الكتاب الجماعي “مقاربات في قراءة النّص الأدبيّ والنّقديّ في الجزائر”

فيروز بشير شريف | الجزائر

تجاوز النّقد النّظري، نحو أفق النقّد التّطبيقي

صدر حديثا عن دار خيال للنّشر و التّرجمة في الجزائر،كتاب جماعيّ بعنوان”مقاربات في قراءة النّص الأدبيّ و النّقدي في الجزائر” تحت إشراف الدّكتور والنّاقد الجزائريّ “لونيس بن علي”، وفور الإعلان عن صدور الكتاب، احتفى عدد من الأكاديميين، والقرّاء، والمهتمين بالأدب الجزائريّ خاصّة بالأمر،معتبرين المنجز خطوة تستأهل التّثمين، وإضافة للمشهد الأدبيّ والحركة النّقديّة على حدّ سواء،سواء في الجزائر، أو خارجها.
الكتاب شارك في إعداده مجموعة من الباحثين الجزائريين،نذكر أسماءهم فيما يأتي على التّوالي:
د.سعيد شيبان
د.لونيس بن علي
د.الحبيب عمّي
د.عدنان فوضيل
د.حسين خالفي
وقد شارك كل منهم بدراسة، أو مقال مطوّل إن صحّ التّعبير، وفي هذا الصّدد أشار الدّكتور “لونيس بن علي” إلى نيّته بتطوير الدّراسة الّتي اقتطع منها مقاله الّذي شارك به، إلى دراسة مطوّلة، قائلا: “مقالي هو في الأصل مشروع دراسة مطوّلة، اقتطعت منها مقالا، في انتظار نشر الدّراسة، أو بالأحرى، تطويرها إلى مشروع كتاب.”
أوّل دراسة يبدأ القارئ رحلته بها مع الكتاب، هي للدّكتور “سعيد شيبان” وقد جعلها بعنوان”تلقي النّص الصّوفي بين إكراهات اللّغة، ومقاصد المؤوّل” وقد انطلق فيها، من خصوصيّة التّجربة الصّوفيّة الّتي تختلف من شخص لآخر، وضرورة تقبّل ذلك المنحنى التّوليفي الدّينامي الّذي من خلاله يرنو دمج قصديّة القارئ، وقصديّة النّص في نسق تفاعليّ،لانصهار قصديّة النّص المرتبطة بالاتّجاه التّداولي، أو كما يسمّيه “امبرتو إيكو” التّعاضد النّصي.
لينتقل بعد ذلك إلى إظهار مدى خطورة مقاربة النّصوص ومحاولة تأويلها بآليات تقليديّة مبنيّة على الفهم الظّاهري للنّصوص، فذلك على حسب رأيه يفتح الباب للمتلقي السّلبي الّذي سيتّخذ من قصور فهمه لرموز ودوال معيّنة مطيّة للتّكفير، والتّجريم، معتبرا التّأويل أحد المنافذ الرّئيسة لفهم الطّابع العلائقيّ للّغة الصّوفيّة.
“وهكذا ستظلّ الإشكاليّة الكبرى في تلقّي النّصوص الصّوفيّة والمقدّسة مرتبطة في أساسها باللّغة، وهذا يظهر جليّا حينما ميّز المتصوّفة بين معرفة العوام، ومعرفة الخواص، ومعرفة خواص الخواص.”ص7،ص8
كما قدّم الدّكتور “سعيد شيبان” مقطعين للشّاعرين الجزائريين “أحمد عبد الكريم” و”مصطفى ديحيّة”، محاولا بذلك التّمثيل للقارئ عن نموذج من التّعارض بين رغبة المؤوّل، وممكنات النّص، انطلاقا من قراءة آل إليها الباحث “فاتح علّاق” في مؤلّفه “في تحليل الخطاب الشّعري”، معقّبا بعد ذلك على القراءة الّتي خلص إليها الباحث “فاتح علّاق” في مؤلّفه الّذي ذكرناه، معتبرا إيّاه بأنّه لم يستطع الاهتداء في تأويله لهذين المقطعين إلى التحرّر من ثبات الكتابة، ومركزيّة المعنى داخل النّص، ذلك أنّه استقباله محكوم سالفا بفهم موجّه عن مقاصد النّص في صورة خطيّة تنظر إلى الدّلالة كمعطى جاهز،مجرّد من خاصيّة التّفاعل.
في الأخير ختم الدّكتور “سعيد شيبان” دراسته،بلفت انتباهنا إلى ضرورة وجود تعاضد بين وعي القارئ،و وعي الكاتب، لينظر كل منهما إلى الدّلالة الّتي الدّلالة،بوصفها سيرورة،و ليس معطى جاهز و منتهٍ، ذلك أنّ الخطاب الصّوفي لا يفهم إلّا بالتّأويل،بوصفه تشكيلا رمزيّا و سيميائيّا للذّات و الوجود.
ننتقل إلى الدّراسة الثّانية، والّتي قدّمها الدّكتور و النّاقد”لونيس بن علي” و الّتي أوردها بعنوان: “أسئلة القراءة: النّقد في الجزائر.. قراءة في نماذج نقديّة” وهي عبارة عن دراسة تسلّط الضّوء على الخّطاب النّقدي المعاصر في الجزائر،من خلال الاستئناس بمجموعة من الدّراسات الّتي توزّعت بين الدّراسة الأكاديميّة، والمقال النّقدي، والقراءات الّتي أنتجها روائيّون جزائريّون.و قد توزّعت الدّراسة إلى مدخل مفاهيمي على حسب ما أشار إلى ذلك الدّكتور لونيس، ثمّ اشتغال مباشر على المدوّنات النّقديّة الّتي تمّ اختيارها مادّة للدّراسة.
“ونحن ننبّه إلى أنّ استقبال النّقد الرّوائي الجزائريّ ظلّ حكرا على دروس تاريخ الأدب الجزائريّ بشكل عام، و تاريخ النّقد بشكل خاص،أو هو مجرّد عروض للنّظريّات والمناهج النّقديّة الحديثة و المعاصرة، وعلى الرّغم من أهميّة عمليّة التّأريخ للنّقد وبسط مناهجه ونظريّاته، فإنّ ذلك لم يخل من النّقائص، انعكست اليوم في مستوى تلقّي النّقد.”ص26
“لم يعد النّقد ظلّا للأدب،و تابعا له، كما أنّه لم يعد مقتصرا على إصدار الأحكام القيميّة انطلاقا من مبدأ المفاضلة الجماليّة،بل هو أيضا يُقرأ كنصّ مستقلّ، فكثيرا ممّا يكتب غريبا من نقود،يحمل كثيرا من مواصفات الكتابة المبدعة.”ص27
باختصار،الدّراسة الّتي قدّمها الد ّكتور “لونيس بن علي” تقوم على جملة من الأسئلة،وهي كالآتي:
_ ما طبيعة التّلقي النّقدي للنّص الإبداعي الجزائريٍ؟
_ ما المرجعيّات المعرفيّة والنّقديّة والجماليّة الّتي تؤطّر عمليّة التّلقّي النّقدي؟
_ هل استطاع الخطاب النّقدي في الجزائر بلورة هويّته النّقديّة؟
يقول الدّكتور لونيس في الصّفحة 28 :”لا ننكر أنّ ما يناقش سنويّا من رسائل و مذكّرات جامعيّة في تخصّص النّقد هي من الكثرة بحيث يصعب تقديم إحصاء دقيق لها غير أنّ خلف هذا الكم العددي من الأعمال، يطرح مشكلة مدى استجابة هذه الرّسائل للسّؤال الابستيمولوجي المتعلّق بالنّقد في الجزائر.”
بعدها يلفت نظر القارئ،و في ذات السّياق لما كتبه المرحوم “بختي بن عودة” في مقال بعنوان”القلق المثلّث” والّذي على حسب الدّكتور لونيس، كان فيه عناية بعثور النّقد على وضعه الابستيمي.ذكر أيضا مقالا آخر يتناول نفس الموضوع، لكاتبه الأستاذ”حمزة الزّاوي”مع الإشارة إلى تركيز هذا الأخير على ما كتب من دراسات نقديّة في عام 1989.
“وهي مرحلة حاسمة تفصل بين مرحلة النّقد الأيديولوجي،وبين بدايات انفتاح النّقد على المناهج البنيويّة و السّيميائيّة.”ص31

لينتقل بعدها بالقارئ إلى مسألة جعل النّقد في الجزائر سجينا للقراءات النّظريّة”فهو من هذه الزّاوية يبدو احتفائيّا بالمنجز النّظري، فلا تخلو دراسة من هذه المداخيل النّظريّة، بل كثيرا ما تكتفي باستعراض النّظريّات و مفاهيمها في شكل عروض بيداغوجيّة.

أمّا النّقد التّطبيقي فهو في الغالب عمليّة إسقاط آلي لهذه النّظريّات على النّصوص الإبداعيّة، وكأنّ النّظريّة وحدها تقدّم المفتاح الذّهبيّ لفتح كل الأبواب الموصدة في النّصوص الأدبيّة. “ص32، ص33
الدّراسةالثّالثة، للدّكتور “الحبيب عمّي”، بعنوان: “إشكاليّة التّجنيس، وأفق القراءة في قصيدة الومضة”
وفي هذه الدّراسة يتحدّث الدّكتور “الحبيب عمّي” عن التحوّلات الشّكليّة الّتي مرّت بها القصيدة العربيّة في مسيرتها الطّويلة، و كذا تباين تجليّاتها في الهيمنة على الذّوق العربيّ و على الزّمن الشّعريّ العربيّ.
“ففي الوقت الّذي فرض فيه الشّعر العموديّ حضورا قويّا تمدّد عبر مساحة زمنيّة طويلة، فإنّ القصيدة الجديدة تركّزت خصوبتها، وثراء خصائصها الفنيّة على خمس عقود،أو ستة،ضخّت خلالها آلاف الشّعراء المحمّلين بعشرات القضايا و الأسئلة، ليبشّروا بدخول عهد جديد في تاريخ الشّعر العربيّ.”ص40

ينتقل بعدها القارئ، إلى الدّراسة الرّابعة، للدّكتور “عدنان فوضيل” والّتي جعلها بعنوان”قراءة في إبداع النّاقد الرّوائي”
و قد تحدّث فيها، عن مسألة إنتاج نص إبداعي من طرف ناقد، تحوّل بفعل تقديمه لنصّ إبداعيّ معيّن، من وظيفته كناقد، إلى مؤلّف روائيّ.
“تتكشّف لنا تساؤلات عديدة حول هذا التحوّل من النّقد إلى الكتابة الإبداعيّة وبالخصوص الكتابة الرّوائيّة، ولعلّ السّؤال المحوريّ من كلّ هذا لماذا هذا التحوّل؟”ص63

أشار الدّكتور “عدنان فوضيل” في بداية الدّراسة إلى ازدياد مهمّة النّاقد صعوبة حين يتعلّق الأمر بالكشف عن ملابسات العلاقة الموجودة بين النّصوص السّرديّة، والواقع الّذي له صلة بالذّات الجزائريّة.
“ذلك الواقع الّذي يؤسّس لوعي الكاتب،و هو نفسه _ الواقعو_ الّذي ينطلق منه التّحليل النّقدي، لأنّه هو الّذي يشكّل الذّات النّاقدة.”ص66
بعدها قام الدّكتور “عدنان فوضيل” بلفت انتباه القارئ إلى تفاعل الذّات النّاقدة بالنّصوص الإبداعيّة،الّتي تؤثّر فيها على حسب رأيه بشكل أو آخر،خاصّة بوجود إعجاب بين الذّات النّاقدة،و النّص.”ما يدفع ببعض النّقاد في آخر المطاف إلى الانتقال من التّفاعل كمتلقٍ،إلى الفاعليّة و التحوّل إلى ذات مبدعة.”ص66
لينتقل إلى الحديث عن استثمار التّجربة النّقديّة من طرف عدد من النّقاد الجزائريين،و إنتاجهم فعليّا لنصوص إبداعيّة،مشيرا إلى اسمين نقديين جزائريين،عرفا هذا التحوّل نحو الكتابة الرّوائيّة الّتي استحوذت برأيه على النّصيب الأكبر من عمليّة التّحوّل بين العالمين النّقدي و الرّوائيّ،و هما:لونيس بن علي،و اليامين بن تومي.

الدّراسة الخامسة و الأخيرة في الكتاب،للدّكتور “حسين خالفي”،بعنوان”تلقّي الخطاب المسرحيّ الجزائريّ..من التّأسيس إلى التّجريب”
الدّراسة كما أشار الدّكتور حسين خالفي،تسلّط الضّوء على موضوع انتقال المسرح كنوع أدبيّ عريق و متجذّر في التّراث الأدبيّ العالميّ،من المركز باعتباره كان يشكّل أدبا نخبويّا في موضوعاته و توجّهاته،و كذا أهدافه،للاستقرار في الهامش من خلال اختياره الواعي للغته الّتي اصطلح على تسميتها اللّغة الثّالثة،أي الاقتراب أكثر من لغة الشّعب،الّتي تحمل فلسفته و ثقافته الخاصّة.
“و هذا بهدف تأسيس مسرح شعبيّ أو مسرح للشّعب لا للنّخبة فقط،فلا طائل من نخبة لا تندمج مع الشّعب،و تعبّر عن وجدانه،عبر استحضار نصوص يحسّ معها بشعور مزدوج بالألفة و التّغريب،و قد سعت مختلف التّجارب المسرحيّة الجزائريّة نحو تأسيس احتفاليّة واقعيّة في المسرح،تجعله أقرب إلى روح الجمهور ووعيه و ثقافته،و هي روح و ثقافة الهامش.”ص83،84
و للإشارة فقط،الدّراسة الّتي قدّمها الدّكتور “حسين خالفي” مطوّلة و ثريّة و مهمّة،و لمن يرغب أكثر بالاطّلاع على ما جاء فيها،يعود إلى بطبيعة الحال إلى الكتاب.
“يبقى أن نشير في الأخير إلى أنّ أغلب التّجارب المسرحيّة الجزائريّة تعكس نوعا من الهجنة الثّقافيّة،الّتي تميّزها بحيث قد نجد أنّها تستحضر إلى جانب المؤثّرات الذّاتيّة الأصيلة كاللّغة و التّراث الشّعبيّ،يمكنها أيضا أن تستحضر مؤثّرات عربيّة و أخرى أجنبيّة،خاصّة فيما يتعلّق بالشّكل المسرحيّ،الّذي يستدعي بالضّرورة التّعرّف على الأشكال القديمة و المستجدّة،لاستعادتها و بناء المسرح المغاربيّ انطلاقا منها،بالتّركيز على نماذج خاصّة تعنى هي الأخرى بالهامش،مثل تجربة المسرح الملحميّ لبريخت أو تجربة المسرح الجديد..مع التّركيز أيضا على عنصر اللّغة الثّالثة و على مسرحة التّراث الشّعبيّ الخاص بالمنطقة المغاربيّة،و هذا ما لاحظناه من خلال مسرحيّة ولد عبد الرّحمن كاكي و يمكن ملاحظته في أغلب التّجارب المسرحيّة الأخرى.”ص123

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى