اشتياق.. رسالة إلى العالم الآخر

وفاء بياري | فلسطين

والدتي الحبيبة.. رحلت عنا إلى دار الآخره وكلي ألم ووجع على فراقك أيتها الغالية الطاهرة.. سأفتقدك دوما.. سأفتقد أحاديثك الشيقة ولضحكاتك ولدفء حضنك، لوجهك الحنون .. سأشتاق لكلك والدتي..

حبيبتي.. كل شيء في منزللك الجميل وكل زاوية فيه تفتقد لك.. أشياؤك حاجياتك.. ملابسك الأنيقة التي تفوح منها رائحة عطر تشبهك .. سجادتك مصحفك سبحتك وطرحة الصلاة البيضاء التي كنت حين تغطين بها رأسك يطل منها ذاك الوجه الأبيض المستدير الوضاء ..

حديقتك تفتقد لك مي وشجر الليمون والتين .. وورود الرنجس والجوري والريحان والفل والمرجانة والياسمين..كلهم حزينون لغيابك أمي ..

سأفتقد لك في كل مكان يعبق بعطفك وفيض حنانك.. سأفتقدك في مواسم الخريف والصيف وفي جلسات الربيع الأخضر حول بركة الماء الصغيرة التي طالما وجد فيها الطير ملاذا آمنا للارتواء من مائها العذب.. والتي كانت ترفرف بفرح وحب في محيط حديقتك الغناء .. واليوم أسمعها وهي تغرد لحنا شجيا لفراقك أمي …

سأفتقدك في ليال شتاء ماطر دافء كان يوما مصحوبا بهمسات أحاديث شيقة تعبق منها رائحة النعناع بالشاي والحب الشهي.. من صنع يديك…

سأتذكرك دوما والدتي مع دهشة بزوغ كل فجر .. وقهوة الصباح .. وتمتمات المساء

حبيبتي .. كل من عرفك من قريب أو بعيد بكى وحزن ألما لفراقك.. فقد تركت بصمة حب كبيرة في قلوب محبيك لطيبتك وتسامحك.. لبشاشة وجهك.. لنبلك وحبك للوطن الغالي الذي طالما رويت لنا ولأحفادك عنه وعن ذكريات طفولتك في عمق أحضانه من أيام الحكم العثماني للبلاد مرورا بحكايا النكبة المريرة والنكسة وما تبعهما من تهجير وتشريد.. تيه وضياع.. ولن أنسى ذكرك للأمثال الشعبية الكثيره التي كانت تتناسب مباشرة مع موقف ما .. وذاك السرد الجميل لحكايا الغول والجن وغيرها .. بصوتك الأنثوي الهادىء الجاذب للإصغاء ..

أمي حبيبتي ومهجة قلبي.. أنت تاريخ عريق، عطر بل حضن، وطن كبير معطاء ..

لن أنساك غاليتي ما حييت وسيبقى ذكرك مخلدا في قلوبنا محفورا في عقولنا إلى أن تأتي تلك الساعه التي تلتقي بها أرواحنا لنتعانق معا سويا .. ولنغفو فوق غيمة بيضاء نقية هاربة إلى أفق بعيد عن هذه الدنيا القاسية بمتاعبها ومتاهاتها.. بشوائبها وهذيانها.. فالموت حق علينا جميعا..

رحمكم الله والدتي ووالدي رحمة واسعة وغفر لكما وأسكنكما فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى