مرافعة دفاع عن 2020

محمد عساف العموش / الاردن 

من 2020 إلى المُكَرّمةِ الدكتورة ريمان عاشور ، Riman Ashour أمّا قبلُ : فما زلتُ أذكرُ غبطةَ السنواتِ التي سبقتني بل وبعضُها كان يقفُ على حدودِ الحسدِ مِنْ رقمي المُمَيّزِ ، ورغم اختلاطِ مشاعرِ السنوات وتماهي الخطّ الفاصلِ بين الغبطة والحسد ، والغيرة والفرح إلا إنّ حفلَ زفافي إلى العالَمِ كانَ مُميّزاً جدّاً .
سيدتي الدكتورة المكرّمة والأديبة الفخمة :
لقد قرأتُ كلّ حرفٍ في رسالتكِ إليّ ، وقرأتُ ما بين ثنايا العبارات وما خلفَ العبارات وما في قَبوِ الأفكار ، وتلمّستُ شوكَ الوجع والعتاب تحتَ حريرِ اللغة ، لذلك أرجو من عطوفتكِ أنْ تتعَطّفي وتمنحيني حقّ الردّ والدفاع عن نفسي عن التّهمِ المُسندةٍ إليّ ، ومثلُكِ قمينةٌ بسعةِ الصّدرِ واتّساعِ الأفُقِ .
سيّدتي الموقّرة : هل تعلمينَ كم كنتُ أبَدِّلُ ملابسي في غرفةِ الغيب أمام مرايا الفرحِ للخروجِ عليكم بأبهی حُلّةٍ ؟!
هل تعلمينَ عنْ حيرتي وأنا أنَسّقُ المعاطفَ مع الشالات الصّوف ليكونَ شتاؤكم مميّزاً وفاخراً ؟
هل تعلمين كم غازلتُ المَدافئَ وبكارج القهوة وثمارَ الكستناء ؟
هل تعلمين كم استدعيتُ مخزوني اللطيف من الثّلجِ لأعيادِ الميلادِ ؟ وكم حَفَفتُ أظافرَ الثلج لأعطيَ للأطفالِ الأمان وهم يصنعونَ الكُرات والدُّمی ؟
وربما لا تعلمين كذلك عن طقوسي المسبقة عن تنبيهي للوديان بأنْ تستعدّ للامتلاءِ بي ليكونَ الرّبيعُ وارفاً .
وبمناسبة الرّبيع فهل تعلمين عن طقوسي واستعداداتي حيثُ كنتُ أنَسّقُ زهورَ المشمشِ معَ فستان العشب وبُكَلِ الدّحنونِ ليكونَ ربيعُكم مُدهشاً وفاتناً ؟!
هل تعلمين كيفَ عجنتُ الترابَ الأحمرَ مِسكاً بماءِ زهرِ الدْرّاقِ ليفوحَ عليكم في حفلاتِ الشّواء ؟!
أمّا الصيفُ واستعداداتي واحتياطاتي لهُ ولكم فقد تعاقدتُ مع البحارِ وأسرابِ النّوارسِ ، وهيّأتُ الشواطئ ، وكسرتُ منْ حِدّةِ شمسي ليكونَ صيفُكم باذخاً .
هل تعلمين سيدتي عن مدی سروري واستعداداتي لأفراحكم في الصيفِ ؟!
وكيفَ وَجّهتُ بإطالةِ عُمرِ النّهار ودفءِ اللّيلِ كي لا تتضايق العرائس وصديقاتهنّ من فساتين الدانتيل وهنّ يرقصنَ في صالاتِ الأفراح .

وحين تنتهي حفلةُ الصيفِ فقد أعددتُ لخريفكم طقوساً تُديمُ الوصالَ بين بهجةِ الصيف وحميميّةِ الخريف ، فهيّأتُ أغاني فيروز بكثرة ، وبكارج القهوة ، ورششتُ أرض أيلولَ بما ادّخرتُهُ من مخزونِ الشتاء كي لا يجرحكم خريفي بغبارهِ .

سيّدتي الجليلة : كلُّ ما سبقَ كانَ تحت بندِ ( أمّا قبل ) ، وكانتْ خططاً على قدَمٍ وساقٍ ، أمّا عنْ ( أمّا بعدُ ) :
فقد طلعتُ عليكم في الأول من يناير ، وهو فصلُ الشتاء كما تعلمين .
كنتُ في غايةِ الوسامة ، معطفي الأسود الأنيق والشّالُ الصوفيّ وجزمتي طويلة السّاق ، وعطري من الثلج باردٌ حدّ الانتشاء ، فما الذي حدثَ ؟؟
استقبلني الأثرياءُ بالألعابِ الناريّة وصوري تملأ وتُزيّنُ الأبراج العالية ، فقلتُ في نفسي بشعورِ الواثقِ : يا لها من بدايةٍ !!

ثمّ عادَ الأثرياءُ إلى مدافئهم وقهوتهم ومشروباتهم وتركوا المهجّرين والنّازحين والفقراءَ في مواجهتي التي لمْ أرغبْ بها ولا تمنيّتُها ، وأضافوا إلى ذلك ما ابتدعوهُ من فيروس مُصنّعٍ لتشويهِ وجهي الجميل وسيرتي العطرة ، فهل كنتُ بِدعاً من إخوتي ممّن سبقوني من الأعوام ؟!
هل تأخّر بساطي الأخضر وموسمُ اللوز والمشمش والتوت عن موعدهِ ؟! وهل فقدتم نوعاً من الزّهور في زمنِ حُكمي ؟!
وهل جفّتِ البحارُ وماتتِ النّوارسُ وصارتِ الشواطئُ جليداً في زمني ؟!
هل اختطفتُ فيروز منكم في الخريف وحرمتكم من القهوة والشّعر والكتابة ؟!
إنني يا سيّدتي الموقّرة لم أفعلْ شيئاً من ذلك ، لكنّكم بني البشرِ شوّهتم وجهي الجميل على مدی اثني عشر شهراً ، وألصقتمْ بي كوارثكم وعبثكم ، وعلّقتُمْ على مِشجبي كلّ أخطائكم وخطاياكم .
ها أنا – كما ذكرتِ – في النّزعِ الأخيرِ من عُمري غيرِ المأسوفِ عليهِ بسببكم ، وها أنا أعِدُّ تقريري النهائيّ لأرفعَهُ إلى الذي قال ( إنّ عدّة الشهورِ عند اللهِ اثنا عشر شهراً ) والقائل سبحانه ( وقلِ اعملوا فسيری اللهُ عملكم ورسولُهُ والمؤمنون )

وها أنا أسحبُ منْ رَحِمِ الغيبِ يدَ شقيقي 2021 ليريحني من عناءِ ما كابدتُهُ مع البشرية ، ورغمَ تمنيّاتي الصادقة أنْ يكونَ خيراً وبركةً عليكم لكنّني أذكّركم بقولِ الذي خلق الزمانَ ( إنّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم )
سيدي القاضي ، المحكمة الموقّرة ، الادّعاء العامّ : شكراً لِمنحي هذه الفرصة للدّفاع عن نفسي ، وأتلمّسُ العدلَ من محكمتكم الكريمة .
المُتّهم : 2020

# مذكّرة الاتّهام التي تقدّمتْ بها الدكتورة الأديبة ريمان عاشور في التعليق الأول .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى