الصحافة الغربية: دَاءُ الطَّبْعِ العنصريِّ وأدَاءُ التَّطَبُّعِ اللاعنصريِّ!

د. آصال أبسال | أكاديمية وإعلامية تونسية – كوبنهاغن (الدانمارك)

مرة أخرى، ومن منظورٍ آخرَ كذلك، وكما نشرتْ بحَمِيَّةٍ صفحاتُ المتتالياتِ من جرائدِ الصحافةِ ووسائل الإعلام الأخرى في إنكلترا تحديدا، منذ فترةٍ من الزمانِ ليست بالبعيدة.. وكما سارعتْ بحَمِيَّةٍ أشدَّ إلى النشرِ المُتْبَعِ إتباعا صفحاتُ العديدِ من نظيراتها من جرائدِ الصحافةِ العربية تعيينا (وفي مقدمتها كذاك تلك الصحيفة العربية المشهورة بالاسم، صحيفة «القدس العربي»، كعادتها في الانتهاز والنفاق والازدواج والتناقض وحتى العبث الشائن بتعليقاتِ القُرَّاءِ والقارئات).. فقد عثرَ بضعةٌ من رجالِ الشرطة البريطانية «الحَضَاريِّين المُحْتَرَمِين»، في الأخير، قد عثروا بعدَ «جهدٍ جهيد» على ذلك المواطن الإنكليزي الذي كان يُشتبه بشخصِهِ في «تغريده» العنصري المُتَعَمَّد ضدَّ لاعب كرة القدم المصري، محمد صلاح (أو كما هو معروفٌ باللغة الإنكليزية الشعبية الرياضية، LFC’s Mo Salah)، هذا اللاعبِ «العربيِّ» الذي كان، وما زال، يستأجرُه فريقُ ليفربول الإنكليزيُّ المشهورُ كلاعبٍ مرتزقٍ وضيعٍ مأجورٍ ليس غير، والذي كان، وما زال، يدرُّ من ورائه من ثمَّ أرباحًا طائلةً هائلةً بالجنيهات البريطانية قبل الجنيهات المصرية (هذا إن كانت لهذه الجنيهاتِ الأخيرة أيةُ قيمةٍ فعليةٍ تُذكر فيما قبل الزمان «الكوروني» وفيما بعده حتى).. أقولُ فقد عثروا، أخيرا وقتَها، على ذلك المواطن الإنكليزي المشتبه بشخصِهِ في مقاطعة ميرسيسايد وقاموا بإلقاء القبض عليه بعد القيام «المُحِقِّ» باستجوابه في قضية «تغريده» العنصري المعني، والتبيُّن بالتالي من أنه مشجِّعٌ «جِدُّ حماسيٍّ» من مشجِّعي فريق إيفرتون الإنكليزي الشهيرِ، بدوره هو الآخر، وهو الفريق الشهيرُ أيضا بصفته الخصمَ اللدودَ في منطقة الجوار من وجودِ فريق ليفربول في المقاطعة نفسها..

ومن الكثير من تداعياتِ هذه الواقعةِ العنصريةِ، أو اللاأخلاقيةِ، التي أحدثتْ «صدمةً ضميريةً وجدانيةً» كبيرةً في الرأي العام في بلاد الإنكليز «ذوي النزاهةِ» عن أيِّ موقف عنصري، أو لاأخلاقي، ضدَّ العرب وضدَّ غير العرب، على حدٍّ سواء.. من تداعياتها أن جُلَّ أعضاءِ الهيئة الإدارية لفريق إيفرتون (وهو الخصمُ اللدودُ لفريق ليفربول نفسِهِ) كانوا قد انتقدوا بشدَّةٍ هذا «التغريدَ» العنصريَّ، أو اللاأخلاقيَّ، المعنيَّ، وكانوا قد أعلنوا إدانتَهم بأشدِّ العباراتِ حدَّةً لهذا النوع من العنصرية، أو اللاأخلاقية، أو أيِّ نوعٍ آخرَ من أيٍّ منها.. وفي نهايةِ المطافِ، كردِّ فعلٍ «ضميري وجداني» متَّصفٍ أيما اتِّصَافٍ بـ«النزاهةِ» من بلاد الإنكليز ذواتهم، أو هكذا يتبدَّى، لم يكنْ على أعضاءِ الإدارةِ العامة للشرطة البريطانية في مقاطعة ميرسيسايد إلا القيامُ بإصدار بيانٍ تنديديٍّ تذكيريٍّ كان قد وردَ فيه ما يلي وُرُودًا، بما معناه:

/نحن، أعضاءَ إدارةِ الشرطةِ البريطانيةِ المعنيةِ قادةً ومَقُودين، نُقِرُّ بأننا على درايةٍ تامَّةٍ بتلك «التغريدةِ» العنصريةِ (اللاأخلاقيةِ) التي نُشرت، هنا وهناك، بحقِّ لاعبِ كرةِ القدم المصري في فريق ليفربول، المدعوِّ محمد صلاح، تلك «التغريدةِ» التي تضمَّنتْ، من بين ما تضمَّتْ، عددا لا بأسَ بهِ من الصُّوَرِ التي تسخرُ سخريةً وتستهزئُ استهزاءً بهذا اللاعب بالذات، والتي كان قد شاركها الكثيرُ من المتابعين وغير المتابعين الآخرين، إضافة إلى ذلك.. وليس علينا الآن، كجهةٍ رسميةٍ مسؤولةٍ، إلاَّ أن نحقِّقَ في الأمرِ التحقيقَ اللازمَ (بالعدلِ والإنصافِ اللازمين)، ولن يتمَّ التسامحُ بالمطلقِ، ها هنا، مع أيٍّ ممَّن يرتكبون جريمةَ «العنصرية»، أو جريمةَ «اللاأخلاقية»، أو حتى جريمةَ ما يُسَمَّى بـ«رُهاب الأجانب» Xenophobia، بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ولن يتمَّ التسامحُ بالمطلقِ كذاك مع أيٍّ ممَّن يستخدمون الشبكة الدولية (الإنترنت) استخداما اعتياديًّا متعمَّدا من أجل استهدافِ الآخرين بنفس الطرائق الذميمةِ، كذلك.. ومَنْ يرتكبْ بالعَمْدِ أيَّةَ جريمةٍ جنائيةٍ من هذا النوع الذميم حقًّا يَحْتَجْ أمسَّ الاحتياج إلى إدراكِ واستيعابِ حقيقةِ أنهُ ليس خارجَ نطاقِ القانون الذي يعاقبُ عليها/..

ما علينا من كلِّ هذه الإجراءاتِ الرسميةِ والقانونيةِ فيما تظهر، ها هنا، كذاك على السطح بصفتها «الضميرية والوجدانية» التشديدية التي تمَّ بثُّها بثًّا في طول البلاد وعرضها، والتي تمَّ بثُّها من ثمَّ حتى في بلدان أخرى تمتدُّ إلى ما وراء البحار، بغية الترويج «الضميري والوجداني» التشديدي المصطنَع.. فإن كلَّ هذا التركيزِ الصحافي و/أو الإعلامي الغربي (الإنكليزي، تحديدا) على هكذا خبر عنصري (لاأخلاقي) جدِّ طارئٍ، وخاصَّةً عندما يتعلق الأمرُ بعنصرٍ عربي «متفوِّق» على العديدِ من غيره من العناصر «غير العربية» بالتعيين، فيما يتبدَّى، عنصرٍ عربي إن هو بالنفسِ بهذا التعيين، في أحسن الأحوال، إلا «خادمٌ للقوَّةِ» Servant to Power في الغرب تعيينا (ومحمد صلاح هذا بنجوميَّته الرياضية بالذات على تفرُّدِها بـ«التألُّقِ» كلِّه ليس، في حقيقة الأمر، أكثرَ من «خادمٍ للقوَّةِ» في إنكلترا، هذه الدولةِ الغربيةِ الاستعماريةِ الإمبرياليةِ، ليس أكثرَ من «خادمٍ» عربيٍّ «مسلم» لا يني يقرأُ سورةَ «الفاتحة» في البدءِ من كلِّ مباراةٍ، يقرأُها داعيا اللهَ بكلِّ «خشوعٍ» و«ابتهالٍ» من أجلِ نصرةِ فريقهِ الإنكليزي) – فإن كلَّ هذا التركيزِ الصحافي و/أو الإعلامي الغربي المفتعَلِ إنما هو مجرَّدُ ترويجٍ دعائيٍّ غوغائيٍّ طنَّانٍ وأجوفَ غايتُهُ الأولى والأخيرةُ هي إظهارُ الحكومةِ الإنكليزيةِ ذاتِها أمامَ العالم بأسرهِ بصورةٍ «إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ» تقتضي، في جملةِ ما تقتضيه على الصعيدِ «الضميريِّ الوجدانيِّ»، بأن هذه الحكومة لا تتهاونُ بتًّا بأية صورةٍ كانتْ في معاقبة العنصريين واللاأخلاقيين من مواطنيها ضدَّ العرب، أو حتى ضدَّ غير العرب، المقيمين في هذه الـ«بريطانيا العظمى»!!..

ولكن، في الطرفِ النقيضِ المقابلِ من كلِّ ما نراهُ من مشهدٍ «إنسانيٍّ وأخلاقيٍّ» مسرحيٍّ مُفَبْرَكٍ عن أدَاءِ هذا «التَّطَبُّعِ اللاعنصريِّ» بالعَيْنِ، ماذا، إذا لم يقتصرِ الأمرُ على هكذا واقعةٍ عنصريةٍ (لاأخلاقيةٍ) دونَ غيرِها حَسْمًا، ماذا عن دَاءِ ذلك «الطَّبْع العنصريِّ» بعَيْنِ العَيْنِ الذي تُشْتَفُّ أعراضُهُ اشتفافا جليًّا من خلالِ تلك الممارساتِ العنصرية (اللاأخلاقية) اليومية التي تحصلُ فعليًّا وعلى الملأيْنِ الأدنى والأعلى في المجتمع الإنكليزي ضدَّ العرب وضدَّ غير العرب (وبالأخصِّ ضدَّ أولئك الأناسِ المتحدِّرين من قارَّتي آسيا وأفريقيا)، ماذا عن كلِّ تلك الممارسات العنصرية (اللاأخلاقية) اليومية التي تحصلُ فعليًّا بالفعلِ دونَ تحريكِ أيِّ ساكنٍ إعلامي غربي تأنيبي، أو أيِّ صامتٍ حكومي إنكليزي تنديدي، سواءً كانت هذه الممارساتُ العنصرية (اللاأخلاقية) تحصلُ فعليًّا بهذا الفعلِ على مستوى المواطنين الإنكليز أو على مستوى رجالِ الشرطة الإنكليزية أنفسهم أو حتى على مستوى أعضاءِ الحكومة الإنكليزية أعينهم: وأوَّلهم، ولا شكَّ، ذلك المعتوهُ المهرِّجُ المزهوُّ بنفسِهِ، بوريس جونسون، قبلَ وبعدَ مَسَاخِرِ ذلك «الانتصار التاريخي» المشكوك في أمره أساسًا، وذلك في أثناءِ عمليةِ انتخابهِ «التشريعي»، لا بلِ «التشنيعي»، الأخيرِ الذي تتوَّج مَدًّا من الزمان في عزلهِ الذاتِيِّ بمكتب سرِّيٍّ بسببٍ من إصابته «الكورونية»، وهو يديرُ شؤونَ الحُكْمِ عن طريق «التحكُّم عن بعدٍ» Remote Control، والذي تتوَّج أيضا مَدًّا من الزمان آخرَ في عزلهِ الآخَرِيِّ في حجرةٍ من حجراتِ المستشفى حينذاك بسببٍ من إصابته «الكورونية» تلك التي لم يزلْ يُعاني من أعراضِها الجانبيةِ حتى هذا اليوم بالذات؟؟..

حتى الصحافة العربية ذاتُها (أو، بالأحرى، تلك الصحافة التي تدَّعي بأنها «صحافة عربية» في الغرب)، حتى هذه الصحافة لا تخلو من هكذا ترويج دعائيٍّ غوغائيٍّ طنَّانٍ وأجوفَ، حين يتمُّ النظرُ، مثلاً لا حصرًا، إلى محرِّر صحيفةٍ جاهلٍ فِسْلٍ، كمثلِ محرِّر صحيفة «المثقف»، ماجد الغرباوي، ذلك المحرِّر الدعيِّ المائن الذي لا يفتأ يطبِّل ويزمِّر عن نفسه، في كلِّ مكانٍ مُتَاحٍ مُبَانٍ، بأنه (باحثٌ أسترالي «رهيبٌ» من أصلٍ عراقي «أرهبَ» يبحث في الفكر الديني ليلَ نهارٍ، ويدعو إلى موضوعاتٍ شتَّى، من مثل: التسامح واللاعنف والإصلاح والتجديد والتنوير الثقافي والوعي الحضاري، وغير ذلك كثيرٌ وكثير).. في حين أنه أثبتَ بالدليل القاطع والساطع، على النقيض من كلِّ ذلك وعلى أكثرَ من صعيدٍ، بأنه لا يفقه معنى التعامل الإنساني ولا الحضاري ولا الأخلاقي مع الكاتب، أو الكاتبة، بأيةِ صفةٍ كانتْ.. إذ أنه من آداب التعامل مع الكاتب المساهِم، أو الكاتبة المساهِمة، في هكذا «صحيفةٍ» دعيَّةٍ أن يقوم المحرِّرُ بإعلامه، أو بإعلامها، قبل أن (يقرِّرَ قرارًا أوتوقراطيًّا نهائيًّا) حذفَ المساهَمة المعنية المنشورة قبلا، حتى لو استقبلتها قبلئذٍ الكثيراتُ من الصَّحَائِفِ والمواقع الإعلامية العربية التي تحترمُ نفسَها، بكلِّ رحابةِ صدرٍ: فقط المحررون الجهلاءُ الفسلاءُ المتخلفون واللاإنسانيون واللاحضاريون واللاأخلاقيون هم الذين يتصرَّفون بغير احترامٍ للذاتِ على أهوائهم، تماما كما يتصرَّف أنجاسُ الدرافيلِ وأرجاسُ الدباكيلِ ويحذفون هذه المساهَماتِ حذفًا «أوتوقراطيًّا قطعيًّا»، وخاصَّةً تلك المساهَمات الجادَّة كلَّ الجدِّ منها، دون أيِّ سابقِ إعلامٍ للكاتب، أو للكاتبة، ولا حتى أيِّ آنِفِ احترامٍ للجهد الملحوظ الذي بذلَهُ الكاتبُ المعنيُّ، أو بذلَتْهُ الكاتبةُ المعنيَّةُ، في هذه المساهَمات..

والأسوأ من ذلك كلِّهِ هو أن الكاتبة المساهِمة المعنيَّةَ بالأمرِ، حينما تدافع عن حقِّها (وهي صاحبةُ الحقِّ بامتيازٍ، رغمًا عن أنفِ المحرِّر الجاهلِ الغرباوي، في كلِّ هذا) تصبحُ فجأة هي «صاحبة الباطل» بامتيازٍ، على النقيض، وتصيرُ من ثمَّ تُهدَّدُ من طرفِ هذا المحرِّر الجاهلِ الفِسْلِ الغرباوي نفسِهِ وتُخاطَبُ باللسانِ الأصليِّ واللسانِ الفرعيِّ بلغة إغلاق الأرشيفِ وقطع الرؤوس على الطريقة التكفيرية «الداعشية»، في الأدنى منها (من الكاتبة المساهِمة المعنيَّةَ بالأمرِ) ومِنْ كلِّ مَنْ يمتُّ لها من الكُتَّابِ المساهِمينَ، من قريبٍ أو من بعيدٍ، بأيَّةِ صِلَةٍ كانتْ.. وفي ذاتِ الآنِ، نرى هذا المحرِّرَ الجاهلَ الفِسْلَ الزَّرِيَّ الغرباويَّ يروِّجُ عن نفسِهِ بكلِّ حميَّةٍ بأنه (يدعو إلى التسامح واللاعنف) وما إلى ذلك من الترويج الدعائيِّ الغوغائيِّ الطنَّانِ والأجوفِ والكاذبِ في كلِّ ما يدعو إليه، بأيَّةِ هيئةٍ دَعَوِيَّةٍ كانتْ، كذلك!!..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى