قراءة في نص ( الكلمات والأشياء )

المبدعان: عبد الوهاب حميرين – فتحي مهذب

روعة هذا النص استُمِدت من بعده الفلسفي العميق الحامل لمشروع التغيير. يقول: ج. ب . سارتر ” الإنسان مشروع وليس موضوعا ” Je ne suis pas un objet ‘ mais un projet ]
، ومن حمولته اللسنية التي تحبل بجهاز مفاهيمي جديد يليق بالمشروع الفلسفي الجديد {مشروع التغيير}.. إن النص الشعري لغة وفكر ، مبنى ومعنى، دال ومدلول محبوك وميني على أي فلسفي متين من حيث لغة النص الشعري “الكلمات والأشياء” يلاحظ بشكل سافر توظيفها للغة فلسفية من ناحية، ولغة فنية استعارية (مجازية) من ناحية ثانية؛ لغة جمعت في آن عدة حقول في ملفوظها ومنطوقها ، منها ما ينتمي إلى الحقل الفلسفي – الوجودي – الميتافيزيقي (مقولات مثل: منطق المناطقة / المعقول / العلل الأولى/ اللامعقول/ الكينونة/ الحقيقة الأبجدية..) من منظار أول؛ ومنها ما يرتبط بالحقل العلمي – الفيزيائي – الرياضي (مفاهيم على غرار البدهيات (الجاذبية / هندسة..) من منظار ثان ؛ ومنها ما يتصل بالحقل الديني / الروحي (سفينة نوح ، الأبجدية، الحقيقة المطلقة..) .. عطفا على ما قيل ، فقلعة النص الشعري الفلسفي اشتغلت على آليات بلاغية/ منطقية/ فلسفية كآلية التقابل {الكلمات/ الأشياء، المعقول/ اللامعقول ، العتمة / الضوء ..}، وآلية القطيعة الابستمولوجية (تغيير منطق المناطقة، تكسير جسر المعقول، فتح النار على البدهيات ، الضرب في متاه الكينونة .. ) .. بإيجاز ، قلعة النص بلاغية / بيانية / فلسفية / استعارية .. قوية في بنائها اللفظي/ المفهومي ؛ وعميقة في كنه وجوهر عباراتها ومقولاتها .. من حيث حمولة النص النظرية، يجوز القول ، بأن أفكار النص عبارة عن زلزال أو انفجار بركان أو ثورة على المبنى والمعنى، مشروع تغيير في صرح للغة وقلعة الفكر ، خلخلة في ثنائية الدال والمدلول .. محاولة متأججة للهيب التغيير الراديكالي في حقائق اللغة والوجود من خلال طرح تصور فلسفي/ حفري يروم التنقيب عن هندسة ( بناء ) جديدة/ هيكلة بنيوية حديثة لنظامي اللغة والفكر، المعرفة والوجود الإنساني؛ وتمثل هذا الهاجس البنيوي/ الراديكالي في منظومة من الدلالات الفلسفية أستمدها نفرا محدودا من النص: 1) تغيير منطق المناطقة [محاولة البحث عن منهجية جديدة / آلية مغايرة في التفكير ، من خلال إحداث قطيعة منهجية مع المنطق القديم / العقيم العاجز عن متابعة ومسايرة سيرورة التغيير ومواكبة المستجدات ؛ الثورة على المنطق بمنطق مضاد ، منطق جديد بآليات جديدة في التفكير .. 2) تكسير جسر المعقول باللامعقول (المخيلة) ، ويتأتى ذلك من خلال تجاوز العقل الظاهر Raison ، العقل السائد، العقل المحدود بحدود الإكراهات والحيثيات التي تملأ مساره وتعيق تطوره وتقدمه إلى الأمام؛ من خلال استبداله بضده اللاعقل Déraison [الخيال، الحلم، الهذيان الفكري، الهلوسة الفنية، التجريد الفلسفي ، الإبداع الأدبي.. ] ؛ استبدال العقل المتناهي بتناهي حقوله بالعقل الإنساني اللامتناهي بشساعة مجالاته وغزارة إنتاجه وتنوع إفرازاته وإنتاجه .. 3) فتح النار على البدهيات والعلل الأولى {تمازج الرياضي بالفلسفي، حيث الرياضي والفلسفي يلتقيان في معطى التجريد.. ربما العبارة المقصودة تروم إماتة وإقبار المعتقدات البدنية الصنمية/ القديمة قدم رساختها وتداولها التي أنزلها الإنسان العادي والمفكر منزلة التحف الفنية الأثرية/ القديمة والثابت التي تبقى هي هي هي رغم تبدل الزمكان.. استبدال البحث السببي/ العلي الذي يستهدف الأشياء في ذاتها ، جواهر الموجودات بالبحث في كيفية وإنتاجية الأشياء ومنفعتها اللامادية ومآلها اللامحدود .. آن الأوان لاستبدال آليات التفكير القديمة بآليات تفكيرية ، ومنهجية مغايرة في الإبداع.. أستحضر في هذا المقام تصور الفيلسوف الأبستمولوجية المستفز كارل بوبر Karl Popper الذي اعتبر الحقيقة العلمية الثابتة حقيقة جامدة وصنمية وغير منتجة ، في مقابل الحقيقة كنظرية مفتوحة التي لم يتم إثباتها بعد بأنها نظرية أو مشروع حقيقة تفتح المجال للتكذيب والمراجعة والمعالجة والتعديل والتصحيح.. توجد عبارات أخرى في النص الشعري مارست علي الجاذبية ورغبت في مقاربتها بالتفكيك الفلسفي ومحاولة رصد أبعادها البعيدة من خلال التمرين بآية التأويل الفلسفي مثل : جلب الأسرى من سفينة نوح، وملء الأقفاص بطيور اللاوعي، والإصغاء إلى إيقاع الظل … ∆∆∆ الحصاد، إن النص الشعري (كلمات وأشياء) نص قوي لغة وفكرا، طرحا ومعالجة ، استعارة وتخيلا ، نظما وفلسفة.. ذكرني عنوانه بعنوان مؤلف الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو M .Faucault ” les mots et les choses ” الذي قارب في متنه الفلسفي موضوع المعرفة من خلال البحث عن منطق وبنيات المعارف والنظريات [نظام الأفكار المكونة المعرفة]؛ البحث عن وجودية المعرفة وعلاقتها مع النظام المكون لها ، البحث عن الجديد في المعرفة / أركيولوجية المعرفة .. وبالجملة ، فكتاب م . فوكو عبارة عن بحث بنيوي (ابيستمولوجي/ حفري/ يروم دراسة تيمة المعرفة في إطار العلوم الإنسانية ودارستها دراسة ابستمولوجية نقدية للمعرفة .. لا جف حبر قلمك ، دام لك الجديد والتنقيب في المسكوت عنه قريضا وإبداعا ،،،

الناقد المبدع:Abdelouaheb Hmirine

 لنغير هندسة الكلمات والأشياء.
حجج المناطقة ومصابيح درب التبانة.
نكسر جسر المعقول بعاصفة المخيلة.
نحفر أنفاقا عميقة لاختلاس كرسي الله .
من عرش الرأس.
نسحب الجاذبية من عيني صديقتي المجنحة.
نملأ جيوبنا بفراشات نبرتها الحزينة.
نستغور سر مشيتها لاكتشاف المعادن النفيسة.
لطرد الخيميائيين المتسلقين عمودها الفقري
نقيم حصونا من الضوء والعتمة
فوق كتفيها.
نحمي اللوز والمشمش والذهب من القراصنة الجدد.
لنملأ الأقفاص بطيور اللاوعي.
نصغي إلى إيقاع الظل.
طقطقة كعب حذائه الطويل.
مطر حنجرته المبحوحة.
لنجلب الأسرى من سفينة نوح
نفتح النار على البدهيات.
العلل الأولى .
بيت الراعي المسكونة بالأشباح.
توابيت النوم الملطخة بدم الثيران.
العالم المليء بزيزان اللامعقول.
لنضرب في متاه الكينونة.
لنفكر في طرد الليل من حجرة الضرير.
الأوثان من شرفة الأعشى.
ونغير إتجاه الكلمات والأشياء.
لا نعبد أحدا غير الحقيقة الأبدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى