الرسالة الأدبية الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة أدب الرسائل: مسابقة بيت الفنون بواشنطن

الكاتب: علي السباعي | العراق

رسالة من الباحث عن الخلود (كلكامش) إلى كاتب القصة القصيرة العراقي الجوزائي المزاج (علي السباعي):
أما بعد؛
يا صاحبي العراقي وخلي الوفي الجوزائي المزاج علي السباعي.
ما أشوقني لجمالياتك المدهشة يا قمر الأحبة، وحدك القابض على حلمي، يا حلمي، أنت شمعتي المضاءة، يا نبض قلبي، أفتقدك بعمق، وأحس بوحشة وانكسار لا يوصفان عندما لا أقرأ لك قصصا، قصصك تشجعني على الاستمرار في هذا العالم القاسي رغم الألم.
كيف أنت يا أيها الغائب الحاضر في القلب؟ اشتقت لكلماتك، للآلئك الثمينة، لأعوامك الناصعة بالحكايا يا أيها العلي النبيل، مرت السنون عجافا جزافا سراعا يا صاحبي، تعلمت فيها كل ما يمكنني فعله غير القراءة، لكن! الآن في فترة ( كوفيد 19)، تعلمت القراءة الواعية، والقراءة الواعية علمتني أن أشعل الضوء، ضوء روحي، في ظلمة الوجود، ظلمة الحياة، وأستعيد أحلامي، وأنا أقرأ في كتابك: (زليخات يوسف)، فأراه وأنا أقرأه: حربا ودمارا وخرابا سورياليا مؤلما، تمنيت وأنا أقرأ: أن أقرأ عن الحرب بعين الإنسان البسيط لا بعينك، وأن أهجس الإيقاع المؤلم لها من وجهة نظر الناس البسطاء لا من وجهة نظرك، فهو سيؤرخ لهذا العذاب، ومع ذلك ما كتبته بمزاجك العراقي الجوزائي كان مؤثرا جدا، وموجعا جدا، تمنيت لحظتها لك السعادة، فسخرت الجن، ليحملوا إلي محياك البهي، أخبروني: انشغالك بمنتج إبداعي جديد وأنت تعيش في زمن
جائحة كورونا، همست في نفسي: علي السباعي. ستعيش وحيدا وتموت وحيدا كأبي ذر.
علي السباعي، يا خلي الوفي، أنت أشراقة الضوء في اللحظة المعتمة، أصبحت أكتب مثلكم، وما
أكثرها لحظات حياتي المعتمة لأن من حولي الناس جدران وأسيجة إلاَّ إياك يا أيها الضوء الباهر،
ّ سلمت لصاحبك كلكامش نورا في عتمة أيامه.
كتب ليو تولستوي: ” السعادة ذات طعم واحد، لكن. الشقاء متنوع الطعوم “. فلتعلم يا صاحبي: ألمي، وشقائي، للأسف أنفقت كل وقتي أعيش في سو ٍق مليئ ٍة بالباعة، عشت وسطهم باحثا عن عشبة الخلود في سو ٍق يبيعون فيه لحمنا ودمنا، تألمت كثيرا لتعطل رؤوس الناس، ذلك ما قرأته في
ّ
قصتك: (مزاد الرؤوس العلني)، شكرا يا معلمي، تعلمت منك الكثير وأنا أقرأ قصصك دون أن
تعلم، قرأت قصتك الأبلغ عن: (كوكز الحمال الزنجي من أبناء مدينتك الناصرية)، والتي نبذت فيها العنصرية قبل مقتل (جورج فلويد)، بسنوات طويلة، فلتعلم الآن يا معلمي أن علينا حماية حياتنا، بعد أن غمرتها الخيبة، أنتهى بي الأمر إلى الخيبة، حياتي صارت باهتة، وهذا الجانب الباهت منها جعلها خانقة، مملة مثل فلم قديم بالأسود والأبيض باهت ومملل، صوره مبعثرة، ضائعة، غير مترابطة، لا تضم مصائرنا المجهولة، عشت حياتي كلها محاولة مني لإسعاف وترميم جراحات روحي، سعيت جاهدا الهروب منها نحو حياة أكثر حرية، لم يكفني خروجي في كل مراحل بحثي عن الخلود، كنت أحلم ببداية جديدة، لا زلت أتخبط بأحلامي الكبيرة، نعم. الحلم ببداية
جديدة، وغالبا ما أردد في سري: الحياة، يا لها من مهنة شاقة، إنها شاقة بما تمتلكه من وعي، ويأخذني وعي ّي من يدي إلى ما يفسد عل َّي حياتي التي كنت أعيش في أفيائها سعيدا حتى قرأت لك ما أقض مضجعي، ما جاءت به قصتك: (شارلي شابلن يموت وحده)، أبكاني، لقد أبكيتني يا شارلي شابلن، أبكيتني يا (علي السباعي)، أبكتني شحنة الألم الموجودة فيها، يقولون أن أطول عمر موجود على كوكب الأرض هو: الحزن. لذا نحن شركاء في أن نمتد مع حزننا أبعد من عمر الحزن، وبالطبع هذا هو الطريق المنشود الذي أعتقد أننا قد بلغناه عندما ركبنا (قطار أسمه: غاندي)، وعندما رحلنا سوية مع (الشاطر كلكامش إلى دار السلام)، ورقصنا فرحا على (إيقاعات الزمن الراقص )، فلنستمر حزنا وإلا سوف نقتل ب: (بندقية الحاج مغني)؟ كانت رحلتك لأجل كتابة قصة عن سر هذا العالم الراكض مثلي تحت شمسنا الساطعة: أعمارنا الخابية. صدقني يا صاحبي إن ما نبحث عنه هو: أن نكون. هذا ما هو نشاز. الآن. في عالمنا العراقي، يا صديقي كتبت مرة لي: أن الأدب أفسد حياتك. أبدا. لم يفسدها، أعلم أنك كنت تقول: ماذا كان بوسعي أن أفعل بعد أن بدأ الشيب يلوح في رأسي؟ أنها خطواتك المباركة إ ّبان سني العراق العجاف وأنت تد ّون عذابات الناس وجراحاتهم، ودربك مازال شاقا وطويلا، وأنت تحاول بالكتابة جاهدا العثور على الدرب المنشود، وأنت فرس برية بطبيعتك، فرس برية أتعبها الجري في مفازات الخراب
العراقي. يا خلي الوفي: أعلم أن بإمكانك المواصلة لأنك تملك قلبا نظيفا أبيض نابضا بحب العراق.
كنت قبلها منهمكا بقراءة قصصك التي كتبتها عني، قصة: (رحلة الشاكر كلكامش إلى دار السلام)، وقصة: (كلكامش يغني لسليمة باشا مراد)، أحسست بقراءتها أنك اقتربت من روح مايكل أنجلو، فيمكن عد الفنان الإنسان الذي يرسم بيده، بل، برأسه، لأن معجزة الفن تكمن في عملية
تصوير الفكرة، وليس إظهارها. هنا أحسست بالخلود الذي أبحث عنه يا صديقي.
شكرا للمعة روحك البيضاء، وبساطة قلبك، عندما أنظر في عينيك السومريتين الجميلتين تبتسمان لي بمحبة، أتمنى لك الفرح. . . علي السباعي يا خلي الوفي دمت لي منارا.
صديقك من أرض سومر / كلكامش / يوم الأربعاء 10-6-2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى