبنائكم، لا تكن عونا لأعداء الأمة على هدمها، لا تقبل كل نظام قبل أن تمرره على عقلك ودينك، ثم تتبين ماذا تأخذ منه، وماذا تترك، وماذا تضيف إليه، فمن المؤسف حقا أن يتخرج الشاب في منتصف العشرينات وهو لا يحسن شيئا، ولم يكسب على مدى عمره درهما ولا دينارا، في الغرب لا يتخطى الطالب مرحلة دراسية إلا بعد مشروع التخرج الذي يثبت أداء الطالب لاثنين وسبعين ساعة عمل في مجالٍ يختاره، وتحت رقابة المدرسة، وفي أمة اليقين ربما يموت الشاب وهو لا يعرف يستبدل لمبة في منزله!  ويجدر الإشارة لأن ما سبق هو مجرد تصور لبناء طفل متعلم خرج من بيت مسلم، ولكل أب التنفيذ بحسب ظروفه وإمكاناته.

وخلاصة الأمر لا تنتظر من دولة أو مدرسة تربي لك ابنك على ما تريد أنت، بل ستربيه على ما تريده هي بحسب موجهي الفكر فيها، فيا أمة اليقين لا يقتلك الوهم بالشهادة والمكانة الاجتماعية المتوهمة، فما هي إلا حيل لسلب العمر ونشر الجهل، ولولا تجذر هذه المفاهيم حولنا وصعوبة الانفصال عن المجتمع لكان الانتساب للنظام التعليمي الحالي كله فيه نظر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى