دوافع ثانوية ( قصة قصيرة )

محمد الشربيني | مصر

كان جالساً على طاولته المشرفة على موائد الطعام المتراصة فى صف واحد طولي عند صدر القاعة، والمغطاة بالمفرش الأحمر المزين بخطوط ودوائر ذهبية، والذى وضعت فى منتصفه تماماً الكعكة الكبيرة المزينة بإتقان، والتى تم إعدادها خصيصاً للحفل المسائى بقاعة الفندق الكبير.

كان السقف مرتفعاً وكانت القاعة ضيقة بشكل ما، أو هكذا بدت، أو هكذا أرادها أن تبدو، إلا أنه وعلى أية حال لم يكن يشعر بالارتياح فى الأماكن الواسعة والتى لا يستطيع أن يحصى تفاصيلها بدقة.

تفرس فى وجوه الحاضرين وهيئتهم، قال فى نفسه: مرحباً بحلوى المجتمع وزينته، لم تكن تتخيل أمى أن تفكر يوما مجرد تفكير فى أن الشقي سيكون هنا، مدعواً باحترام لمشاركة عِلية القوم حفلهم الخاص. 

كان منتشياً للغاية، ومنتبهاً للغاية ومتحفزاً أيضاً للغاية

وبينما كان يحلق هناك بعيداً معانقاً نشوته، إذا بصوت هادر يطرق سمعه، قال: دائم التذمر والضجر، حتى الكذب لا تكف عنه أبداً، ألا تنهى عملاً بدأته، أهكذا أنت دائماً، لن تفلح، افعل، لا تفعل، بالطبع تظن أنى لا أحبك، وأني هو ذلك الغبي المتجهم!

وهكذا كان صوت أبيه متسلطاً على أذنيه، قال: ليتك هنا لترى بنفسك، لكم كرهت ذلك، لكني وعلى الرغم من كرهي الشديد لتلك السلطة وذلك التسلط، فإنى أدين لها ولك بالفضل فلولاها ما كنت هنا الآن

لقد غرست تلك السلطة فى نفسى بغضاً لكل مظاهرها، وعلمتني معنى الحرية، علمتنى كيف أرفض كيف أقول لا

لقد قلتها ولا أزال ولن أزال أقولها لا لكل سلطة، فقد تعلمت مراراً معنى أن يكون الإنسان حراً.

كان الحضور يتوافدون تباعا وكان قد عمد إلى طاولته زميل له يعمل صحفياً فى جريدة خاصة، وضع الكاميرا خاصته وبعض المرفقات أمامه ظنها طاولة الصحفيين والمراسلين، تبادلا عبارات الترحيب

سأله زميله:

– هل جئت لتغطية الحفل لجريدتكم؟

قال بعزة وفخر باديين

–  كلا إنما جئت مدعواً للمشاركة بالحفل

شعر زميله بالخجل، حمل أغراضه وقال

 – نلتقى إذا بعد الحفل

رد بإيماءة صحبتها ابتسامة خفيفة

فى هذه الأثناء كان قد دخل راعي الحفل 

رحب بالمدعويين، افتتح البوفيه، دعاهم إليه.

غادر طاولته، عمد إلى الكعكة الكبيرة،

 لكن الزحام حولها كان شديداً

لم يستطيع اختراقه والوصول إليها، أخذ فى مناكفة الملتفين حولها مراراً، حتى اتفقوا ضمنياً فيما بينهم، واقتطع أحدهم جزءًا من الكعكة، وضعه فى صحن مناسب، قدمه إليه، حمل الصحن بعرفان وود، عاد آفلاً إلى حيث طاولته، وقبل أن يأكل لم ينسَ أن يقدم الشكر للسُلطة الأبويّة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى