حوار عالم الثقافة:التونسية فاطمة سعد الله والإعلامي عزيز البزوني (وجها لوجه)

س: بقناعتكِ كشاعرة سيدة فاطمة سعدالله ،ماالذي يُلْغِي الشّعْرَ؟

ج: بالوقوف قليلا عند مفهوم الشعر عامةَ ومفهومي له خاصةً. منذ  “قُدامة بن جعفر ” اتفق النقاد والأدباء على أن الشعر “كلامٌ موزونٌ مُقفّى”  من حيْثُ الشّكلُ ورأوْه أيْضًا ” ديوان العرب” وسجلّ مآثرهم وأحوالهم وموثّقَ انتصاراتهم وهزائمهم وأفراحهم على مستوى المضمون  لذلك تعددت أغراضه فبوّبوها حسب ما يجري في أيامهم من أحداث فإن تعلق الأمر بالذاتِ كان الشعرُ فخراً وكانت الأنا /المتكلم سائدة وإن كان الأمرُ خطابا موجّها الى الآخر سواءأكان شيخ قبيلة أو وليّ نعمة فيصبحُ القوْلُ مدحاَ وهكذا تنقل العرب بين الأغراض حسب الأشخاص والمناسبات والعلاقات فكان الهجاء وكان الرثاء…والأغراض الأخرى .ولا يكون الشعر شعرا الا اذا ارتكز على أربعة ركائز وهي:  العاطفة والفكرة والخيال ثم الانتظام والتناسق أو الترصيف الجيّد للكلم.

ثم تتالت التحولات الاجتماعية والتطور في كل مستويات حياة الانسان فكريا ووجدانيا  واقتصاديا فتطوّر الشعر شكلا ونحا صوب التحرر من الوزن والقافية والتجديد في المضامين فأصبحت قيم الحرية والعدالة والمساواة والطبيعة وغيرها هي من المحاور الأساسية في الشعر.

أما الشعر بالنسبة إليّ فهو قبل كل شيء أحد الفنون الجميلة التي تضطلع برسالة راقية وهي إيصال خطابٍ جميل من الباثِّ / الشاعر بأسلوب جميل/ اللغة  والبلاغة والصور الشعرية  والخيال.

وتبليغها بأمانة إلي المتلقّي / القارئ لتثير لديه حالة الدهشة والتفاعل  وبالتالي فإن الشعر رسالة الهدف منها ربط الصلة بين الشاعر والمتلقّي قارئا  عاديّا  كان أو متذوّقا أو ناقداً وذلك لإعلامه بما يحدث أو توجيه انتباهه إلى أمر ذي أهمية أو توعيته  وتبصيره بما لم يكن  يعلم  وقد تتسع رسالة الشاعر لتصل الى تحقيق التقارب والتفاعل والتواصل لا بين الأفراد فحسب بل بين الشعوب أيضا.

هذا فضلا عما تتميز به الكتابة الشعرية من لغة مُموْسقةٍ مُوَقّعة وصور شعرية جميلة وتشابيه واستعارات بليغة من شأنها أن تيسّر عملية التأثير والتأثّر… فإذا كان هذا هو  الشعر فلا يمكن أنْ يُلْغى أبدًا ولنا في شعر المعري والمتنبي وهوميروس ولامارتين وهيوجو وغيرهم أصدق أمثلة.

 

***

ماهي طقوسك في كتابة الشعر؟

ج: ليس لديّ وقت محدّد للكتابة ولا طقوس خاصّة أستعين بها على  الكتابة عموما /الشعر أو القصة.

أنا أكتب في أيِّ وقت وفي أيِّ مكان : القلم والورقة رفيقايَ لا فراق بيننا. الكتابة بالنسبة إليّ هي ” لحظةُ إشراق” ومضة خاطفة عليَّ اقتناصها في الوقت المناسب  وإلا مرّت بلا عودة.إنما الليْل والهدوء والبحر والمطر والواحة  تعتبر من المحفّزات التي تنشّط وجداني وتغريني بالغوص في ذاتي والتأمل في الكون والكتابة.

***

 

س: لماذا الشعراء أكثر الأدباء هجرة وأكثرهم إبداعًا ونشرًا؟

 

ج: ليس لديّ إحصائيات لأقرّ هذا الرأي، وإنما حسب رأيي الشاعر فنان والفنان يعشق الحرية وإذاأحس الفنان بضيق الفضاء الذي يهدد قلمه أو فرشاته  وإذا وجد نفسه مخيّرا بيْن الصمْت أو السجن فطبيعي أنه  يتوق إلى البديل كحلٍّ ومهرب من بيْن فكّيْ المطرقة والسندان ويفضّل الهجرة.علما أنه ليس كل الشعراء قادرين علي الهجرة فهي للمُتْرفين فقط.

أما أكثرهم إبداعًا فلعلّ الألم والغرْبة والإحساس بالقهر من المُحفِّزات التي تشحذ أقلامهم فتسيلُ آلامهم حبراً وشجنا و”الأدبُ مأساةٌ أولا يكون” كما قال الأديب التونسي محمود المسعدي.

شكرا أنك أثرت قضيّةَ النشر،أعود وأقول ليس كل الشعراء ولاكل الأدباء ينشرون .المحظوظون فقط هم الذين يوصلون فكرهم وكتاباتهم إلى المتلقي /القراء فكم من شاعر مات وهو يتمنى لو رأى شعره بين دفّتيْ كتابٍ!

***

س: أتعتقدين أنّ عصْرنا هذا هو عصر الرواية؟في العقد الأخير شهدنا تطوراً كبيرًا في النشر الروائي العربي هل تعتقدين أنَّ هذا سيكون على حساب الشعر؟

 

ج: الرواية كعمل إبداعي اعتبرت فنا دخيلا على العرب لكونها ظهرت في أروبا في القرن 18 وتأخر ظهورها في الأدب العربي حتى القرن العشرين رغم وجود بذور القص في القرآن الكريم في أكثر من موضع أكتفي بذكر قصة سيدنا يوسف عليه السلام أو قصة مريم العذراء كما أن الأدب العربي القديم لم يخْلُ من القصّ فما علينا إلا العودة إلى نوادر البخلاء للجاحظ ولن أقول ألف ليلة وليلة (أصل فارسي) أو كليلة ودمنة (أصل هندي).

والرواية كجنس أدبي يعتمد على السرد هي قصة تتبع التسلسل بين الأحداث خطّيًّا او غير خطّيٍّ وتتعدد فيها الشخصيات و تختلف الأحداث طولا وقصرا وتشويقا ولعلّ  كثرة الشخصيات وتعقيد العلاقات بينها والصراعات التي يعمد الكاتب الى نسجها ليصعِّد التأزّم والحِبْكة ويشِّوق بما يخفيهِ من مُفاجآت ووظائف يحددها للأماكن والأزمنة .بهذا المفهوم فالرواية جنس أدبي تأخّر وصوله إلى الأدب العربي وكان ذلك مع رواية “زيْنب” للأديب المصري محمد حسنين هيْكل.ومنذ ذلك الفتح انطلقت الأقلامُ تسرد الروايات وتنوّع تصنيفاتها من اجتماعية الى واقعية الى ذهنية/ وجودية  وقد أبدع في ذلك الأديب نجيب محفوظ.

ورغم ذلك لم تتفوّق الرواية على الشعر في أيِّ عصر من العصور

ولعلّ عصرنا الحالي عصر السرعة، عصر الومضة عصر الوجبة السريعة هو الذي عرقل الرواية وانتشارها .أما عودتها في عصرنا الحالي لعله من باب الصراع من أجل البقاء فهل ألغت الإذاعة المسموعة الكتاب؟ وهل ألغت السينما وجود التليفزيون؟

كلّ مُكتشَفٍ يستند على الركائز التي سبقته ويستفيد منها ليتطوّر ولكنه لا يلغيها وهو نفس الشيء بالنسبة لعلاقة الرواية بالشعر ..الشعر لصيق بالحياة وهو باقٍ ما بقيت الحياة بل كثيرا مايموت الشاعر ويبقى شعره حيا،،الشابي والسياب رحمهما الله مازال شعرهما حيا وسيظلّ.ويبقى النشر شعرا أو قصة أو رواية بحسب إمكانيات الكاتب المادية والإبداعية وكذلك علاقاته الإنسانية وليس لجنس أدبي على حساب آخر.

 

س: هل تعتقدين في زمن التطوّرات العلمية والتكنولوجية والاتصالية والكتابية أن الشعر قد انتهى أو أن مهمته قد انتهت؟

 

ج: اللغة العربيّة ككل تواجه تحدّيات كثيرة منها اللغات الأخرى ومنها التكنولوجيات الحديثة ولغة الصورة ولغة الرمز والإشارة وكل العلوم الحديثة تقف حجر عثْرةٍ في طريق اللغة العربية وآدابها ولكن لأنها لغة الأصالة والهوية ولغة القرآن صمدت أمام كل التحديات  ولم تنقرض كغيرها من اللغات / اللاتينية مثلا.

فاليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين صار لدينا علماء ومبرمجون في مجال الانترنات والتكنولوجيات الحديثة ولنا في تونس جمعية مشهورة وهي” جمعية اللغة العربية الرقمية” التي من أهدافها حماية اللغة العربية وأدبنا العربي من التقهقر أمام الغزو التكنولوجي وأنا لي شرف الانتماء إليها كعضوة وقريبا ككاتبة عامة لها و الكل يسعون إلى جعل اللغة العربية قادرة على مواجهة التحديات التكنولوجية الحديثة بل الاستفادة منها وهذا ما سيكون موضوع المحاضرات التي سيلقيها مختصون من تونس والبلدان العربية الأخرى كالمغرب وسوريا وغيرهما  أثناء مؤتمرها الثاني الذي سينعقد بمدينة دوز بالجنوب التونسي يوميْ26/27 ديسمبر 2017 ، وما يقالُ عن اللغة العربية ينسحبُ على الشعر والإبداعات الأخرى.

كل إبداع إنساني له أهدافه ووسائله التي يتحقق بواسطتها دون سواها فأهدافُ العلم لا يحققها الأدب وأهداف الشعر لا تحققها التكنولوجيا  فالكل يسعى الي الرقيّ بالإنسان وتطوير حياته وتذليل المصاعب التي تعترضه فلا العلم يضطلع برسالة الشعر ولاالشعر يؤدي مهمة العلم..بل كلاهما يتكاملان من أجل هدف واحد هو الإنسان وسيواصل الشعرُ والأدبُ عموما بل الفنون بصفةٍ أشمل  مرافقة الإنسان في التعبير عن مشاعره وأفكاره وتطلعاته التي يستحيلُ على العلم أو التكنولوجيا الاضطلاعُ بها.فالشعر ليس موظفا يحال على المعاش متى مانتهت مهمته لأن مهمته متواصلة وباقية ببقاء الإنسان والحياة.

 

***

هل كانت طفولتك سعيدة؟

 

ج: بالمقارنة بما يعيشه الطفل في زمننا الحاضر من حروب وتهجير ويُتْم وإعاقة وحرمان من طفولتهم وبراءتهم فأنا عشت طفولة سعيدة جدا ، عشتُ في  بلد آمن  وتربيْتُ في أسرة متوازنة بين أبٍ حنونٍ وأمّ مناضلة إذ ترمّلت باكراً ومع ذلك أدت رسالتها على أحسن وجه رحمهما الله كليْهما.لعبتُ مع أطفال حارتي وركضت في الحقول والمطر ينزل بغزارة.كانت أسرتي محدودة الدخل لكنها مستورة لقد أحسنت أمي رحمها الله قيادة السفينة بعد موت ربانها.لي كثير من الذكريات عندما تخطر ببالي أبتسم.وهذا يكفيني سعادة مازلت أغذي بها وجداني.

قد يكون للإطار المكاني الذي ترعرعت فيه أثره القويِّ في كتاباتي فالواحة والنخيل والفضاءات الممتدة تضافرت على منحي خيالا لا تحده الجدران وعشقا للنخلة ورمزيتها وللمطر الشحيح نزوله في الجنوب صورة منشودة رغم غيابها في الواقع فهي حاضرة شعرا كما أن وفاة والدي جعلت كتاباتي تتسم بطابع الفقد ولكن يتحول الانسان في المكان والزمان وتتغير بعض المعطيات والمفاهيم.

 

***

س: حدثينا عن إصداراتك الشعرية والقصصية وما الأفكار التي يحملها الديوانان وهل أنصفك النقاد؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                        بعْد التخرّج انخرطتُ في الحياة العائليّة والعمليّة وانشغلت عن الكتابة رغم ممارستي لها منذ مرحلتي  الثانويّة  وبعدما اطمأننتُ على الأولاد في مستقبلهم الدراسي والعملي تنفستُ الصعداء ووجدت الفرصة سانحة للعودة إلى الكتابة فجمعْتُ قصصي التي ألّفْتها أيام الدراسة في مجموعة بعنوان ” الزواج الأبيض” وهي مجموعة قصصية تميل في أسلوبها إلى الرومانسيّة وفي مضامينها إلى السمة الاجتماعيّة وعنوانها يشي بذلك..ونشرت  سنة2006

وبعد سنتيْن 2008 نشرت مجموعتي القصصيّة الثانية بعنوان ” الصعود إلى الأعماق” وهي مجموعة اعتنيت فيها بالجانب النقدي والتأمّلات الفلسفيّة والقوانين العلميّة كالتوازي والنسبية وغيرهما.

وبعد سنوات صمتٍ دامتْ حواليْ 7 سنوات عدْتُ الى النشر بديواني الأول “أمواج وشظايا” سنة 2015 وتعددت فيه القصائد(55) وتنوعت المواضيع  فمنها الوجدانية والوطنية والتأملات الفكرية وأخرى رمزية وظفت التراث والأسطورة وغيرها من منابع المعرفة دون أن أغفل قضيتنا الكبرى فلسطين وكذلك الظواهر الطبيعية .

ثم تلاه ديواني الثاني “حِبْرُ الياسمين” سنة 2017 بمقدمة أهداني إياها الصديق الشاعر السوري رامي المحمّد وقد أنصفني بقراءته العميقة والمثرية  وتعددت قصائد هذا الديوان أيضا وتنوعت ولكنها لم تخرج عن خط فاطمة سعدالله في الكتابة الذي رسمته لنفسها عن وعْي وقناعة وهوأن الشعر وسيلة تعبير عن الحياة بصورة راقية وبه تتمّ إعادة إحياء الموروث الحضاري والفكري والحفاظ ـ خاصةـ على اللغة العربية الفصحى التي أعتبرها دون غيرها من اللغات منجمَ البلاغة والفصاحة والرمز.

كما اني تشرفتُ بتقديم دواوين بعض الأصدقاء من تونس ومن البلاد العربية كالدكتور وليد جاسم العبيدي من العراق والشاعرة سعاد نصر من ليبيا .لي عدد كبير من الدواوين الالكترونية كما شاركت في عدد من الدواوين الجماعية مثل ديوان سرديات (سرد تعبيري) للشاعر الدكتور أنور غني الموسوي/العراق  وديوان العرب الجزءالثاني للدكتور علاء أديب وكذلك ديوان لآلئ الإبداع الذي سيصدره قريبا الشاعر جاسم حمد الجياشي عن دار المتن العراقية و كان لي شرف مراجعته لغويّاً.

النقاد لم ينصفوني  ولا أدري ما السبب ما لاحظته أن النقاد العراقيين مثلا يهتمون باأبناء العراق ولا لوم عليهم بل هذه ميزة يتحلوْن بها ويفْخرُ بها أدبهم و لكنَّ الناقد التونسي لماذا يفعل عكس العراقي والعربي عموما؟

ومع ذلك أعتزبشهادات الكثيرين من الشعراء والكتاب ممن قرأوا لي وعلى رأسهم الشاعر الدكتور أنور غني الموسوي الذي خصص لي مساحة لا بأس بها في دراسته النقدية  عن الرمزفي قصيدة النثر وأوردلي أمثلة كثيرة رأى فيها جودة الرمز وتوفيقا في توظيفه  وهناك دراسات في الطريق .

***

 

س: لماذا يتمُّ التركيز في ترجمتك للنصوص الشعرية على اللغة الفرنسية أكثر من غيرها من اللغات؟

 

ج: الترجمة تتطلب  حذق اللغتين.. اللغة المنقولة والمنقول إليها يجب ألاّ تقل إحداهما أهمية وقوة عن الأخرى وأنا لا أختلف عن غيري ممن نقلوا نصا شعريا من لغة إلى اخرى  فحذقي للغة العربية يحتم عليّ المحافظة على نفس المستوى في اللغة الفرنسية (وهي اللغة الثانية في تونس)  أما اللغة الانجليزية مثلا  فحذقي لها محدود وهذا ما يفسّر تركيزي على اللغة الفرنسية .ولقد ترجمت للكثير من الشعراء أحياء وأموات كما ترجمت مسرحية ذهنية لكاتب يمني ولي محاولات في الترجمة للغة الانجليزية ولكنها محدودة وخصصت بها كتاباتي فقط./.  انتهى

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى