إلى صديقي الفنان.. محمد عساف

خالد جمعة | فلسطين
أعرف ماذا يدور في روحك الآن، وقد وقفوا أمامك صاغرين، لا يملكون إلا أن يمنعوا لك أغنية هنا وموالا هناك، لكن يا صاحبي: هل رأيت أغنية يتم اغتيالها من قبل؟ لقد قال الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف “إنهم يستطيعون أن يقتلوا المغني، لكن من رأى منكم قبراً لأغنية أو قصيدة من قبل؟”
هل تعرف أن ما يفعلوه يدل بالقطع على أنك تسير في طريق صحيحة؟ وهل تعلم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا تسوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه؟
أنت الذي عشت في المخيم كأي ولد من أبنائه، ومشيت حافياً، وجرحت ركبتك وأنت تلعب مع رفاقك في أزقته، وجمعت النحاس من مكبات النفايات لتشتري دفتراً وقلماً، أنت الذي لم تتغير لهجتك ولا سلوكك بعد أن صرت محبوباً للعرب، وبقيت متواضعاً تقبل صورة مع أي طفل يطلبها، وتعشق غزة وتغني لها وتغني من كلمات شعرائها المحرومين والمغيبين عن الساحة الفنية العربية، ستمر هذه الأزمة يا صديقي كما مرت الأزمات التي سبقتها، لا أخاف عليك من إسرائيل والإمارات، بل أخاف عليك ممن هم أقرب إليك من حبل الوريد.
لن يستطيعوا أن يلغوا صوتك من أرواح الناس الذين أحبوك، فقد بقيت أصوات المغنين العباقرة قبل أن يوجد اليوتيوب، وقبل أن يوجد الفورشيرد، وقبل أن يوجد الساوند كلاود، وحتى إن استطاعوا إلغاء أغنيتك التي حققت مئة مليون مشاهدة، وأزالوها تماما عن الإنترنت، فكيف سيفعلون بكل أطفال فلسطين الذين يحفظونها ويرددونها؟
أتمنى أن تكون لديك القدرة على الصمود ومواجهة ما يحاك ضدك، ذلك لأنه غير موجه إلى شخص محمد عساف الذي يغني لفلسطين ولرملها وبحرها وشهدائها، بل إنه موجه إلى صورة فلسطين التي صرت تمثلها منذ عام 2013، صورة فلسطين التي اختلفت بوجودك، وأضيفت إليها الأغنية والصوت الذي وصل إلى كل مكان في العالم، واطمئن، فأنت لم تقل شيئا يدينك، فمن المضحك أن يتم اتهام فلسطيني بأنه يمدح الشهداء، فهم لا يعرفون أن كلمة “شهداء” لا تعني شيئا مجردا ومعلقا في الهواء، بل هم أصدقاؤنا الذين شربنا معهم الشاي في أمسيات المخيم، ولعبنا معهم الكرة، وسرقنا اللوز والسبل برفقتهم، وتخاصمنا على الفتاة نفسها، وعلى الكتاب نفسه، وعلى لقمة من سندويشة الفلفل الأحمر نفسها، وعلى نَفَس السيجارة نفسه، لذا فأنت لا تغني عن شيء غريب عليك، لا تغني عن شيء تقرأ عنه في الكتب والصحف، بل تغني لجزء من روحك ما زال ينبض لأنك فلسطيني كأي فلسطيني آخر، مع ميزة صوتك الذي لا يقاس.
كن واثقاً، أن من هم معك، أكثر بكثير ممن هم ضدك، وإن امتلكوا الوسائل لمنعك من قول ما تريد، فإنهم واهمون، لأن الأشياء التي يريدون منعها هذه المرة ليست مظاهرة هنا وليست شعارا هناك، بل هو صوت، والصوت إذا أحبه الناس، خبأوه في قلوبهم، ومن يخبئه الناس في قلوبهم فلن تستطيع قوة في الأرض مهما بلغت من قوة أن تنتزعه منهم.
لك الحب والأمنيات التي لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى