وهذا زمان بنا يلعب.!

محمود محمد زيتون | تربوي وكاتب مصري

يبدو أن الأيام تعاقبنا بما فعلناه من ظلم لأنفسنا،  وبما اقترفناه من غبن للآخرين.! فنحن نجهل حقيقة أنفسنا وما بها من أسقام، ونسقط على الزمان جل عيوبنا ومساوئ أخلاقنا،  ونتحسر على ما مضى منه ونهجو ما يفعله بنا وبأيامنا وفساد حالنا،  ولسان حالنا يردد قول الشاعر  :

تقضى زمان لعبنا به

             وذاك زمان بنا يلعب.

فالعمر يمر من بين أيدينا، ويفر فرار الطير من القفص،وإذا بنا نندب ما فات من زمن جميل مر كالطيف وولى وما له بطبعه أن يرجع.!

هكذا هو حالنا.. نظن أن الصحة تدوم، فيأتينا فيروس لا يرى بالعين المجردة يجعل الجبابرة والمغرورين بعنفوان قوتهم والمتسلحين بسطوتهم وسلطتهم «كهشيم المحتظر».!

ويستبد بنا غرور المال وسطوة السلطة ، ونظن أننا نملك مقاليد الكون، وإذا بالأيام تدور دورتها، وتزول بهجة نعيمها، وإذا بكل« قارون» تخسف به وبأمواله الأرض ويصبح أثرٱ بعد عين.. وآية من آيات الله بعد عز وجاه وسلطان واختيال بين الناس كالطاوس.! وحينئذ يتذكر أولو الألباب  حقيقة الدنيا ودورة الزمان:

وما الدهر ولا الأيام إلا كما ترى

                     برزية مال أو فراق حبيب

وهذا هو الشاعر (أبو مياس)٭ يدخل على مجلس وهم يتحاورون، فيقول  لهم:

فيم تتذاكرون؟

قالوا: نتذاكر الزمان وفساده.!

فقال لهم: كلا. إنما الزمان وعاء.. وما ألقي فيه من خير أو شر، كان على حاله، وأنشد قائلٱ:

أرى حللٱ تصان على أناس

             وأخلاقٱ تداس فما تصان

يقولون الزمان به فساد

      وهم فسدوا وما فسد الزمان!

فالزمان هو نحن وما تصنعه نفوسنا من خير وشر، ومابه من جور وظلم وغش وخيانة هو من انتاجنا، وما نحصده من فساد وقهر ماهو إلا حصائد ألسنتنا وآذاننا وأعمالنا.!

وهذا ما صرح به الإمام الشافعي ، بل أحسبه كصارخ يصرخ في البرية حين قال:

نعيب زماننا والعيب فينا

              وما لزماننا عيب سوانا

ونهجو الزمان بغير ذنب

           ولو نطق الزمان لنا هجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب

             ويأكل بعضنا بعضٱ عيانا

ولم يكن الزمان هو المقصود بذاته في فكر الشاعر العربي بل الزمان هو أهل الزمان.! ولم يكن الزمان ينال منا لو سمت أرواحنا فوق أوحال غرائزنا،  وسلمت صدورنا من وساوس شياطين الجن.. ودسائس شياطين الإنس.!

هامش:

(١) قصة الشاعر (أبو مياس) عن كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه. بتصرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى