قراءة نقدية انطباعية في نص (ثمرة ضوء) للشاعر محمد أبو عيد

وجدان | خضور – أديبة وناقدة

أولا – النص:

طائران داخل فمي
وعيني بلا أشجار
ملامحي بدون وجه تتحسس الطريق !
حضارة قديمة أقامت المعابد على رأسي
مثقل الرؤى قمر المجاز
كيف انتزع ثمرة ضوء من أسنان الحلكة
أحتاج مشكاة مائية وقنينة شوك
وضحكة واسعة من بكاء رائحة الخبز
ماذا عن الطريق أين اليوم راهبه
أريد مصافحة العليقة
بالحب والدموع والشموع
أشق بحرا لطيور التاريخ الشاردة
خلف أسوار الليل
تحت ظل النور المزامير تنادي
أتريد أن تعرف أكثر ؟
السير على الأثر يبدأ من أقصى الشتاء
كلما اقتربت إقرأ سطور جبينك
سيملأ أذنك زفير الحيارى وحزن الحياة
المسافة بين جبريل واسرافيل قصيرة جدا
عراف ورهبان ينتظرون ما وراء الغيب
والليل مطمئن فليس هناك غير عطر ودخان
يارائحة النور خذي القلب وانطلقي
فآية الله يركض صوبها الحب
كوكب الضوء انسدت مساريه
إني أتأرجح بين الشعر وبلادة شاعر
النار في حواشي رأسي
جرجرت أنوثة أفكاري من شعورها
بخيلة حد الشح لم تترك للروح حطبا
حملت انطفاءاتي الهشة
وجلست على جبل الرماد
رأيت وجه الله في كل المرايا
الجوامع والكنائس الأديرة والبقاع المباركة
كان مبتسما لفضولي المهذب
وأنا أقطف من ظلامي ورمادي…
ثمرة ضوء .

ثانيا – القراءة الناقدة 

ثمرة ضوء.. العنوان يقطف ما تسنى له من أمنيات تجتاح روح محلقة بنصاعة اللون .. طائران داخل فمي وعيني بلا أشجار .. طائران من عطر ودخان فم الشاعر إما يفوح بالعطر حين يرسم زهر فكره على الورق بينابيع حلمه أو يسطر من جذوة القهر نار التمرد على الطغيان والظلم فكانت الرمزية تجنح على ورق شاعرنا من فمه بهذا الشكل ..طائران فالعطر ينتشر بفواحه والدخان ينتشر ايضا من جذوة القهر فهما على الجهتين طائران..
شاعرنا المحلق بحالة من التيه وسط قحط مدروس على طريق تمحو ملامح وجوده بطباشير قدّستها العادات بما توارثته الأجيال،
وتلك الحضارة القديمة قد أثقلت عليه بالواجبات التي استعادت روحه كي لا تتفتح بصيرته ليرى قمر المجاز فيتسائل الشاعر حينها كيف وهو بهذا الحال سينتزع ثمرة الضوء اي يثبت وجوده ويقتفي اثر الحقيقة في حلكة من دامس الظلام وايضا يرى الشاعر ان الظلام أسنان تهضم الحقوق فقد أشار بأنه سيقوم بانتزاعها من أسنان الظلام، .. أحتاج مشكاة مائية وقنينة شوك .. المشكاة هي المكان الذي يوضع فيه الضوء ربما يرمز الشاعر إلى لون الماء وشفافيته كي لا تحجب الضوء من جميع الجهات لشدة الظلام الذي يحكم قبضته على الطريق وقنينة شوك ربما هي لانتزاع ثمرة الضوء من بين اسنان حلكة الطريق.. وضحكة واسعة من بكاء رائحة الخبز … الضحكة الواسعة هي الصبر الذي يمضغ مرارته بضحكة تتحدى اليأس .. يتساىل الشاعر هنا عن راهب الطريق فالطريق هنا هو هذا الزمن الذي نعيشه من عمرنا اين راهب الطريق اي اين النقاء اين الحب والتسامح اين النور الذي علمونا إياه عبر العصور القديمة .. ومن ثم يردف التساؤل بما يريد فقد قال احتاج أن اصافح العليقة بالحب والدموع والشموع .. العليقة هنا قصد بها الشاعر جميع الأديان فنحن المسلمين مؤمن بكل الانبياء وبما جاء به جميع الرسل فهم انبياء الله عليهم السلام وقد جاؤونا بكلام الله حل جلاله بتلك الرمزية يريد الشاعر أن نعيش الحب سويا كبشر متحابون متسامحون متآلفون دون حقد أو ضغينة أو استعلاء وتكفير الآخرين فقط لأنهم مسيحين أو ما شابه … هذا الزمن الذي لا تشوبه ضغينة أو حقد كل هذا أصبح خلف أسوار الليل إنه تاريخ نقرأه ولا نمارسه ولا نعيشه برغم أنه من حقنا نحن .. تحت ظل النور ما زالت الاصوات تصدح من أجل الوجود من أجل الميلاد والحياة والعدل من أجل الإنسانية والحرية في زماننا الحسير …
هنا يدعو الشاعر إلى السير على الأثر .. الأثر هنا هو اثر السلف الذين رحلوا وتركوا أثرهم بالخير بالنور والعطر بثمار تغذي العزة والإباء فبعد تلك التناهيد التي ملأت الروح بحزن الحياة المتواتر منذ أول خطيئة حصلت على الأرض فكل ذلك.مكتوب على الجبين وقد تم توضيح الطريق المشرقة بالنور عبر كلام الله الذي حمله جبرائيل وقد نبّه الشاعر إلى أن المسافة بين ما يجب علينا في الحياة الدنيا وبين موعد النفخ الذي وكل به اسرافيل قصيرة جدا الجميع ينتظر ما وراء الغيب .. الليل مطمئن فليس هناك غير العطر والدخان الممزوج بمشاعر القلب المنطلق إلى النور والايمان والحب ..
لسعات الظلام فادحة بسريان القشعريرة في جسد مصنوع من ضوء ك جسد شاعرنا المتأرجح حيث تأخذه المشاعر بتسابيح الوجود والحياة ومن ثم ينتبذ سراديب البلادة بمشاعر مسنودة مقيتة، سوس الحزن يمخر حطب النار المشتعلة في رأسه وتسعى به إلى الإنطفاء بعد ان اجهش اليأس على جبل الرماد بيد أنه يجلس عليه ليرى وجه الله في مسعاه ليعود من جديد يسعى وهو يجوب بقلبه ونقاءه بيوت الله المباركة ويستشعر رضى الله وهو في وسط كل هذا الظلام يقطف بكل إصرار ثمرة الضوء وهو رضى الله والسعي المستمر بهذا العمل عبر يراعه المتمرد على الظلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى