أرى بالأخضـر

لينا شيخو | سوريا

يشاكسني الليلُ الذي يترنّح على تخومِ الصباح ..

ـ النومُ الهانىء الذي يغفو على وسائدَ ليستْ لي ..

ـ النوم الذي يفلتُ يدي كلّما شدَدْتهُ ..

أفضّ الاشتباك القَلِق معهُ وأخيطُ إلى نعاسي قطعةً من حرير السّـلام ..

الغرفةُ تتثاءبُ والعتمة تسيلُ من جدرانها ..

 

في الجوار..

يجمعون الخيبات واللاءات في غرفٍ كبيرة ويسـدّون بها عرى الهدوء.

بابُ البيتِ يغيّرُ مكانهُ كلّما سمعَ وقْعَ خُطى الحَرب .

السّـقف الذي طارَ تحوّل إلى سـماء تتسـع لهدير النداءات ..

الجدران تميلُ عليّ وأصابعي مضفورة بالعجز ..

السـتائر تنكشف للضّوء ، الضّـوء الذي يتوه في ضوضاء المدينة يشبهني حين أوزّعُ ملامحي على وجوه المارّة .

من الشّـرفةِ التي كانت تطلُّ عليّ ، ألمحُ الشجرةَ ـ التي علّقتُ عليها تمائمَ الأمنيات ـ تسيلُ منها دموع الفرح .

ألمحُ امرأةً تمشـي خلفَ ظلّها ، وطفلاً يتمسّكُ بظلّ أمّهِ مكتوباً على ظهره اسم أبيه .

أتفقدُ الفساتينَ التي طالتْ أكمامُ شوقها ، الكتب التي تقرؤني ، الوَله الذي يؤرجحني ، الجوارير التي تحفظ تفاصيلي ، مآذن مدينتي التي انحنتْ لتكسرَ ظهور الغزاة ، الكنائس المصلوبة في ساحة وقائع الموت ..

حتى جارتي ـ التي تشـبه هذه الحرب ـ كلّما قدّمتُ لها القهوة  بابتسامةٍ عفويةٍ لا تقرأ اكتمال البدرِ في فنجان المساء وتصرّ بحيادٍ تام على أنّهُ عرجونٌ عتيق يغيبُ في منتصف الشهر ويترك مكانهُ وجه أبي ..

وتطلقُ تناهيدها نحوي بنشوةٍ باهتة .

أغادرُ العالم الذي ترشحُ نهاياته بالدّمع ..

أجمعُ السّـكر من حبّات العنب وأذيبه في الوقت بدل الماتع .. أتمسّكُ بحبلِ مشيمتي وأنعطفُ إلى الوقت الهادىء الذي أمضيته في استسلامٍ تامّ لأمّي وهي ترسـمُ لوناً أخضرَ في قزحيتي ..

أمّي تلكَ السّـاقية التي لا تتوقفُ عن الجريان في أوردة حياتنا ..

أمّي ذاك العطرُ الذي كانت تذرفهُ

الفُلّة سـباعيّة الطّرحِ في شرفتنا ..

أمّي التي تتيحُ لمطرّزاتي أن تبتلَّ بالمطـر ، ويلفّني حنينها بشـالٍ من الوَرد .

لذا ليس بإرادتي أُشـرِقُ على صباحات دمشـق ، وأتحوّل إلى يخضورٍ في ذروةِ أيلولها ..

وأهمي كقطراتٍ تُسـلّي ضجرَ النضوب …

وأكون قشـّة بين شفتي غريقٍ كتلويحة بقاء من الحياة الهاربة..

وأعود كما أحبّ غزالة المعنى الرشـيق وأسمحُ للغيم أن يركضَ فوقي وأعصرُ مواسـمَ للمطـر !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى