أمة اليقين يقودها الوهم! ( 2 ـ الفطرة)

منى مصطفى | تربوية وكاتبة مصرية

لا أعلم من أين جاءت قوانين مدارس البنات الثانوية في ضبط السلوك، وجميعنا مارسناها دون تفكر أو استبدال لها بحسب كل شرع وكل بيئة، فمن أهم قوانين ضبط السلوك في هذه المدارس أن تُعامل الطالبة معاملة عسكرية، كأن تمارس تمارين الصباح، تحيي العلم بقوام ممشوق وانضباط لا يكون مثله حتى مع الاستماع لآي القرآن الكريم..، ويحرم عليها أن تقع في أي مظهر أنثوي كأن تضع الكحل مثلا أو تسدل شعرها، أو يكون ثوبها طويلا يجر خلفها أو مُخصرا … إلى آخر ما يمكن أن يكون من حبها الفطري للزينة كالخاتم والقرط الكبير و والإسوار….، مع العلم أنها تخرج من بيتها ترتدي العباءة السوداء الفضفاضة والنقاب في الأعم الأغلب، وتخلع ذلك في المدرسة، ولا يدخل موجه أو زائر إلا بعد إبلاغهن لمن تريد أن تنتقب قبل دخوله، وهذا نظام معروف في مدارس البنات ببلاد كثيرة.
ربما يرد أحدكم: ماذا تريدين؟ هل تريدينها في كامل زينتها وهي ذاهبة للمدرسة؟
بالطبع لا أريد ذلك ! لكني أريد مراعاة الفطرة في كل كائن بحسب ما خلقه الله، الأصل في منع الزينة ألا يراها الرجال، فلابد أن يكون هذا قيدنا، وهذا ما نغرسه في نفس البنت، أما ما يحدث فهو ( إيهامها بأن المدرسة وحدها لا يصح فيها هذا، أما المجمعات والأسواق والشوارع فلك الحرية فيما تفعلين…) وهذا بالطبع ينمي سوء فهم الفتاة لاستخدامها الزينة.
من المفارقات المضحكة أن بعض المعلمات ينظرن لهن نظرة استهزاء، وكأنها أغوت رجال الأمة كلهم، وهي ما زادت عن أنها أتت في حقيبتها بقلم كحل مثلا أو مرطب شفاه.
وإني أتساءل: مادام القانون جعل مدارس للبنات فقط، ولا يدخلها رجل إلا بإخبار الجميع متعلمات ومعلمات وهو قليل نادر أيضا فما سرّ هذه المبالغة؟
وأعترف أنني كنت من أولئك اللاتي نفذن هذه القوانين بلا تفكر، وكم حرمت فتاة من يومها الدراسي لأنني وجدت في حقيبتها شيئا من الزينة، ودار حوار مع إحداهن سألتها: لماذا تحملين هذا في حقيبتك ( كحل وعطر)؟
ـ فقالت: لأستخدمه داخل المدرسة لأني لا أستطيع أن أضعه عند خروجي من البيت، فحرام أن يشتم عطري رجل أو تظهر له زينتي وخاصة أنني آتي صباحا مع سائق! وبنهاية الدوام يكون ذهب أثر كل شيء.. (لم أجد ردًا)
ـ ولماذا أنت في حاجة له أثناء الدوام من الأساس؟
ـ وفي تردد قالت هامسة: رائحة عرقي سيئة وأخجل من زميلاتي.
ـ وماذا عن الكحل؟
ـ أشعر بعدم ثقة وأن زميلاتي أجمل مني، الكحل يشعرني بأنني مثلهن وأستطيع مجاراتهن.
ـ وما هذا الإسوار والخاتم؟ ألم نبلغك أنه ممنوع، وعند فقدانه فالمدرسة غير مسؤولة؟
ـ أحبهم واعتدت على لبسهم، فهما هدية جدتي لي قبل أن تفارقنا، وكأني أستمد منهما حبها وأحيي ذكراها، وإن فقدتهم فلن أشتكي ولن أحمّل المدرسة شيئا..!
ـ قلت لها: هل تستطيعين الذهاب لحفل عرس أخيك بملابس المدرسة؟
ـ فقالت: بالطبع لا يكون، وإلا سأصبح أضحوكة الحفل…
ـ قلت لها إذن لا يصح أيضا أن تكوني في مدرسة وأنت تتعمدين شيئا من الزينة… وبالطبع كانت هذه قناعتي، لكل مكان ما يليق به من ملبس وحديث ومظهر.
مرّ على هذا الحوار عقد من الزمن أو أكثر، فماذا أصبحت مشاكل هذه الفئة العمرية؟
أصبحت وجود الإلحاد والشذوذ بدلًا من الكحل والعطر!
نعم، أصبحت مشاكل هذه المرحلة الشذوذ، فكم من (بوية) بين الطالبات، وتحار الأخصائيات في معالجتهن، ويرفض القانون أو الأسرة الاعتراف بهذا.
أصبحت مشكلة الأم التي كانت تحارب ابنتها حتى لا تتعلق بشاب سواء كان أحد المشاهير أو الأهل أو الزملاء أو الجيران..، أصبحت مشكلتها كيف تحب ابنتها رجلًا ولا تحب فتاة مثلها، وترفض الخُطاب بسبب حبها وتعلقها بفتاة تدعي الذكورة!
السؤال الذي دفعني للكتابة هو: هل ساهمنا دون قصد في انتكاس فطرتهن؟! وما الحلول المتاحة للعودة بالمجتمع للفضيلة؟
وما دور كل فرد تجاه هذا السقوط المدوي للأخلاق في مجمعاتنا المسلمة؟ أم أنه لا مهرب من السقوط في ظل الرؤوس الفاسدة…!
للأسف قادنا وهم التحضر والنقل دون قيد، والتقليد بلا قياس وانتقاء إلى هاوية يصعب الخروج منها، استبدلنا معيار الراحة والسعادة (إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) بحال يردي (لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ” قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ “فَمَنْ؟).
أصبح مقياس تحضر الفتاة هو ذاته المسافة بين تخليها عن دينها ولغتها، وقربها من الغرب وتقليدهم بلا قيد أو عقل، وليتننا نقلد فيما ينفع
ابنتي، انتبهي ؛ فأنت من أمة اليقين فلا يقودك الوهم!؟
أحبابي الأم والأب، أرجوكم انتبهوا!، نحن في كارثة حقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى