قديستان ومنظر بدائي.. لويز غليك

ترجمة عن الإنكليزية: عبدالكريم كاصد | العراق

1- قدّيستان:

في عائلتي ثمة قدّيستان
خالتي وجدتي
لكنهما عاشتا حياتين نقيضتين

جدتي هادئةٌ حتى وهي تبلغ النهاية
شبيهة كانت بمن يسير في ماء ساكن
ولعلّةٍ ما، لم يقوَ على إيذائها البحر
حين سلكت خالتي الطريق ذاتها
تكسرت الأمواج فوقها وشرعتْ بالهجوم
هكذا تستجيب الأقدار
لطبيعة روحين حقيقيتين

جدتي حذرة، محافظةٌ
ولهذا تحاشت الألم
خالتي لم تستطعْ
ففي كلّ مرّةٍ يتراجع فيها البحر يتوارى واحدٌ من أحبائها

مع ذلك فهي لم تعتبر البحر شريراً
بالنسبة إليها: الأمرُ سواء
حيثما لامس (البحر) اليابسة حلّ العنف

ΠΠΠ

2- منظر بدائيّ:

تدوسين على أبيك، أمي قالتْ،
وبالفعل فأنا واقفةٌ تماماً في منتصف بقعةِ عشبٍ شُذّبتْ،
قد تكون هي قبر أبي،
مع أنه لا توجد شاهدةٌ تعلن ذلك.

أنت تدوسين على أبيك، ردّدتْ،
بصوتٍ أعلى هذه المرّة، فبدا لي ذلك غريباً،
منذ أن ماتت هي أيضاً. حتى الطبيب أقرّ بذلك.

تنحيت – قليلاً – جانباً، حيث انتهى أبي، وبدأتْ أمي.

كانت المقبرة صامتةً، ريحٌ تهب عبر الأشجار
كدتُ أسمع أصواتاً تبكي بخفوت على مبعدةِ صفِّ قبورٍ
وأبعد منها ثمة كلبٌ ينبح

أخيراً خفتتْ هذه الأصوات.
اختلط الأمر عليّ،
لا أذكر كيف وصلتُ إلى ما يبدو لي الآن مقبرةً،
مع أنها قد تكون مقبرة في ذهني حسب،
ربما هي كانت متنزّهاً،
وإن لم تكن فهي حديقةٌ أو تعريشةٌ، معطرةٌ، أدركتُ الآن، بعبق زهورٍ –
عذوبةُ حياةٍ تملأ الهواء
حلاوةُ حياةٍ، مثلما يقال.

في لحظة ما
حدث أن كنتُ وحيدةً.
أين ذهب الآخرون،
أبناء عمي وأختي، كيتلن وأبيغل؟

الآن بدأ الضوء بالشحوب
أين ترى السيارة التي كانت تنتظر لتقلّنا إلى بيوتنا؟

آنذاك بدأت أبحث عن مهربٍ
شعرتُ بنفاد صبر كاد يستحيل قلقاً
أخيراً، على مبعدةٍ تراءى لي قطارٌ صغيرٌ
توقّف، خلف الأشجار،
سائقهُ تلبّث، عند إطار بابه، مدخّناً سيجارةً،
لا تنسني، صرختُ به، راكضةً،
فوق العديد من القبور، الأمهات، الآباء
لا تنسني، صرختُ به، وحين وصلتُ إليه أخيراً،
قال: سيدتي، مشيراً إلى السكة
” مؤكدٌ تعرفين أنها النهاية”
قاسية كلماته كانت مع أن عينيه كانتا حانيتين
وهذا ما شجّعني أنْ أتصلّب في أمري.
ولكنْ على السكة يمكن الرجوع، قلتُ، وقد لاحظتُ
صلابتها كما لو أنها شهدت الكثير من الذهاب والإياب.

تعرفين، قال، عملنا شاقّ
تواجهنا العديد من الأحزان والخيبات
حدّق بي بصراحة تزايدتْ وأضاف:
كنت شبيهك مرةً مشغوفاً بالمشاغبات.

حينئذٍ كلمته كما لو أنه صديق قديم
مادام حرّاً هو في المغادرة،
ألا ترغب في الذهاب إلى البيت
لترى المدينة ثانيةً؟
قال: هذا هو بيتي.
المدينة – المدينة هي حيث أختفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى