الشاعران؛ العِراقيّ: وسام العاني، والعُمانيّ: حسن المطروشي (وجهًا لوجه)

– البناء والإبداع والتكوين الشعري قادني إلى دراسة الهندسة

– الكتابة محاولة للحياة، وما أجمل الحياة عندما تكون شعرًا

– القصيدة رممت الكثير من المشاعر المكسورة في داخلي

– لا أبالغ في تشفير النص حتى لا أقطع العلاقة مع المتلقي

– الشعرتوثيق لتجربة القهر والظلم الواقع على الأرض والإنسان

– أنحاز إلى الجمال حيثما يكون

– البدايات الشعرية النديّة ما زالت طريةً ولا تبرح الذاكرة

– اللغة الكفيلة بصناعة الدهشة ولا أنشغل بالأطاريح النقدية

– المشهد الثقافي العماني راسخ ومنفتح على تجارب الآخرين

– أسأل نفسي دائما: ماذا سأضيف للشعر؟ وبما تمتاز تجربتي الشعرية؟

– تكثيف الرمزيات في النص بدون إشارات دلالية محددة يعمّق الفجوة مع المتلقي

القصيدة لدى الشاعر وسام عبد الحق العاني كالماء والخبز وسيلة للبقاء والاستمرار من أجل تحقيق إنسانية مفقودة في عالم الواقع البائس المهشم بالحروب والخوف والدمار،  يقيم في سلطنة عمان منذ سنوات. بدأ لديه شغف الكتاب باكراً، ولكنَّه  تأنى في إصدار ديوان حتى وجد له  صوته الخاص. وقد صدر له  ديوان (كالبحر يمشي حافيا)، الذي حقق أصداء طيبة منذ صدوره… في هذا الحوار يتحدث عن بداياته الأولى مع الشعر والكتابة، والوطن والغربة وألم الغياب والرحيل وديوانه الأول ورؤاه في الشعر والحياة وأشياء أخرى…

س://صدر لك ديوان (كالبحر يمشي حافيا).. دعنا ندلف معا إلى فضاءات هذا الديوان؟

الجواب: العنوان ابتداءً هو عنوان لإحدى قصائد الديوان التي كُتبت بتناصٍ مقصودٍ مع قصيدة (غريب على الخليج) للراحل الكبير (السيّاب)، وربما استثمرتْ نفس الأجواء من حيث الوزن والمدلولات مع استعارة بعض مفرداتها أو الاتكاء على بعض صورها الشعرية، لتعكس حال الشاعر حين كتابتها والذي كان مشابهاً إلى حد ما لحال السيّاب حين كتابة قصيدته.

يحتوي الديوان على 25 قصيدة تستفيد من جميع أشكال الشعر العربي وتتنوع ما بين قصيدة العمود، والتفعيلة وقصيدة النثر، وهي مجموعة مختارة بعناية لتقديمها للوسط الشعري كبطاقة تعريف بتجربتي الشعرية.

س:// أنت شاعر متمكن ولديك تجربة كبيرة، ولكن الإصدار جاء متأخراً بعض الشيء.. ما سبب ذلك؟

الجواب: كنتُ متردداً جداً إزاء فكرة إصدار ديوان شعري، والسؤال الذي أطرحه على نفسي هو ماذا سأضيف للشعر؟ وما هو الأسلوب الفني الذي سأعتمده لتمييز تجربتي الشعرية في ظل وجود أسماء ساطعةٍ في فضاء الشعر العربي، لذلك فضلت التمهيد للاسم والتجربة، قبل طرح الديوان، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والولوج في الوسط الأدبي العربي، وفعلاً بعد مرور الأيام صار الكثير من الشعراء الأصدقاء يطالبونني بإصدار مجموعة شعرية، وفي مقدمتهم الشاعر الكبير الأستاذ عبد الرزاق الربيعي الذي كان له الفضل الكبير في ظهور المجموعة إلى الضوء، والآن وبعد سماع الأصداء المحفزة للديوان الأول، أحضر بإذن الله للديوان الثاني.

س:// يبدو نصك عالماً مشوباً بالأسئلة والحزن والغربة.. حدثنا عن هذا النص وكيف ينشأ بتفاصيله ملامحه؟

الجواب: الكتابة في الأصل هي محاولة للحياة، فما بالك عندما تكون كتابة شعر. بالتأكيد الظروف القاسية التي مر بها العراق والتي أجبرتني على مغادرته عام 2006 تركت ظلاً ثقيلاً على النصوص التي أكتبها، الشعور بالغربة والحزن يتسلل إلى النص أحياناً بدون أن أدري، لا أملك في العادة خطةً لكتابة قصيدة على نحوٍ معين، شعور ذاتي يتكون ثم يقودني إلى الكتابة، التي بدورها تتكفل بالنواحي الفنية من لغة ووزن وقافية. لكني أحاول أن أرسخ ملامح النص لدي من خلال إثارة أسئلة الذات الإنسانية وغربتها وعلة وجودها ولا أبالغ في تشفير النص حتى لا أقطع العلاقة مع المتلقي.

س:// صف لنا مكابدات المبدع في الغربة، وهو يرى وطنه يمر بالمحن والويلات؟

الجواب: لا يمكن للمبدع أو للمثقف الحقيقي أن يدير ظهره لأوجاع وطنه وآلام أهله، الشعر بوصفه واحداً من أسمى الفنون الأدبية، يحاول مد مقتربات فكرية مع هذه المعاناة، وتقديمها بلغةٍ عاليةٍ توثق القهر والظلم الذي يقع على الأرض والإنسان.

المبدع في الأصل هو جزء من هذه الأوطان المنكوبة، ذات حقيقية معذبة وذاكرة مليئة بصور المعاناة، يضاف لها شعوره العالي بالمسؤولية تجاه توثيق كل هذا بلغة شعرية تبث الأمل في النفوس وتدعو إلى إقامة صرح الإنسان.

س:// أنت درست الهندسة وتعمل فيها.. ما الذي قادك إلى عوالم الشعر والكتابة؟

الجواب: ربما الأفضل لو كان السؤال ما الذي قادني إلى الهندسة! فمن سنٍ مبكرة، وأنا أتلمس شغفي بالشعر والأدب عموماً، كتبت أول بيت شعري وأنا في الصف السادس الابتدائي، كتبت أول قصة قصيرة في الصف الثاني متوسط، كتبت أول مسرحية في الصف الخامس الثانوي، وفزت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة في جريدة (صوت الطلبة) وأنا في الصف السادس الثانوي… إنَّ وجودي في الهندسة كان نتيجة حصولي على معدلٍ عالٍ يؤهلني للهندسة، وأحببت وجودي فيها لأنَّها مجال يهتم بالبناء والإبداع والتكوين، وهي عناصرٌ موجودةٌ أيضاً في الكتابة الشعرية.

س: // الشاعر يولد شاعراً، إلا أن بعضهم قد تأخذه شواغل الحياة، ولا يصغي لنداء الروح في داخله .. كيف تصف بداية تلك الإرهاصات الأولى للشاعر في داخلك؟

الجواب: ما زلتُ أتذكر البدايات النديّة، وما زالت طريةً في الذاكرة، لكن بالتأكيد لم يكن لدينا الوعي الكافي حينها لقراءتها على أنها إرهاصات لولادة شاعر، كذلك مشاغل الحياة وضغوطاتها وأحياناً التوجيه الأسري تترك أثراً في القدرة على تحديد المسار، لكن تأتي شهادات مختلفة سواء من الأقرباء أو الأصدقاء أو الأساتذة في المدرسة تساعد في ترسيخ أو تجذير فكرة الشاعر في ذات الإنسان، ليبرز دوره لاحقاً في العمل على تفعيل وصقل الشاعر الذي في داخله.

س:// تقيم في سلطنة عمان منذ عدة سنوات.. كيف تصف هذه التجربة، لاسيما في ما يتعلق بالمشهد الثقافي وعلاقته به؟

الجواب: كانت البداية في (صلالة) حيث قضيت قرابة ست سنوات، واقتصر وجودي على العمل كمهندس ولم أنخرط في الوسط الثقافي إلا بعد انتقالي إلى مسقط قبل أكثر من أربع سنوات. وجودي في السلطنة أتاح لي التفاعل مع المشهد الثقافي العماني ومد جسور التواصل مع أسماء لامعة في الوسط الأدبي والثقافي، وهذا ساعدني كثيراً في البقاء على قيد الشعر وبالتالي أثرى تجربتي الشعرية. المشهد الثقافي في السلطنة مشهد ثري ويحتوي على تجارب مميزة وكبيرة، ويكاد يكون الأكثر عمقاً من حيث التجربة والتفرد على مستوى الخليج العربي، كما أنه مشهد منفتح على تجارب الآخرين وهذا ربما يعود لرسوخ الشخصية العمانية وثقتها في نفسها.

س:// تكتب القصيدة المقفاة بشكل أساس، ولكن تجربتك تنفتح على مختلف الأشكال الشعرية. فهل أنت معني بسجال الأشكال؟

الجواب: لستُ معنياً بسجال الأشكال، بمعنى لا أتبنى رأيا متطرفاً، وأنحاز إلى الجمال حيثما يكون، عندما أشعر بأن القصيدة يجب أن تخرج بشكل معين فلا أتردد أبداً في تعميق هذا الشكل والبناء عليه نصياً، ولا أجبر القصيدة على قالبٍ معينٍ لأنَّ هذا التقييد يتنافى مع روح الشعر، على أني لا أخفي ولعي وشغفي بقصيدة العمود.

س:// على غرار قول الأعرابي عن المراثي بأنها أجود أشعارهم، يقال إنَّ الإبداع يخرج من رحم المعاناة .. هل يصدق ذلك مع تجربتك؟

الجواب: نعم إلى حدٍ كبيرٍ ، المعاناة الحقيقية تعطي زخماً كبيراً للنص، والصدق في التعبير عنها يجعلها قريبةً إلى ذائقة المتلقي. ولذلك قصائدي التي تتناول أوجاع الوطن المنكوب وأوجاع الغربة تجد قبولاً كبيراً لدى الناس لأنها تعبر عنهم وعن همومهم الذاتية… الكتابة بالنسبة لي هي الحياة، ولولا الكتابة لخسرت الكثير من إنسانيتي، ولا أخجل من القول إني أغسل ذنوب الهندسة بالشعر.

س:// لغتك تنحو إلى التكثيف والاختزال وكسر المتوقع .. حدثنا عن تعاملك مع اللغة وتشكيل فضاء القصيدة لديك؟

الجواب: اللغة هي الكفيلة بصناعة الدهشة في النص، وكلما كان قاموس الشاعر ثرياً ساعده ذلك على ابتكار صور فريدة ومدهشة. أحاول خلق موسيقى داخلية تتناسب مع روح النص وفكرته ترتكز على جرس معين من المفردات والقوافي تساهم في تشكيل فضاء النص وتحديد هويته. اعتمد كثيراً على الرضا الذاتي ولا أنشغل كثيراً بالطروحات النقدية في هذا المجال، ما لا أرضاه لا أنشره.

س:// تنم نصوصك عن انهماك عميق لديك في أسئلة الكون والوجود .. كيف توازن بين الفلسفي والواقعي والجمالي في نص شعري؟

الجواب: الكثير من الشعراء ينحون هذا المنحى للهروب من المباشرة في النص، وهذا جيد، لأننا مطالبون بالحفاظ على سمو الشعر وحمايته من الهبوط، لذلك يأتي الترميز الفلسفي ليضيف عمقاً للنص، ويوفر فرصة للمتلقي لتشكيل قراءته الخاصة التي تساهم في اكتمال بناء النص وفق الكثير من نظريات النقد الأدبي. لكني أحاول عدم المبالغة في الترميز للحفاظ على جسر التواصل مع المتلقي فتكثيف الرمزيات في النص بدون إشارات دلالية محددة من شأنه تعميق الفجوة مع المتلقي.

س:// عصرنا هو عصر الدمار وطغيان المادة وانحسار الروح. ما الذي يمكن أن ترممه القصيدة في هذا العالم المتصدع .. وما هي رهانات القصيدة على البقاء؟

الجواب: بإمكانها الكثير، أقيس ذلك على نفسي، فالقصيدة رممت الكثير من المشاعر المكسورة في داخلي، وأزعم أنها حمتني إلى حد بعيد من السقوط في الكراهية والتشدد. القصيدة هي محاولة للجمال ومواجهة قبح العالم، وعلى الشعراء أن يحافظوا على زخم القصيدة وتوهجها… صوت القصيدة لم ولن يختفي، لأنها الصوت النابع من الذات الإنسانية، وهي انعكاس همومه ومشاعره، القصيدة هي الفطرة، لا تزال الجدّات يتغنين بالشعر والموال وينقلن كل هذا الإرث للأجيال، ينمو الطفل في بيئتنا على ترنيمة الأمهات، لذلك أكتب القصيدة وأنا متفائل بمستقبلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى