فيضان النيل يُغرق السودان؛ فهل من مُغيث؟

جميلة شحادة | الناصرة – فلسطين

كان ذلك في شهر أيلول من السنة الماضية، سنة 2019، صباحا عند الساعة السابعة والنصف. مررتُ من جانبه بمركبتي لأركنها في موقف السيارات المخصّص لمكان عملي، وكان قد بدأ يزاول عمله. أظن أنه كان في أواخر سنوات الثلاثين من عمره. طويل القامة، أسمر البشرة، وملامحه لا تخفى على أحد بأنه سودانيّ الأصل. عندما مررتُ به في اليوم الأول، قفز الى تفكيري الأديب السوداني الطيّب صالح بأجمل رواياته التي قرأتها؛ “موسم الهجرة الى الشمال”، و “عرس الزين”… فعدتُ الى أجمل ذكرياتي لأجمل فترات عمري. تكرّر مروري بجانبه كل يوم صباحا، وبعد أسبوع، أخترُت أغنية “المامبو السوداني” وقد تعمّدتُ ذلك، ليصدح بها صوت المطرب السوداني، سيّد خليفة، عبر مركبتي ويملأ أجواء المكان وأنا أركن مركبتي؛ فما كان من الشاب السوداني الا أن توقّف عن العمل وابتسم ابتسامة لا يمكن وصفها بغير حزينة وقد فضح اغروراق عينيه بطبقة من الدمع الحزن الذي اعتراه. ودون أن يتكلم، عاد بعد برهة من الزمن ليواصل عمله، أما أنا فتركته مع حنينه لبلده دون أن أتكلم أنا أيضا، وتابعت سيري الى مكان عملي، وأنا ألوم نفسي على الألم الذي قد أكون سببته له.

اليوم، يُغرق فيضان النيل دولة السودان. لقد قرأتُ ذلك في الأول من أيلول الحالي، لقد كان خبرا عابرا عن فيضان النيل، وعن قرابة مائة سوداني قد قضوا نتيجة هذا الفيضان. استوقفني الأمر، ورحت أبحث في صفحات الأصدقاء في الفيس بوك عن المزيد من المعلومات عن الكارثة، بعدما لم تتطرق لها معظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. لكني وللأسف لم أجد سوى منشور واحد قد كتبه زميلي، الدكتور إياد، من الناصرة. وبعد مرور أسبوع على كارثة الفيضان، أخذ أصحاب الصفحات في الفيس بوك ورواّده يتداولون الخبر وينشرون صورا للمنكوبين وللأضرار التي خلّفها الفيضان، وكأن الجميع أصيبوا بحمى وعدوى النشر، وراحوا يتناقلون ذات الصور وذات الفكرة وهي: “لم نقرأ لروّاد شبكات التواصل الاجتماعي، سلاماً للسودان، كما فعلوا مع شعب…. وهنا؛ لا بدّ أن أشدّد، أن السودان يحتاج منّا جميعا الوقوف الى جانبه ومدّ يد العون لشعبه بغض النظر عن مقارنته بأهلنا في بيروت عند محنتهم بانفجار المرفأ، أو أهلنا في سوريا أو في اليمن وليبيا وفلسطين والعراق ومعاناتهم نتيجة الحروب والصراعات والاحتلال. انا شخصيا، كتبتُ وساندتُ كل أهلنا في الدول التي ذكرتها؛ فقد كنتُ وما زلتُ أنادي بالإنسانية وأؤمن بأن الإنسانية لا تتجزأ، وهي غير مشروطة بدينٍ، أو لون أو عِرق أو قومية…

واليوم أنادي وأناشد الجميع، شعوبا وحكّاما ورؤساء دول، عربية وأيضا أوروبية، بأن تمدّ يد العون للشعب السوداني بإقامة المستشفيات الميدانية، وبتوفير الغذاء والدواء والمأوى لأكثر من نصف مليون قد تضرروا من الفيضان بعد أن تدمر أكثر من 100000 منزل. أنظروا الى الشعب السوداني، أغيثوه، وتجنّبوا الأحكام المسبقة والأفكار المسبقة. فإن الإنسانية كما ذكرت أنفاً، لا تعرف النفاق ولا تميّز بين دين ودين، ولا مذهب ومذهب، ولا بين عِرق وعرق ولا بين قوم وقوم… غذّوا انسانيتكم بمدّ يد العون للمحتاج والضعيف، واليوم السودان يحتاج يد العون.
لست مع الأصوات التي علت تستنكر مدّ يد العون لأهلنا في بيروت أو في مكان آخر، لكني مع تقديم المساعدة ومدّ يد العون لكلّ من احتاجها. واليوم، يحتاجها وبشدّة الشعب السوداني. السودان يغرق اليوم بفيضان النيل؛ فهل من مغيث؟

يغرق السودان اليوم بفيضان النيل، ويغرق بالكورونا، ويغرق بالصراعات العِرقية والفِتن الأهلية وأثقلت كاهله الصراعات المناطقية بين الجنوب والشمال، وهو يغرق بالديون والفقر بالرغم من أنه بلد غني بالثروات؛ فهو غني بالذهب واليورانيوم، كما وتعتبر منطقة دارفور منطقة غنية بالنفط / الذهب الأسود، لكن للأسف، السياسة القذرة، واستغلال الدول العظمى: مثل الولايات المتحدة والصين لفوضى الحُكم في السودان، جعلت منه بلدا فقيرا بحيث لا يستغل ثرواته ولا يستغل مساحة ارضه الخصبة الواسعة التي كان بإمكان السودان أن ينتج ما يحتاجه من الأرز لو استغلها، فيحقق بذلك اكتفاءه الذاتي من هذا المحصول، لو لم تسُدْهُ الفتن الأهلية.

قلبي مع السودان الحبيب وأهله، ورحم الله ضحايا الفيضان وكان بعون مَن تضرّر وشفى الجرحى والمصابين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى