أعداء البشر

أ. د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

قدم الفيلسوف الألماني الشهير “شوبنهاور” مثلاً للأخلاقيات أوجزه في عبارة بليغة جاء فيها: “لا تؤذ أحداً، وساعد الجميع بقدر ما تستطيع”، وهذه العبارة تبدو رغم بساطتها ومباشرتها ووضوحها عميقة المعنى، غنية الدلالة، بالغة التأثير.

وقديماً توصل سقراط إلى كشف أخلاقي؛ فصاغه بإيجاز بليغ فقال: “أن تُظْلَم وتقاسي، خير من أن تَظْلِم”. لا يجد بعضنا صعوبة في أن يصادف في حياته كارهي الخير للناس، إنهم يتكاثرون على مر الأجيال كأنهم الجراد، ينشبون مخالبهم في الأرض الطيبة يعيثون فيها فساداً، وقد أتاحت لهم من خيراتها ونعمها.

وهم فوق ذلك يبرعون في الدس ومكر السيئ، فيوقعون غيرهم في مكائد يتعذر التخلص من شرها المستطير. تارة يتخذون من الحيل وسيلة ليظفروا بأغراضهم الباطلة، وتارة يستندون إلى ذكائهم للوصول إلى ما يريدونه من السوء، وتارة يسوسون الأمور بدهاء حتى يصلوا إلى ما يُرضي أنانيتهم.. إنهم أعداء البشر والحياة.
وإن تحليلاً نفسياً لأعداء البشر سيكشف أنّ لهؤلاء أذهاناً ليست كالأذهان، وقلوباً ليست كالقلوب، ونفوساً ليست كالنفوس؛ فأذهانهم لا تمتد إلى ما يمتد إليه النظر الواسع إلى فعل الخير، وقلوبهم لا تشعر بما تشعر به القلوب المحبة للخير، فلا تحس ألوان الجمال في إسعاد الآخرين، ولا تخفق لنظرات السعادة في عيون الممتنين.

كما أن نفوسهم محجبة وراء سجوف من السواد لا يصل إليها ضوء من الأنوار المتلألئة في نفوس السعداء، ولا تنبعث فيها حرارة الإيمان بالخير. إن هؤلاء يتسترون بين الناس بثياب مستعارة ليسيئوا إلى الذين لا يؤذون أحداً، وليمنعوا الخير عمن يستحقونه، وليدفعوا الشر إلى الذين طابت نفوسهم، الذين لا يحذرون كيد الغادرين، والذين يستأمنون الناس لأنهم غير ماكرين.

وإن النجاح الذي يلقاه هؤلاء في مكرهم هو نجاح زائف وانتصار مؤقت، ومكسب يورث ندامة لا محالة؛ فساحة  السراب وحدها هي التي تتسع لأمثال هذه الأوهام في إمكان انتصار أعداء البشر.

وقانون الحياة يأبى أن ينسخ الظلام النور، وأن يمحق الباطل الحق، وأن يغلب الشر الخير لأن هذا يعني تشويه الحياة وتدميرها. فإما أن تنتصر الحياة بسحق الشر، وإما أن تسلّم بوجوده وتؤَمّن بقاءه؛ فيسلمها إلى دمار محتوم.

وقد ساق لنا التاريخ أمثلة لا حصر لها تكشف عن انتصار الخير، ونسخ الظلام ومحق الباطل، وهذه الأمثلة تحفظ على الإنسانية إيمانها بهزيمة الشر، وتعيد إلى الحياة ثقتها في ثبات السنن الكونية التي ترفض اجتماع الأضداد، وتأبى مسالمة الشر وتأمين وجوده. إنه انتصار للحياة وتأمينها لنضالها من أجل الحق والخير والجمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى