د. يوسف زيدان: الفرق بين مفهومي: الهرطقة والزندقة 

«الهرطقة» هى مفهوم مسيحى وتهمة طالما استعملتها الكنائس القديمة ضد معارضيها، والكلمة أساسها يونانى وتنطق «هيرسى» وكان معناها الحزب أو الجماعة السياسية، ثم تطورت دلالتها فصارت تقع على كل منكر لمعتقد هذه الكنيسة أو تلك، فصار الهرطوقى عند أولئك مقدساً عند هؤلاء، والعكس.

 فإخواننا الأرثوذكس المصريون يرون «نسطور» هرطوقياً، ويراه أتباع الكنيسة الآشورية قديساً! والهرطوقى الأعظم عند الكنائس الشرقية «آريوس» يراه المسلمون من الأولياء الذين بشروا بالإسلام، ومن المؤرخين المسلمين من يسميه: عبدالله بن آريس!.

وأخيراً، فإن مفهوم «الزندقة» من المفاهيم الإسلامية المبكرة، التى تحمل اتهاماً بأن صاحبه (الزنديق) هو مجوسى يعبد النور والظلام على حسب الديانة الزرادشتية، ويقدس «الزندفستا» التى هى النص الثانى فى الزرادشتية بعد كتابهم: الأفستا (الأبستاق).

 وقد وصل ابتذال بعض جهال المسلمين القدماء إلى درجة بائسة جعلتهم يتهمون المشتغلين بالمنطق (الذى هو أساس التفكير وآلة المعرفة العلمية( بأنهم زنادقة! فكانوا يقولون: من تمنطق فقد تزندق.

وختاماً، فإن «الدين» كله رحمة فى الأساس، مهما تنوعت صوره وتجلياته، أما «التدين» فهو مرتبط بطبيعة البشر، وعلى هذا الأساس قد يصير رحمة أو نقمة، عبادة أو لعبة سياسية.. تصوفاً واتجاهات روحية ترتقى بالإنسان، أو عنفاً أصيلاً، وداعشية مقطوعة الصلة أصلاً بالإنسانية (ناهيك عن الألوهية).

وفى هذا القدر كفاية لمن يفهم ليعتبر، ونكاية لمن يترصد ليعتدي.. لكن الكلام عن تلك المفاهيم الاتهامية، غير الموضوعية فى معظمها، لا يكتمل إلا بالكلام عن الإيمان.. فالضدان، يظهر أحدهما الآخر بشكل أوضح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى