الوصول إلى السُّلطةِ وصراع البقاء

د. موج يوسف | العراق

عُرفتْ الشيعة بإنَّها أقليّة في الإسلام وهذه الرؤية جعلتْ من السُّلطات والمجتمع تُعامل الفرد منهم على أنَّه مواطنٌ من الدرجةِ الثانية على مدى العقود الماضية وبعد احتجاجات استطاعتْ أن تصبحَ محوراً سياسياً في الشرق الأوسط.

إسحاق النقاش في دراسته الأخيرة الصادرة عن دار المدى عام 2020 بعنوان (الوصول إلى السلطة دور الشيعة في العالم العربي المعاصر) ترجمة أحمد الزبيدي.

رَصدَ التحولات السياسية عبّر التاريخ عند الشيعة مستعيناً بالجغرافية المكانية التي تمركزت في البحرين والسعودية والعراق ولبنان وبذلك يرى الباحث أن (صعود آل خليفة وآل سعود إلى السلطة بمثابة ضربة للشيعة في البحرين والسعودية،في حين أصبحت أقليّة سُنيّة تسيطر على الأغلبية الشيعية في البحرين، فإن الأقليّة الشيعية في المملكة خضعتٌ لسلطة الوهابين الذين يعتبرون الشيعة خارجين عن الملّة ويجب إجبارهم على الامتثال لتعليم الوهابية عن الإسلام) ص34.
استمرت هذه النظرة كصفة لصيقة بالشيعة لكنّ الذي يبدو لنا من خلال التاريخ إن الصراع ليس إسلامي بقدر ما هو صراع سياسي سلطوي في تلك المناطق التي تحكم بقانون القبيلة وليس الدين . وسلطان القبيلة بعد الإسلام يرى أن السنّة هم العرب الأصليون والذين يمثلون الدين فأعطاهم حقَّ الهيمنة والقيادة وهذا نزاع هويات ؛ لذلك اندلعت احتجاجات وثورات في السعودية والبحرين من أجل التخلص من هذا التميّز والإقصاء وهذه الثورات يذكرها الباحث في دراسته أنها حدثت في السعودية والبحرين لكنّ بعد التتبع لمسيرتها التاريخية نرى أنها بعيدة عن الثورة بقدر ما هي احتجاج لأنّها لم تُحدث تغيراً في البنية السياسية والاجتماعية كما في ثورة العشرين في العراق وباقي الثورات العالمية . ويرى الباحث أن وضع الشيعة في العراق يختلف في ظّل الإحتلال البريطاني فقد كانت معركة (معجزة الشعبية) رمزاً لوحدة المسلمين حين أصدر الزعماء الدينيون الشيعة بياناً يستوجب الدفاع عن الإسلام وكان قائدها الشاعر (محمد سعيد الحبوبي) رافقه الشاعرين محمد باقر الشيبي وعلي الشرقي وبقي الحبوبي آخر المحاربين الذين انسحبوا من الناصرية ومات بسبب الحزن الذي أصابه من الهزيمة، فيرى الباحث أن كتب التاريخ التي أصدرت في ظل الحكم الملكي لم تعترف بموقفهم ضد الاحتلال فظل الشيعة في العراق يثبتون ولائهم الوطني . والذي نلحظه من رؤية الباحث التي تتطلب دقة اكثر إن التاريخ يُكتب وفق أيديولوجية السلطة الحاكمة فنجده فيه ما يمجد مآثر السلطة ، لكنّ الذي يصل إلينا ويعدّ وثيقة أدبية أكثر صدقاً هو الأدب . فالشعر في تلك المرحلة قد رصدّ دور الشيعة في ثورة العشرين وغيرها لكن الشاعر لم يحدد هوية انتماء معينة بقدر ما ركز على الهويَّة الوطنية.وفي لبنان يذكر الباحث أن الصراع أشد لأنَّه بين مسلم ومسيحي وبين سني وشعي وكانت الأقلية هم الشيعة وبعد إعلان إبراهيم اليازجي للدعوة إلى القومية صار الكلّ يحاول إثبات ولائه لها . ويبقى التساؤل كيف صعدت الشيعة إلى السلطة ؟ يذكر الباحث إن دول الخليج العربي عملت بسياسية الاحتواء وهذا الأخير ـــــ عنوان الفصل الثاني ــــ فيذكر بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1978 و1979 قد لاح تأثريها عند الأقلية الشيعية في السعودية ممّا جعلهم يحتجون ويطالبون بحق الامتياز والمعاملة على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى ، وبالرغم من بطء الاستجابة لكنّهم حصلوا على حقوقهم في الهوية والامتيازات.

أما في البحرين كانت الثورة تعلو صرخاتها بعد ما تمّ اسِتعْباد الشيعة بحسب رأي الباحث إن آل خليفة قد استعبدتْ العاملين الشيعة في تجارة اللؤلؤ لأن القبطان يدفع لهم الأجور مقدماً ببداية الموسم (أصبح العديد من الغواصين عبيداً للقباطنة بشكل فعلي) ص 99 .ومثل هكذا رؤية تخلو من الدقة وإطلاقها بهذه العمومية يأتي من قبيل أيديولوجية الباحث، ونظرة عاطفية . إذا عدنا بنظرة أدق نرى أن الشيعة كانوا هم أهل تجارة اللؤلؤ وهم أهل البلاد الأصلين والزعم بأنهم عبيد غير دقيق في حين أنهم استطاعوا الوصول إلى السلطة والمشاركة في السياسية.

أمّا على مستوى الشيعة في لبنان وصعودهم سلم الحكم فيذكر النقاش أن أوّل خطوة هي إثبات المذهب الشيعي وترسخيه وتمّ هذا على يد عدة علماء وأهمهم موسى الصدر الذي أعاد التعريف بين الطائفة والدولة وبعد اختفائه في ليبيا جاءت منظمة أمل لتسد الفراغ لذي تركه لكنّ سرعان ما جُبهت من حزب الله ليأتي حسن نصرالله ويصبح الأمين العام للحزب والذي حصد على جماهرية كبيرة أهلته للدخول في الانتخابات والحصول نصف المقاعد في البرلمان.

وتكمن شعبيته حين استغل فكرة المقاومة ضد ما يسمى بدولة إسرائيل وهذه الفكرة قد حصدت على جماهير كبيرة، ليتربع على عرش السيادة الحكومية. وفي العراق يرى الباحث تجربته مشابهة لأختها لبنان بعد سقوط البعث 2003 فيذكر النقاش: إن (الغزو الأميركي وضع الشيعة في موقف حرج اضطرهم للاختيار بين الظالم السُّني والغازي الأجنبي المسيحي) ص255 وانهيار البعث أعاد الحيوية والنشاط إلى الشيعة ممّا جعل أغلبهم يتحولون إلى قوة سياسية تدعمها المرجعيات الدينية فيذكر المؤلف أن (رجال الدين السنّة يدعون للتمرد بينما لم يعلن كبار العلماء المجتهدين الشيعة الجهاد ضد المحتلين) ص266 .ونرى في ذلك إن الشيعة لم ترد أن تكرر تجربة خطأ ثورة العشرين وهذا ما جعلهم على استعداد للمشاركة في الانتخابات، ومع ذلك فقد حصلت فجوة كبيرة إذ كانوا يتوقعون أن الأميركيين سيجلبون لهم الأمان وكل متطلبات الحياة الكريمة لكنّ إدارة بوش لم تخصص شيئاً للموارد الضرورية وعلاوة على ذلك فإنهم شعروا بالغضب من قانون الدستور المؤقت الذي وضعه بول برايمير ووصفه رجل الدين مقتدى الصدر إن هذا القانون خيانة للعراق والدستور الذي حمل بصمات برايمير بالكاد يسمح لأي مساهمة من العراقيين في شؤون البلاد وهمش العديد من الشيعة.

وهذا ما دعا إلى تمرد قاده مقتدى الصدر تحت مسمّى المقاومة فتزايدت شعبيته وانشأ فصيل مسلح يدعى (جيش المهدي) وبحسب الدراسة أن هذا الفصيل حُظي بدعم من المرجع الديني علي السيستاني لذلك ( لم يوافق على نزع السلاح من جيش المهدي)234.

وهذه الأحداث وغيرها بالرغم من فوضيتها ودمويتها لكنها أدخلت الشيعة في العملية السياسية. ويذكر النقاش أن المرجع السيستاني كان له الدور الأكبر في هذه العملية السياسية. التجربة العراقية لها تشابه كبير مع تجربة لبنان وبهذا صارت الشيعة محور أساسي في العملية السياسية . ويبقى التساؤل ما الفرق بين حكومة بعد 2003 عن نظام البعث؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى