يوم سياحة في رمال الشرقية

عبد الله بن سعود الحكماني | سلطنة عمان

في ظل هذا الرعب الإنساني في دول العالم أجمع وهذا الكبت الذي يعيشه الإنسان على وجه المعمورة بسبب الوباء المنتشر يحاول الإنسان أن يبحث عن متنفسٍ ومخرجٍ لكي يخرج من هذه الدائرة ويتنفس الهواء الطلق حقيقةً ومجازاً وبما أن الرحلة هي المتنفس الحقيقي والمخرج الأوسع لجأنا إليها أنا ومن معي من الأصدقاء المقربين من العائلة بحيث أن العدد لا يتجاوز القانون الذي وضعته اللجنة المكلفة بتنظيم أحداث الوباء ومتابعته في بلدنا.

فكانت وجهة الرحلة هذه المرة إلى رمال الشرقية المحاذية لبحر العرب في سلطنة عُمان تلك التي لا يمكن الوصول إليها الّا بسيارة الدفع الرباعي والواقعة ما بين ولاية محوت بمحافظة الوسطى وولايات جعلان بمحافظة الشرقية جنوب حيث اللون الذهبي اللامع في عين الرائي من خلال الخبر قبل المعاينة وحيث النسيم العليل المنعش المداوي للأمراض الجسدية قبل أن يداوي أمور النفس وخلجاتها وحيث المساء الواقع على تلك الكثبان المختصر لعشرات السنين من التاريخ البشري ولعشرات الكتب من المؤلفات في عالم الصحراء وأحداثها البشرية والطبيعية.

انطلقنا من (حج) مركز المدينة بولاية محوت في حدود الساعة الثالثة مساءً من يوم الخميس على الطريق الساحلي الذي يربط محافظة الوسطى بمحافظة الشرقية جنوب الى ان وصلنا قرية (يويره) الساحلية والتابعة لولايات الشرقية جنوب ثم انعطفنا يساراً حيث الرمال التي سبق ذكرها فأخذنا نغوص في ذلك البحر من الرمال لبضع دقائق إلى أت وصلنا الهدف الذي وضعناه وهو وجود موقع مناسب للجلسة والمبيت وكان الوقت قبل غروب الشمس بقليل فاستمتعنا بذلك الغروب الذي يصعب وصفه والمشهد البانورامي العجيب قبل أن تغيب الشمس ونقضي من أروع الليالي بين كثبان الرمل وعلى النار التي أوقدناها من الحطب وحولنا القهوة العمانية والتمر والشاي بينما وجبة العشاء التي أعددناها من مكبوس لحم الخروف الصغير الذي صاحبنا لهذه المهمة وعلى النار تنتظرنا وننتظرها تلك الوجبة بصنع من يحترف الطبخ في هكذا مشهد.

بعد الانتهاء من العشاء واقتراب وقت النوم شعر بعضنا بالبرد لقوة النسيم المتسلل من البحر هناك واقترح أن ننزل أسفل الرمل حتى نحتمي من البرد وفعلا نزلنا وحققنا ما نصبو إليه وواصلنا الحديث بكل أريحية وسعادة على مسمعٍ ومرأى من نجوم الليل اللامعة فوق رؤوسنا وذرات الرمل الناعمة تحت رؤوسنا كما أن السهرة لا تخلو من بعض النكات والتعليقات المازحة خصوصا مع قصة الأثر التي وجدناها عند وصولنا للموقع والتي ظنّناها أثراً لذئب صحراوي وأخيرا اكتشفناه ثعلباً بعدما رأيناه يمشي حوالينا باحثاً عن ما خلّفناه من طعامٍ في الموقع الذي كان لصنع وجبة العشاء.

وفي الصباح الباكر أي حدود الساعة الثامنة تناولنا فطورنا من شاي الحليب وبسكويت النبيل الذي له قصة أخرى وحوله جدل كبير ولا شك أنه على سبيل المزاح كما أنه تخلل الرحلة ايضا ممارسة رياضة تحدي الرمال التي يحبها بعضا من شباب الرحلة وهي مجرد تسلية خفيفة لكونها ليست هي الهدف من الرحلة في المقام الأول.

كانت عودتنا حوالي الساعة التاسعة صباحاً من الرمال وكانت النية مواصلة الرحلة على السواحل القريبة من هذه الرمال فاتجهنا الى الرويس الساحلية لشراء سمك البياح والجلوس في إحدى الخيام هناك لوجبة الغداء ولكن لم يتحقق ذلك لعدم وجود السمك اولا والخيمة ثانيا فتحوّلت الفكرة الى قرية شنّة بولاية محوت وتمت بها تكملة الرحلة في إحدى الخيام المحاذية للساحل والموقوفة للرحّالين من أصحاب الخير والأيادي البيضاء فجلسنا على الساحل تأخذنا الأحاديث الشيّقة يمنةً ويسرةً وتغمرنا السعادة قبل أن ينفضّ الجمع بعد تناول وجبة الغداء المكوّنة من سمك البياح المشوي وكبسة اللحم وكانت العودة الى مركز المدينة في الساعة الثالثة مساءً كالتوقيت الذي انطلقنا به اي انقضت الرحلة بإستغراقها أربعة وعشرين ساعة اي ما يعادل يوماً كاملاً تمنّينا لو أنه يطول بسبب مروره السريع الذي لم نتوقّعه ولم نظنّه الا بضع دقائق أو اقل من ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى