داود كتاب .. إعلامي جريء ومتمكن صال وجال وما زال

محمد زحايكة | القدس 


منذ أن طب الصاحب على جريدة الفجر، طبة النبي موسى على ربه حتى تعرف على كتيبة مهولة من الصحفيين كان من بينهم (داود كتاب) ذلك الصحفي الجريء المتمرس وهو يتقافز في مقر جريدة الفجر الإنجليزية المتواضع في حي (وادي الجوز) خلف (المدرسة المأمونية) وقبالة (مدرسة دار الأولاد) العريقتان والتي أصبح لاحقا أحد الذين تعاقبوا على تحريرها.

وكان داود كتاب في ذلك الوقت من بداية ثمانينيات القرن العشرين شابا طافحا بالحيوية والنشاط، وما زال على فكرة، وما إن احتك بالصاحب حتى بدأ يتقرب منه ويحاول أن يجعله يستفيد خبرة ومزيدا من التطور في مهنة الصحافة وأن يظل على السكة الصحيحة .
ولدى تعمق علاقة الصاحب مع كتاب وجده إنسانا راقيا وبسيطا وطبيعيا، ما في قلبه هو على رأس لسانه كما يقال ولا يخفي مشاعره تجاه الآخرين وهو خدوم لأبعد الحدود وصادق في التعامل وصريح صراحة متناهية وإذا انزعج من شخص ما يواجهه وجها لوجه ولا يطعن فيه من الظهر وإنما يخبره بموقفه ومشاعره على بلاطة وبساط أحمدي ولا يلف ولا يدور ويأخذ الأمور من قاصرها ويقول لك إذا بدأت في مقدمات ومماحكات ..هات من الآخر يا فاخر ..
وجمعت الصاحب بداود كتاب وشقيقه المحامي (جوناثان كتاب) الذي سنسلط عليه ومضة خاصة علاقة مميزة منذ كان البعض يزعم ويهمس أن الأخوين كتاب هما من جماعة القنصلية الأمريكية أو الـ CIA لمجرد كونهما قادمان من بلاد العم سام ويتقنان اللغة الإنجليزية ويتصفان بنزعة ليبرالية تركز على مفاهيم اللاعنف والديمقراطية وحقوق الإنسان .
ومن بين هذه المواقف الشجاعة، لمستر ديفيد أو داود كتاب كانت خلال وقفة احتجاجية ضد استيلاء الجمعيات الاستيطانية اليهودية على (بناية مار يوحنا) بالقرب من (كنيسة القيامة) في البلدة القديمة عندما حاول أحد المستوطنين وكان الطقس حارا تقديم كأس من المرطبات لـ(كتاب) الذي رفض هذه الحركة البايخة والتمثيل أمام الصحافة بل وأبعد يده الممدودة بالمثلجات والعصائر بعيدا وخاطبه بما معناه، تسرقون أملاكنا وتريدون أن تضحكوا على ذقوننا بشربة ماء؟! روح العب غيرها يا شاطر .. فانصرف المستوطن الغتيت أو الغتت ولم يواصل عرض عصيره المسموم على الآخرين؟ وقد أعجب الصاحب في داخليته أو جوانيته بهذا الموقف البسيط ولكنه يعبر بشدة عن مشاعر المقدسيين الذين يعانون الأمرين من طرق المستوطنين وخداعهم وحيلهم الساقطة والدنيئة للاستيلاء على العقارات العربية للمسلمين والمسيحيين في القدس .
كان داود كتاب متحمسا لعمل الصاحب مع وكالات الصحافة الأجنبية وخاصة التلفزيونية منها وكان يحاول أن يفهم الصاحب أن التعامل مع الأجانب يقتضي الوضوح والصراحة فيما يتعلق بالأتعاب لثلاثة أسباب، وهي، لأن هذه هي عقليتهم وأسلوبهم العملي وحتى لا يظنوا أننا نعمل بروبوغندا لقضيتنا الوطنية وكي لا يحصل خلاف إذا بقيت الأمور ضبابية و”ممغمغة” على حد التعبير الشعبي ولكن الصاحب كان يحب المغمغة ويترك الأمور على غاربها. وذات يوم بعيد حللت أنا وكتاب ضيوفا على الخال أبو القاسم في بلدة (السواحرة الشرقية) حيث ذهبت بمعيته لتناول طعام الغداء وكنا جائعين وكان داود يلح للإسراع بتناول الطعام حيث غادرنا على الفور دون أن نتبادل أطراف الحديث مع الخال الذي كان يمني النفس بدردشة مطولة مع ديفيد الذي لم يلبي له هذه الرغبة؟ فديفيد المنظوم يؤمن بعصر السرعة..
كثير من النهفات التي حصلت مع داود كتاب الذي كان يمازحه الزميل خالد أبو عكر ب داود ركاب ، لا تتسع مساحة هذه الومضة المكثفة والقصيرة لذكرها ، لكن من اهمها والتي ما زالت عالقة في الذهن وعلى ذمة بعض موظفي الجريدة ان داود عندما كان مديرا اداريا في جريدة الفجر ودخل مكتبه ذات صباح وجد كيس نايلون اسود غامق اللون على مكتبه فقام برميه في سلة المهملات ظانا أنه كيس زباله وهو في الحقيقة كان يحوي رواتب الموظفين، وكادت رواتب الموظفين تذهب مع الريح لولا مجيء المراسل المكتبي للجريدة الذي استفسر عن الكيس وأخرجه من سلة المهملات قبل أن يلقى في حاوية النفايات الكبيرة ويذهب إلى حيث ألقت؟ وهذا ما جعل الصاحب يأخذ على خاطره من داود ذات مرة عندما نشر للصاحب التقرير الخطأ في نشرة تلفزيونية تجريبية فلسطينية محلية نظمت في الحكواتي المسرح الوطني الفلسطيني نتيجة عدم تركيزه وشغله العفشيكي وكأنه مضروب فاس؟
ويبقى داود كتاب صاحب بصمة وعلامة مميزة في دنيا الصحافة الفلسطينية، ويكفيه فخرا أنه اخترق حائط الصحافة العالمية حيث يقوم بنشر حقائق دامغة وموثقة عما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من قهر وقمع ومصادرة لحقوقه المشروعة .
وردة بل باقة زهور لهذه الكفاءة العالية وصاحبة المهارات الكبيرة التي تعتبر “اماية ” في مجال الصحافة المحلية والعالمية النادرة إذا جاز لنا التعبير مستوحين هذا الوصف الطريف من أجواء عيد الأم الغالية المصادف 21 آذار . وعاش ديفيد كتاب ، ديفيد هيرست فلسطين والأردن الشقيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى