حافزية الإعاقة الجسدية النفسية للإبداع وإطلاق القدرات الخلاقة

 باسم عبد الكريم العراقي – العراق
كمدخل لدراستي النفس ـ اجتماعية هذه، سأقوم بتحديد مفهوم “الإعاقة” بدقة ،وتعريفها وفق ماالمتفق عليه كبار الأطباء و علماء النفس والاجتماع ،فضلاً عن منظمة الصحة العالمية.
الإعاقة بإيجاز : عطب وضرر او عجز وظيفي يصيب، لسبب أو آخر، عضواً أو أكثر من أعضاء جسم الفرد، أو قدراته العقلية أو النفسية، فيعيقه (يعيق لغةً: يمنع، يعرقل، يثبّط) عن أداء وظائفه الحياتية الطبيعية بشكل سوي اتجاه نفسه، و الآخرين (الأسرة والمجتمع)،ويحرمه (حسب درجة إعاقته) القدرة على التفاعل العلاقاتي المتكافئ مع محيطه الجمعي، ويرهن ديمومة وجوده الإنساني بإرادة الآخرين، فهم الأوصياء عليه، المتحكمون بأسباب حياته، يحددون درجة (إشباع / لا إشباع) حاجاته البايولوجية السايكولوجية، ويقدرون نسبة اكتفائه الذاتي منها، وما يترتب على هذا من بلوغه حالة ( الاتزان / لااتزان ) الداخلي .
و قبل تحديد صلة الاعاقة بالابداع باعتباره منجزاً معرفياً نوعياً ، سأقوم على عجالة بتفكيك ماورد في تعريفها أعلاه من دلالات معنوية، للوقوف على مدى صحة اعتبارها مثيراتٍ حسية خارجية (إيجابية/ سلبية) مختزنة في لاوعي المعاق كأهم المحفزات الأساسية لذلك الإبداع إن وجد:
إن ما يعانيه المعاق من عجز عن القيام بشؤونه الحياتية الخاصة بسبب الإعاقة سيرتبط في لاشعوره بتبعيته الدائمة للآخرين كما مر بنا أعلاه، والتبعية هنا تعني خضوعه لمشيئتهم ومزاجيتهم واستسلامه التام لإرادتهم، وقبوله بعونهم دون اعتراض حتى إن كان لايسد حاجته، أو اقترن بتذمرهم منه، ونعتهم إياه (بالعالة) العديم القدر والنفع، وإنه فرد من الدرجة الثانية أو أدنى، وإذا قمنا بتجميع هذه المعاني نحصل على مايلي:
التبعية + الخضوع / الاستسلام + عدم الاعتراض = عبودية
العبودية = لا حرية
هنا الإعاقة = الشعور بالنقص
إذن فهذه الدلالات هي مثيرات حسية خارجية فعلاً؛ ومع ديمومة اختزانها في (لاوعي) المعاق، يتعمق فيه الشعور بالنقص، مسبباً له حالة القلق التوتري، التي تفقده هدوءه وأمانه النفسي، مما يعرضه لاحقاً حالات عصابية (اضطرابات انفعالية)، يقوّض اشتدادها صلته بذاته الداخلية، والخارجية (الواقعية) التي ينظر إليها المجتمع بدونية بسبب (نقصها)، فيتولد لديه نزوع للانتقام من ذاتَيه كلتيهما، كآلية دفاعية نفسية (أي إنه لاشعورياً يسعى لتخفيف من حدة توتره المذكور، بتخيل وسيلة تزيح مسبباته وهما تلكما الذاتان) و يجد متنفسه الشعوري المقابل لصراعاته الداخلية، في انسحابه من مصدر الازمة ( الواقع ) ، منغلقاً على ذاته ، واذا ماكان هذا المعاق ذا حظٍّ من الثقافة والمعرفة وامتلاك الأدوات التعبيرية التيتترجم أفكاره ومشاعره إلى أثر مقروء (منجز أدبي أو علمي) أو مرئي (منتج فني تشكيلي) أو مسموع (ألحان موسيقية) ،فإنه سيؤكد هذا التعالق السببي [الإعاقة / الإبداع]، لكنه ف هذه االحالة سيكون إبداعاً سلبياً سوداوياً (عندما يكون محوره الذات)، هداماً في تعاطيه مع الواقع، بغائية خطابية تحط من قيمة (الأخر الجمعي) فكراً و عُرفاً سلوكياً أخلاقياً، أي أنه إبداع إسقاطي لنزعته الانتقامية السابق ذكرها، والعكس بالعكس بالنسبة للإبداع الإيجابي المفعم بالحياة للمعاق الذي يكون تأثير الآخر الجمعي عليه نقيضاً لمن مرَّ ذكره، حيث تكون محبتهم الصادقة له واهتمامهم الإنساني الحقيقي بدمجه في مجتمعه كفرد من الدرجة الأولى له كامل الحقوق والقدر الاعتباري اللذين يتمع بهما الأسوياء، فالآخر هنا سيكون عاملاً مساعدا لرغبة المعاق في تجاوز شعوره بالنقص وتحقيق ذاته كإنسان متكامل في معناه الوجودي، وهذا مايترجمه في منجزه الإبداعي محققاً صحة الجدلية (إعاقة / إبداع حقيقي) واستذكر هنا المعاقين المبدعين المعاصرين على سبيل الاستشهاد
أولا ـ من العرب:
ـ د.طه حسين (عميد الأدب العربي).
ـ البردوني (كبير شعراء اليمن) .
ـ سيد مكاوي (موسيقار مصري شهير).
ثانيا ـ من غير العرب:
ـ ستيفن هوكينج عالم الفيزياء البريطاني:أصيب بمرض عصبى وهو فى الحادية والعشرين من عمره وهو مرض التصلب الجانبى als، المرض المميت الذى لا علاج له، وتوقع الأطباء أنه لا يعيش أكثر من سنتين وبالتحدى والإصرار على تأكيد الذات و النجاح استطاع قهر العجز وأبهر الأطباء بمجاهدته، حتى تجاوز عمره الـ72 عامًا، ما أتاح له فرصة العطاء فى مجال العلوم وبالتحديد علوم الفيزياء النظرية، وبالرغم من أن هذا المرض جعله قعيدًا إلا أن عقله لم يقف برهة، حيث حصل على الدكتوراه فى علم الكون ( كوزمولوجيا) من جامعة كامبرج، وحصل على درجة الشرف الأولى فى الفيزياء واستطاع أن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء وبطريقة لا تصدق كان يجرى كل الحسابات فى ذهنه له أبحاث نظرية في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، كما له أبحاث ودراسات في التسلسل الزمني.شارك ابنته الروائية فى كتابة كتب الأطفال لتقديم شرح مبسط عن الكون بطريقة روائية 2007عام.
ـ نيك فيوتتش (من التفكير فى الانتحار الى انموذج يحتذى به فى الأمل والكفاح):
ولد نيك في استراليا وهو يعانى من متلازمة نقص الأطراف الأربعة وهى متلازمة نادرة الوجود عانى فيها من فقدان الأذرع والأرجل بشكل كامل باستثناء قدم صغيرة فى أسفل جذعه، طفولته كانت عرضة للسخرية لمن حوله وتعرض لحالة نفسية سيئة دفعته للتفكير فى الانتحار، ولكنه وجد أن هذا التفكير السلبى ما هو إلا تدمير لحياته، فتعايش مع إعاقته ولم يكتف بذلك بل اتخذ من إعاقته وسيلة لا ترى إلا الجانب المشرق الذى بثه على الجميع من حوله.
تعلم نيك الكتابة بأصابع قدمه الصغيرة وتعلم استخدام الحاسوب والطباعة عليه وتعلم أيضًا رمى كرات التنس والعزف على الطبل كما تعلم السباحة، وفى سن 17 عاما أسس منظمته غير الربحية “الحياة بدون أطراف” لبث الأمل والتفاؤل وإخبار العالم أن الحياة لا تقف على إعاقة، وتحول من الشخص اليائس الذى فكر فى الانتحار لنموذج يحتذى به فى الأمل من خلال خطاباته فى أماكن مختلفة من العالم ليثبت للعالم قدرته على فعل المستحيل بالإرادةالقوية.
ـ هيلين كيلر . أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية، عانت هيلين كيلر من المرض في سن تسعة عشر شهراً ما أدى إلى فقدانها السمع والبصر تماماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى