الصحة والدستور

د. فيصل رضوان | أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية بالوكالة الأمريكية للمحيطات والأجواء (نوا)- الأستاذ الزائر بجامعة سوهاج

ربما تنظر إلى العنوان وتقول؛ ما علاقة الصحة بالدستور؟

نعم، فالصحة مصطلح علوم طبية ونفسية إلى آخره، بينما الدستور يرتبط بالقوانين والحقوق، وهو أمر قد يظهر مختلف تمامًا.ولكن، ربما يتضح لك إذا أكملت قراءة هذا المقال أن هناك عاملا مشتركا بين الصحة والدستور. 

يبدو أن مفهوم الصحة لم يتغير كثيرًا مع تطور جنسنا البشرى؛ فهو معروف لدى العامة والمتخصصين على السواء، بأنه مجموعة ممارسات يومية من أنشطة بدنية، وغذائية وأجواء نفسية وعقلية “قد” تضمن النمو الطبيعى وزيادة السعادة والإنتاجية وتقليل فرص الإصابة بالمرض بأنواعه.

والدستور، أيضا، هو اتفاق مجتمعى مكتوب يشمل مجموعة مفاهيم وموروثات لهذا المجتمع، تضمن لهذا الكيان المجتمعى الاستقلال، ولأفراده الاحترام والحرية والأمن وقواعد التعايش والتكافل فيما بينهم. 

ومع تقدم العصر ورواج المعرفة، أصبح للصحة خبراء متخصصين وضعوا قواعد وشروط وطرق الممارسات الصحية كتفسير للصحة والحياة الصحية بمفهومها العام. 

ببساطة؛ يقولون لنا: “افعل ولا تفعل”  كى تكون صحيًا ولا يصيبك المرض هذا مثلاً، أو زيادة فى الوزن أو شيخوخة مبكرة إلى آخره من الأمور. 

ولكن يبقى الانتباه إلى أن هذه القواعد والتوصيات الصحية ليست مثالية أبداً، وتتغير وتختلف مع تقدم المعرفة والاكتشاف.

وهنا تأتى قيمة دور خبراء الصحة فى قياس دقة المعايير الصحية، وإخضاعها إلى مراجعة دورية لضبط عوامل الملائمة والموائمة للمجتمع ذاته، واختيار الأنسب، بل وأقصر الطرق للحفاظ على الصحة العامة.

وبالحال نفسها التي تزايدت بها الأمراض، فقد تشابكت العلاقات والمُعاملات بين الناس، وتعقدت الأمور لدرجة وقوع الخلاف فى فهم مطابقة عمل ما لما جاء فى دستور المجتمع ومبادئه.

وكان لا بد من وضع قوانين يتم فهمها واتباعها بسهولة؛ تفسر كيفية التعامل اليومى فى ظل الروح الطيبة التى اتفق عليها دستور المجتمع من قواعد وقيم.  

وكما كان لخبراء الصحة دور هام؛ أى وضع قواعد الصحة وإجراءاتها، فهنا يأتى دور صناعة القانون؛ وهو دور عظيم الأثر على حياة كل الناس، يقوم به أعضاء المجالس النيابية؛ الذين حملهم الشعب مسؤولية صياغة روح الدستور،  فى قوانين وضعت لتفسر ما جاء به الدستور من معانى وقيم وضمانات. حملهم الشعب صياغة قانون سهل ومُيسر، يضمن تطبيق نزيه لما جاء به الدستور من مساواة وعدم تجاوز، وحفظ لأجواء الأمن والسلام والتكافل المجتمعى.  

وكما يتم تصحيح وتنقيح دورى لقواعد الصحة كلما زادت المعرفة فى مجال الأمراض؛ فقد تصبح القوانين قديمة وغير فعالة حيث يتوجب إلغائها أو تنقيحها حتى تلائم تطور أسلوب الحياة.

فالقوانين أياً كانت صحية أو دستورية ما هى إلا أدوات وضعت أساسا لحفظ الحياة السعيدة والآمنة داخل المجتمع الواحد.

ونحن نتفاخر بالتقدم العلمى والمعرفى الكبير، وما نمتلكه من رفاهية عيش، وإجراءات صحية، فإن من المثير للتأمل حقًا، أنه ليست هناك ضمانات كاملة لحياة صحية للإنسان، بل تتزايد الأمراض ونقع كل يوم فى أخطاء تتطلب زيارة الطبيب وصرف “علاج”.  والعلاج هنا غالبًا ما هو إلا دواء مكلف، مر المذاق وله أعراض جانبية؛ ولا يضمن شفاءً كاملاً، إلا إذا كانت هناك عزيمة وأجواء نفسية مناسبة تساعد المريض على المرور بالأزمة بسلام.  

وكما هو الحال فيمن يتجاوز الأعراف المجتمعية ويتجاهل القانون فهو فى حاجة إلى “علاج”، يقع تحت طائلة القانون. علاج قانونى ليس الهدف منه التدمير أو التشويه، بل الهدف هو التصحيح والتأهيل؛ إعادة البناء للفرد وليس هدمه. 

هنا ربما يتضح لنا أن المعتدى فى حق القانون، مثله مثل المريض. والعلاج هو العامل المشترك بين الصحة والدستور.  

ونريد من هذا المقال توضيح نقطة محورية هامة تدور حول أهمية العلاج وجرعاته فى القضاء، أو بشكل دقيق التخفيف من حدة الأمراض الصحية والمجتمعية التى تزايدت هذه الأيام.

اعتقد أنه كلما زادت تكاليف العلاج وزادت مرارته وأعراضه الجانبية؛ وكلما تعقدت طرق تعاطى جرعاته؛ أصبح عبئاً ثقيلًا وربما كان سبباً فى إزهاق الحياة وليس حفظها. 

وبالمِثل، كلما انحرفت القوانين عن روح الدستور ومعانيه النبيلة، أصبحت هذه القوانين، كالحنظل المر،  وسيفاً مسلطًا على رقاب الناس.

حينما تصبح القوانين بدون روح وتفتقد البعد الإنسانى ومراعاة الحقوق، فقد تُرهب الناس وتخوفهم ولكن يصبح تنفيذها غاية فى الصعوبة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى