ثقافة الهجرة من الريف إلى المدينة

جميل السلحوت | فلسطين
يلاحظ أنّ معدّلات الهجرة الدّاخليّة من الرّيف إلى المدينة في العالم العربيّ تشكّل ظاهرة لا تبشّر بالخير، ولهذه الهجرات أسباب قد تختلف من قطر إلى آخر في جزئيّاتها، ومن هذه الأسباب أنّ اقتصاديّات البلد في غالبيّتها تتمركز في العاصمة، وفي المدن الكبيرة، وكذلك بالنّسبة للمؤسّسات، كالمستشفيات، الجامعات، الشّركات، والمصانع والبنوك، وغيرها.
ومن أسباب الهجرات الدّاخليّة أيضا أنّ الحكومات لا تبني مؤسّسات في الرّيف لاستيعاب الأيدي العاملة في مختلف المجالات.
ويلاحظ أنّ العديد من القرى لا يوجد فيها مدارس ثانويّة، مع أنّه يوجد فيها أعداد طلبة تكفي لفتح صفوف ثانويّة، وعدم وجود المدارس الثّانويّة يلزم الطلبة بالالتحاق في مدارس المدن القريبة لمكان سكنهم لاستكمال دراستهم، ثمّ الالتحاق في الجامعة، وبعد التّخرّج يبحثون عن عمل في المدينة، ويستقرّون فيها، وحتّى العمّال والمهنيّون يبحثون عن عمل في المدن، ويستقرّون فيها أيضا، والكثافة السّكانيّة في المدن تخلق أزمات كثيرة في المواصلات وازدحام الشّوارع، وأزمات في الاسكان، وارتفاع فاحش في ثمن الأراضي…..إلخ. وهذا الازدحام يزيد نسبة الجريمة في المدن على مختلف مستوياتها.
وإذا كان من البدهيّات التّذكير بحقّ المواطن على حرّيّته في التّنقّل والتّملّك والسّكن والعمل في وطنه، إلا أنّ الهجرة العشوائيّة من الرّيف للمدينة لها سلبيّاتها أيضا، وأولى هذه السّلبيّات هو ترك الأراضي الزّراعيّة في الرّيف وعدم استغلالها لنقص الأيدي العاملة التي تركت الحياة في الرّيف، وعدم استغلال الأراضي له تأثير بائن على الدّخل القوميّ لأيّ بلد، ومن هنا فإنّ دولا صناعيّة ثريّة جدا، كالولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا، تستغلّ أراضيها الزّراعيّة وتوجّه المزارعين وتدعمهم ماديّا لتوفير احتياجات البلد، وانتاج فائض هائل للتّصدير، يجعلها تسيطر على السّوق العالميّ لبعض المنتوجات كالقمح والشّعير والذّرة، بل وتتحكّم بسياسات الدّول المستوردة، بينما غالبيّة دولنا العربيّة لديها أراضٍ زراعيّة شاسعة، لا يتمّ استغلالها زراعيّا حتّى لتوفير ما يستهلكه مواطنوها، فتلجأ لاستيراد حاجة سوقها من الخارج، وتخضع لشروط المصدّرين، والتي لا تتوقّف على تسديد أثمان ما تمّ استيراده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى