استراتيجية الفصل المعكوس أحد استراتيجيات التدريس للقرن الحادي والعشرين

أ.د. جمال الدهشان | أكاديمي مصري

أدى التقدم الهائل في تطبيقات التقنية في كل المجالات ومن بينها مجال التعليم، إضافة الى ما تشهده المجتمعات المعاصرة من انفجار معرفي وسهول الوصول اليه والتعرف عليه من قبل الجميع، الى ان أصبحت الطرق التقليدية في التعليم غير ملاءمة بل وغير مجدبة، وأصبح دمج التقنية في العملية التعليمية ضرورة عصرية لزيادة الدافعية نحو التعلم واضافة الاثارة والتشويق والفضول لعناصر البيئة التعليمية متمثلة في المقررات الدراسية وطرق تدريسها ووسائل التواصل بين المعلم وطلابه لتلبية الاحتياجات الفردية الخاصة بكل طالب.

لقد كان النمط التقليدي للتدريس يقوم على تلقى الطالب معلومات الدرس من خلال الشرح والمحاضرة داخل الغرفة الصفية من المعلم مباشرة، ويقوم الطالب بحل والواجبات التعليمية لتعميق المفاهيم المهمة في البيت بمفرده، او من خلال تكليف الطلاب بقراءة قسم من كتاب مدرسي عقب اليوم الدراسي، لتتم مناقشته في اليوم التالي في الفصل. ويتم بعد ذلك إعطاء الطالب واجبًا للتقييم كواجب منزلي لإثبات إتقانه للموضوع. 

الامر الذي أصبح من غير المناسب في ظل تمكن الطلاب من الحصول على المعارف بطرق سهلة ومفيدة وحاجتهم الى التوجيه والإرشاد، والرد على تساؤلاتهم حول ما يجمعونه من معارف، فهذه الطريقة لم تعد مجدية لان الكتاب والمدرس ليسا هما المصدر الوحيد للمعلومات فهناك مصادر كثيرة ومتنوعة يمكن ان يصل لها الطالب بسهولة ويحصل على معلومات أكثر مما يقدمه المدرس والكتاب المقرر. 

لذا وجب البحث عن أساليب تعليم وتعلم جديدة ووسائل مساعدة لرفع مستوى التعليم ومن بين هذه الأساليب المقترحة ” استراتيجية الصف المقلوب”، وهي استراتيجية جديدة للتدريس تقوم على احداث تغييرات جوهرية في أدوار كل أطراف العملية التعليمية، وسميت الاستراتيجية بهذا الاسم لأن العملية التعليمية من خلالها ستكون مقلوبة، فالشرح والتحضير يقوم به الطالب في المنزل، أما أداء الواجبات المدرسية وطرح الأسئلة فتكون بالصف الدراسي مع المعلم، وهذا بعكس ما هو شائع في طريقة التعلم التقليدية. 

 فهي تعتمد بشكل كامل على (قلب) أو (عكس) الطريقة التقليدية المستخدمة في إرسال المعلومات واستقبالها بين الطالب والمعلم ، حيث يعتمد المعلم هنا على استخدام التكنولوجيا الحديثة حتى يُعزز من درجة فاعلية ومشاركة الطالب في سير العملية التعليمية ، حيث يتم فيها تغيير أدوار المعلم التقليدية مع تعظيم التعلم الذاتي من جانب الطلاب عبر استغلال التكنولوجيا القائمة على البحث والبعيدة عن الحفظ والتلقين، وتخصيص وقت الحصص المدرسية للمناقشات، وتبادل المعارف، على أن يقوم الطلاب بمراجعة دروسهم ومذكراتها في منازلهم، ويتحول بذلك دور المعلم في الفصل من شارح للمادة إلى ميسر ومرشد ومقيم للتلاميذ، مما يساعد الطلاب على اكتساب عمق ومعرفة بما يدرسونه.

وفي هذه الاستراتيجية، يقوم الطالب أولاً بدراسة الموضوع من تلقاء نفسه، عادة باستخدام دروس عبر الفيديو يتم إعدادها من قِبل المدرس أو مشاركتها من قِبل مدرس آخر او مع زملائه من الاقران، ثم يأتي الى الفصل الدراسي ليتلقى الرد على تساؤلاته واستفساراته حول ما شاهده وتقويم ما تعلمه واجراء التدريبات والأنشطة تحت اشراف المعلم وتوجيهه.

فهي استراتيجية تربوية لاستخدام التقنيات الحديثة وشبكة الإنترنت بطريقة تسمح للمُعلم بإعداد الدرس، عن طريق مقاطع فيديو أو ملفات صوتية أو غيرها من الوسائط التقنية في أجهزة الحاسب الآلي، ليطَلع عليها الطلاب في منازلهم أو في أي مكان باستعمال الحاسب الآلي أو الهواتف الذكية، فيما يُخصص وقت المحاضرة للمناقشات والمشاريع والتدريبات، ويكون الفيديو هنا هو العنصر الأساسي في هذا النمط من التعليم.

ولاستراتيجية الفصل المعكوس إيجابيات عديدة من بينها الاستغلال الجيد لوقت الحصة، وزيادة التفاعل بين الطلبة أنفسهم من جهة ومع المعلم من جهة أخرى، وإتاحة المجال للطلبة لتحضير الدروس من أي مكان يتوفر فيه ربط بشبكة الإنترنيت وبأي جهاز يتوفر لديهم وفي أي وقت يناسبهم،  وإعادة الدرس أكثر من مرة ، بناءً على فروقاتهم الفردية، إضافة إلى أنه يساهم في بناء علاقات قوية بين الطالب والمعلم، بما يجعل الطالب محور العملية التعليمية التعلمية ، والباحث عن مصادر المعلومات وتعزيز التعلم الذاتي والتفكير الناقد وبناء الخبرات ومهارات التواصل والتعاون بين الطلاب ، يتيح للمعلم التعرف بشكل أكبر على مستوى كل طالب ومدى جديته في طلب العلم،  يشجع على الاستخدام الأفضل للتقنية الحديثة في مجال التعليم ، ويجعل الطلاب يأتون الى إلى الغرفة الصفية ولديهم الاستعداد التام لتطبيق تلك المفاهيم، والمشاركة في الأنشطة الصفية، وحل المسائل التطبيقية.

ولعل تطبيق هذه الاستراتيجية يتطلب من المعلم ضرورة  أن يبدع في استخدام أساليب التعلم البنائي والتعلم النشط والتعلم القائم على المشاريع وما إلى ذلك من أساليب فعالة لملاءمة نموذج التعلم المعكوس، ورفع مستوى الأسئلة إلى التطبيق والاستدلال للمساهمة في زيادة التحصيل والدافعية ورفع مستوى مهارات التفكير لدى الطلبة وزيادة الثقة والاعتماد على النفس في عملية التعلم، فتصميم نموذج تعليمي من خلال عمل مقطع فيديو احترافي يُقدم مادة علمية مناسبة وفعالة وفي نفس الوقت يكون ذو درجة وضوح جيدة ومدة زمنية قصيرة يحتاج الى وقت ومهارات قد لا تتوافر لدى العديد من المعلمين ، إضافة أن الكثيرين الطلاب قد لا يتقبلون التعليم وفق الصف المعكوس ويُعانون من الإحباط وعدم الرغبة في اتباع هذا النوع الجديد والمختلف من الأساليب التعليمية . ،  كما ان هناك بعض المقررات الدراسية والمواد والدروس التي يصعب تطبيق هذه الاستراتيجية عليها وخصوصًا مادة الرياضيات التي تطلب قدر من الشرح المباشر للطلبة والطالبات مع عدم تمكن الطلاب من الوصول إلى طرق وأساليب حل المسائل الرياضية دون وجود مساعدة مبدئية من المعلم داخل الصف ، إضافة الى ان بعض أولياء الأمور لا يمكنهم استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة أو التعامل مع برامج الحاسوب ، وبالتالي ؛ لا يتمكن الطالب في المنزل من الوصول إلى مقطع الفيديو أو إجراء البحث عبر محركات البحث على الويب وغيرها.

أن استراتيجية الصف المقلوب تُعد من أنجح الاستراتيجيات التعليمية الحديثة المعتمدة بشكل كبير جدا على التكنولوجيا وتطورات العصر، وهذا ما جعلها من أكثر الأساليب التعليمية المنتشرة في عدد هائل من المدارس ، خاصة بعد ظهور جائحة كورونا ، حيث يتم تطبيقها في مدارس أوروبا وأمريكا، كما تعتمد جامعات دولية مثل «هارفارد» على هذا النمط مع التعليم، وتوسعت فيه بصورة كبيرة منذ بداية جائحة كورونا أواخر العام الماضي وقد بدأت العديد من المدارس أيضًا داخل بعض الدول العربية في تطبيق هذه الاستراتيجية أيضًا خاصة بعد ظهور جائحة كورونا ، تحت مسمى التعليم الهجين ، نظرًا لما حققته من فاعلية وفائدة فائقة لكل من الطالب والمعلم .

ان استراتيجية الفصل المعكوس، تعد أحد الأساليب الجديدة للتعليم ،  وواحدة من الأفكار المبتكرة التي اكتسبت شعبية كبيرة بين المعلمين ومديري المدارس لتظهر وتتضح بقوة في الآونة الأخيرة، الى حد ان وصفها الكثير من الخبراء بأنها ستشكل مستقبل التعليم في القرن الحادي والعشرين، خاصة في ظل الظروف والأوضاع الأخيرة ، لتفشي فيروس كورونا تزامنًا مع طفرة التطور التكنولوجي، باعتبارها تطوير لطرق واستراتيجيات التدريس والطريق الأسهل لتوظيف تكنولوجيا التعليم في التعليم بما يجعل التعلم أكثر متعة وتشويقا ومشاركة فعالة من قبل المتعلم، وأحد أوجه التفاعل المباشر بين المُتعلم والمُعلم من جهة، وبين المتعلمين فيما بينهم من جهة أخرى كركيزة أساسية لبناء التعليم الفعال..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى