نص وتعليق.. رسالة أدبية

جمانة طه – محمد كمال | سوريا
أيتها الأحب
عذرًا ومن غيرك يعذر
عجيب أمرنا نحن عشاق السياسة لا ندري ماذا نفعل غدًا، إذ كان القرار أن أتفيأ ظلالك في اليوم المتفق عليه.

ظروف اضطرتني إلى تمديد فترة غيابي، وأنا العاشق الذي لا يحفظ مواعيده اطمئنانًا منه بوفاء الحبيبة. مشتاق جدًا. الأيام الخاطفة وابتساماتك الحيية لم ترو الظمأ الساكن في عروقي، ولم تعد الهواء إلى أطيان قلبي المتيبسة.

محاولاتي للاتصال بك من بروكسل وقبرص ضاعت عبثًا، فكم من عمرنا لفّه العبث. أحس بالإحباط وباليأس، وبالحاجة إليكِ. لقد أورث جلجامش قلقه وعناده إلى سندباد، ترى لمن أورثت عشتار حنوّها وحبها وصبرها؟

عدت اليوم من بابل.. ليس غريبًا أن يكتشف سندباد وهو يبحث عن مدينته المقهورة، أن شجرة نسبه تمتد إلى أنكيدو وحافظ الشيرازي وعمر الخيام. وليس غريبًا أن يتذكر حبيبته حينما يلفّه التيه وتذوي الحدود فيما بين مسلماته. ولكن أليس غريبًا ومدهشًا أن يهرم السندباد وتبقى عشتاره في أعماق وعيه نضرة فتية، تغسل شعرها كل صباح في ندى عواطفه؟! مشتاق إلى أمسية أموية.

تعليق/ الشاعر الناقد محمد كمال

النص هو الكاتب والكاتب هو النص، وأي فصل بينهما أو إقصاء للمؤلف، كما يزعم بعض النقاد، هو لون من العبث.

خبرة الكاتبة السيدة جمانة في البعد المكاني من خلال زياراتها الواسعة اختصرتها بتلميح عابر تجلّى في ذكرها لبروكسل وقبرص، وفي الفن تكفي الإشارة.

وخبرتها في البعد الزماني التاريخي تجلّى في ثقافتها الممتدة من حصون الأسطورة إلى الأدب الشعبي المدهش، فإذا بنا أمام أطياف جلجامش والسندباد.

بعد أن يتقاطعا في هذا النص ويشكلان معًا هياكل ملونة متماوجة لعشتار الفتية.. تلك التي تغسل شعرها كل صباح في ندى عواطف السندباد. والسندباد في وعينا الأدبي رمز للترحل والانتقال من صقع إلى صقع، ولكنه هنا يحاول، وراء حدود مدينته المقهورة، أن يتماهى في تربة روحية متخيلة وطئتها أقدام أنكيدو وحافظ والخيام. رسالة ما قرأت أشف من حرير كلماتها عن عاشق لا يحفظ مواعيده اطمئنانًا منه بوفاء الحبيبة. لغة الموسيقا لا تسجلها المعاجم، لأنها لا تُفسر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى