بورتريه داخلي (2)  “Portrait intérieur”

ترجمة: أطلس حاضر | المغرب – قصيدة : راينر ماريا ريلكه

يا أصدقائي، جميعكم، لا أُنكر

منكم أحدا ولا حتى ذاك العابر

الذي لم يكن في الحياة الطارئة

سوى نظرة وديعة مفتوحة ومترددة.

 

كم من مرة كائنٌ ما، رُغما عنه،

يوقف بعينه أو إشارته

تَهَرُّبَ الغير الخفي

ليجعل له الهنيهة بادية.

 

الغرباء لهم الحصة العظمى

من قدرنا الذي يُكمله كلُّ يوم.

ارمقي جيدا، أيا غريبة كتومة،

قلبي الشارد وأنت ترفعين نظرتك.

 

بجع يتقدم على الماء

محفوفا بملء ذاته،

مثل لوحة عائمة؛

هكذا في بعض اللحظات

يكون الكائن الذي به نهيم

فضاء مفعما بالحيوية.

 

يقترب، مُضاعَفا،

مثل هذا البجع السابح،

من روحنا المضطربة…

التي تضفي على هذا الكائن

مسحة مرتعشة

من سعادة ولايقين.

 

آه ياحنين الأماكن التي لم تُعشق

كفاية في الساعة العابرة،

لَكَمْ أرغب أن ألقي لها من بعيد

الإشارة المنسية والإثارة الضافية!

 

كأن أعود أدراجي وأعيد بروية

  • وهذه المرة وحيدا- ذاك السفر

وأن أبقى أطول قرب الينبوع،

أن ألمس تلك الشجرة، أن اتلمس تلك الدكَّة…

 

كأن أصعد الى الدير المنزوي

الذي يقول الناس أن لا صلاح منه يُرجى؛

وأن أفتح سياج تلك المقبرة

وأسكت رفقتها هي المغرقة في السكات.

 

لأنَّ أَوَ ليس هذا هو الأوان الذي يقتضي

اقتطاف وصال رفيع و تَقِيٍّ؟

أحدهم كان قويا لأن الأرض قوية؛

وأخر يشتكي لأنه لم يعرفها إلا قليلا.

 

هذا المساء أَمْرٌ ما عبر في الهواء

وجعل الرأس ينحني؛

كم نرغب في الصلاة للمسجونين

الذين توقفت حياتهم.

ثم نفكر في الحياة المتوقفة…

 

بالحياة التى كفت عن السير باتجاه الموت

وحيث يغيب الغد؛

حيث يلزم أن نكون بلا جدوى أقوياء

وحزانى، بلا جدوى.

 

حيث كل الأيام تراوح المكان،

وحيث الليالي تسقط في الهاوية،

وحيث وعي الطفولة الحميمة

ينمحي إلى تلك الدرجة،

 

حيث يشيخ القلب تماما عن تصور طفل.

هذا ليس لأن الحياة كانت معادية؛

بل لأننا كنا نكذب عليها.

مسجونون داخل جلمود القدر الجامد.

 

مثلما حصان يشرب من الينبوع،

مثلما ورقة وهي تسقط تلمسنا،

مثلما يَد فارغة أو مثلما فَم

بِوُدِّهِ أن يكلمنا ويجرؤ بالكاد –

 

كثيرةٌ تقلبات الحياة التي ستصفو

كثيرةٌ أحلام الألم الذي سيغفو:

يا من له قلب ينعم بالمسرات،

فتش عن الخليقة وضمدها بالمواساة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى