د. يوسف زيدان: قمة المعايب والمحاسن الأخلاقية

من المعايب الأخلاقية (الرذائل) الغل والحسد وتمنى زوال الخير من يد الآخرين، وهو ما يقود بدوره إلى سلوكيات مذمومة كالتآمر، والنميمة، والتلفيق، والتخريب، وما يسميه عوام الناس في بلادنا: الخبص .

 فهل يتدهور سلوك الإنسان في هذه الهاوية من الرذائل، لو كان الخير المغلول بسببه والمحسود به، بيد مرتكب تلك الرذائل؟ بالطبع لا، وبالتالي، فإن الطمع هو الدافع المحرك لسلسلة الرذائل المتوالية، التي من شأنها أن تهبط بالسلوك إلى أحط المستويات.

كما ترتبط الرذائل كلها بالطمع، ولكن بدرجات متفاوتة منها ما يغيب عن الأنظار لدقته .

فالكذب مثلاً لا يكون إلا للطمع فيما لا يستحقه الكاذب، ولولا ذلك ما كذب أو أظهر الرياء أو أخفى الحقائق، وسواءً كان الكذب لاستجلاب منفعة أو لتلافى عقاب واستهجان، فهو فى الحالتين طمع فى غير المستحق للكاذب.

وقس على ذلك المخادعة والرياء، وما يسميه العامة مجازاً «مسح الجوخ»، فلا أحد يهوى مسح الجوخ أو مجاملة ذوى السلطة، ولولا طمعه فيما يمكن أن يحصل عليه منهم، ما كان ليكلف نفسه مشقة المداهنة و إذلال الذات .

 لكن طمعه يحركه ويدفعه لبذل ماء وجهه، سعياً لاسترضائهم وطمعاً فيما يمكن أن يلقوه إليه من المنافع والمناصب وحطام الدنيا، ومن هذه الزاوية، يكون الفساد السياسي والظلم الاجتماعي وانعدام العدالة، ويكون الانهيار فى جوهر الحياة بالنسبة للفرد والمجتمع.

والطمع، كما أشار الإمام الجيلاني في بعض كتبه «تحديداً، مجموعة مواعظه: جلاء الخاطر في الظاهر والباطن» كله فارغ كحروفه الثلاثة: الطاء والميم والعين .

بمعنى أن الطامع يكون دوماً في فراغ، لا يشعر معه بامتلاء أو رضا أو قناعة، فهو أبداً يريد المزيد، عساه يتوقف عند حد، غير أن الفراغ الوجداني وافتقاد الرضا وطلب الأكثر، تحدو به إلى الدرك الأسفل من الفعل الإنساني، سواء الفردي أو الجماعي.

وحتى في شأن الدول والسياسات العامة في العالم، نرى الطمع في نفط الخليج وثروات الأمم قبل ظهور النفط، هو المحرك للفترة الاستعمارية وللممارسات الأمريكية القبيحة والحروب الرخيصة خارج الحدود، ومادام الطمع قد ملك نفوس هؤلاء الذين يرسمون تلك السياسات، فلن يعرف العالم السلام أبداً.. وسوف تظل الساحة الدولية مليئة بالرذائل والبلايا الناتجة عنها.

وقمة هرم الفضائل وتاج منظومة القيم، هو: الصد، ويمثل الصدق قيمة مختارة ومدعومة بالموروث الإنساني الطويل، العقلاني والديني، باعتباره القيمة المؤكدة لبقية القيم، فابتداءً من القيم الثلاث الكبرى (العليا) ونزولاً إلى القيم الفرعية المشتقة من القيم الكبرى، والمتداخلة معها، لا يمكن أن تقوم أي قيمة وتصح، إلا بالصدق..

وإلا، فكيف يكون «الحق» حقاً، لو كان مشوباً بالكذب!، فالحق هو نقيض الكذب، الذي هو بدوره نقيض الصدق. فكأن الحق والصدق هما مسميان لقيمة واحدة، أو هما وجهان لعملة واحدة.

وكذلك الحال في القيمة العليا الثانية «الخير»، فهي الأخرى لن تقوم ولن تصح، إلا إذا زينها الصدق، فالذي يفعل أفعال الخير رياءً أو بحثاً عن مديح، أو ذراً للرماد في العيون كيلا ترى الناس معايبه، لا يمكن أن يكون خيراً..

وكذلك الجميل لا يكون جميلاً وهو كاذب، فالجمال يلزمه الصدق و إلا صار الجميل خادعا و مزيفا، و من ثم: قبيحا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى