سلطة الكولاج والمتحفية: القضية الفلسطينية والعربي الجديد

نداء يونس | فلسطين

حال التشظي والتفتيت، الذي يعكس فقدان السيطرة، ظاهرة عصرية تدفع أيضا باتجاه فهم الأشياء كأجزاء وتنعكس علينا باتجاه دفعنا لفهمها خارج سياقها، وهذا أخطر بكثير مما يحدث الان من استلاب وشيطنة وتمييع للأشياء الصلبة التي تتحول كما يقول ماركس إلى هواء لأنه يجعل من كل جزء عالما قائما بنفسه زمانيا ومكانيا، ويفرض الانسلاخ عن الميتا -حكاية والتاريخ والزمن التعاقبي والذي يتحول إلى تزامن مرعب للكينونات التي تشكله، وبشكل سوريالي أو كولاج، الأجزاء التي علقت بينها تبني المشهد بالكامل وتخلق مكونات تفرض بقوة الأمر الواقع كحالات وإحالات.

إن رفض حالة التشظي والتمسك بالسياق مخرج لفهم حالة التوتر في سياق تجتمع في الخيانة والوطنية والوعي والهبل والنقائض كلها، فكيف يمكن إذا فهم فرض الطاريء الكياني من أكشاك المرحلة كمرجعية للعروبة؟ وكيف يمكن فهم التنازل والهرولة والتطبيع وما يوازيها من تصريحات بأن هذا لخدمة قضية فلسطين في السياق ذاته وبشكل لا يثير تساؤلات ما لم يكن ذلك ضمن عملية الكولجة واللصق لبناء زمن وفضاء مختلف.

تكمن لعبة الانزياح الدلالي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومسألة السلام في إعادة تعيين الدوال والمدلولات بموجب معادلات القوة، هكذا يزاح الفلسطيني من دلالته الرمزية كمناضل إلى عقبة، ومن مدافع عن أرضه إلى متسول، ومن صامد إلى متلق لأموال الذين مات بالإنابة عنهم، ويتم إخفاء البعد التاريخي والرمزي للسياق العام، فيتم التركيز على الأجزاء الجديدة أو العربي الجديد وإنجازاته المقاولاتية بمعزل عن صبرا وشاتيلا مثلا التي لا يمكن القول بصدفة تزامنها مع حالة المسخ التطبيعي والاتفاقات اليوم، وبهذا يصبح دم الشهداء مكونا غريبا، ونضال الأسرى هامشيا، ومعاناة آلاف اللاجئين وقودا؛ يراد له التحول إلى جزء من ذاكرة المتحف التي لا تهم سوى الزوار والباحثين في أركيولوجيا المرحلة التي يراد لها أن تصير تاريخيا.

إن حالة المتحفية التي أُدخلت إليها القضية الفلسطينية مقابل سيادة سلطة الكولاج على المشهد والحركة السريعة للزمن والفضاء والتي تنسحب على الميتا -حكاية الفلسطينية بالضرورة كجزء أو شظية محشورة في مشهد مكتظ ومتغير بلا قيم ولا أخلاق مرجعية وتصبح أدوات لإسقاط مكونات المشروع الفلسطيني ليست وليدة اللحظة؛ بل هي مران فكري إيديولوجي تمت إدارته باحتراف انتقائي لدرجة أنه تحول إلى ثقب تسود ابتلع فلسطين كلها أو قزَّمها إلى مجرد صورة في كولاج كبير يعمل على إعادة تعريف المفاهيم من خلال تغيير عمليات الإسناد والانزياحات الدلالية لتكون المحصلة غربة وشيطنة للفلسطيني وتشويش وإرباك ومن ثم إعادة تعريف الهوية في المنطقة كلها وكيفية إدراكها.

هذه الشيطنة جزء من الحتمية والضرورة التي ستجعل لمراكز الاستقواء الجديدة ان تستطيل وأن تبرر وتستمر في نهج قلب الحقائق والإقصاء وتعميق الجرح الفلسطيني الذي سيردم تحت ركام تنظيف التاريخ من الحقائق والمعرفة لصالح اعادة كتابة المرحلة بلغة نظيفة من الحق والحقيقة ليعاد انتاج المرحلة بادوات جديدة ومن خلال مستنبتات الاسطح التي يراد لها ان تغطي العمق وان تفرض لعنتها القائمة على تحالف راس المال والسياسة وان تتغلغل بحيث تصبح هي عمق اللاعمق الذي يمد سلطته إلى كل شيء وطغيان نزعة المقاولاتية، وبهذا يتحول الصراع الى حالة اختلاق وتلفيق.

بالتالي، نفهم – على الأقل نحن الفلسطينيون- كيف يصبح تهميش المركز ومركزة الهوامش وصفات لإدارة المرحلة من خلال التلاعب بالفضاء المعرفي والبصري للجميع، أنها لعبة ترميم للمستقبل من خلال نسف الحاضر وفرض بناءات جديدة تتماشى مع نهج الاستلاب والتدمير الخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى