يوميات امرأه ٢

لمــا حسن | سوريا

يوم كانوني قارس ،كانت الريح تعصف باضلاع البيت، الأمطار تنهش وجه الأرض، صوت الرعد يشق صدر السماء، استيقظت مريم مفزوعة عند الساعة الرابعة فجرا قبل ان يرن منبه هاتفها،   رددت جملتها المعتادة،(أصبحنا وأصبح الملك لله) بعض قطرات الماء  تسربت  من نافذتها المطلة على الشارع العام اشعرتها ببرودة الطقس ، أسرعت اوقدت بعض الحطب في مدفاتها، وبدأت بالقيام بواجباتها المنزلية، حضرت سندويشات الزعتر لها ولأبناءها، ارتدت معطفها الصوفي وقبعتها الصوفية، تناولت حقيبتها الجلدية واتجهت نحو باب منزلها فتحته بهدوء لكي لا توقظ أطفالها انتشلت الرياح العاتية قبعتها فور خروجها من المنزل ،رددت (يا إلهي أنه يوم عاصف إلهي يسر أمري ولاتعسره).

انتظرت قدوم الحافلة التي تقلها لكنها تأخرت ….الظلام بدا دامساً برودة الطقس جعلت أطرافها ترتعش  حتي أنها لم تجرا على إخراج يدها من جيوب معطفها  الصوفي عندما رن جهازها الخلوي،

ظلت متسمرة في مكانها 

هذا المكان الكئيب الذي اعتادت الوقوف فيه على مدار إحدى عشر عاما في حر الصيف اللاذع  وبرد الشتاء القارس ……

أخيرا وصلت الحافلة صعدت مريم جلست في مكانها المعتاد قرب النافذة ترقب العصافير التي تنفض حبات المطر عن أجنحتها وبعض النسوة التي اعتدن الاستيقاظ باكرا لتفقد أحوال مزروعاتهم ومواشيهم بعد ليل عاصف. 

وصلت مريم إلى مكان عملها بابتسامتها الشفافة ..وروحها الطيبة المتفائلة  ألقت تحية الصباح على صديقاتها  المجتماعات في ردهة الاستراحة ،صباح الخير يا بنات ،صديقاتها يرمقنها بنظراتهن الصفراء ووجوهن الشاحبة يتفحصن معطفها الصوفي وحذاءها الرياضي الأصفر وقبعتها الصوفية الصفراء مع رائحة عطرها  المميزة  التي عبقت بالمكان، كانت رغم بساطة ملابسها امرأة  جذابة في كامل اناقتها و حيويتها ……

كسر صمت هذا التمحيص والتدقيق كلمات صديقتها جمانة (خير منوين بدو يجي الخير) وعلت صوت الضحكات الساخرة 

مريم، بحكنتها وسعة صدرها تجاهلت الموقف كعادتها وقالت معك حق ياجمانة برد نشف الدم بعروقنا، عضت جمانة على شفتيها الغليظتين المتشحات بالسواد واذداد سواد عينيها  واتسعتا حتى كادتا تخرجان من حجرهما وتمتمت  بكلام غير مفهوم….تجاهلت مريم كل ما حدث أسرعت

وتناولت لباسها الزهري الخاص بالعمل وانطلقت إلى عملها بابتسامتها اللطيفة ونشاطها المعتاد تاركة خلفها ثرثرات وأحاديث جانبية ونار أوشكت على الاشتعال  تحت الرماد…..

الساعة الواحدة بعد الظهر أتمت مريم العمل الموكل إليها  وغادرت إلى ردهة الاستراحة لتتناول وجبة غداءها البسيطة السندويشة التي اعدتها فجرا مع كوب من الشاي الساخن .

أخرجت كوبها الوردي وظروف الشاي مع القليل من حبات السكر امسكت إبريق الماء الساخن وإذا بجمانة تصرخ وتشتعل غضبا لاتلمسيه إذ أردت الماء الساخن اجلبي سخان خاص بك.

قالت مريم ؛بهدوءها ابتسامتها المعتادة شكرا لأنك نبهتيني ياجمانة أشكرك انا أفضل الشاي فاترة وأخرجت سندوشتها تناولتها بوجهها المبتسم وقلبها يعتصر من الألم يبكي بحرقة مع كل لقمة ورشفة دون أن يبرز وجهها الطفولي اي ملامح حزن او استياء، كانت تحدث نفسها من أين تأتي هذه الكائنات  بكل هذا السواد والكراهية؟ 

كانت ترمقهم  بنظرات خاطفة وتشفق لحالهم .

جمانة في هذه الأثناء كانت تغلي وشفتاها الغلظيتين  ترتجفان  من الغضب وبحركة لا إرادية منها تهمس لصديقتها منار الأكثر مكرا و دهاء منها  (واخرتها معاها شو هالانسانة من أي طينة انعجنت) ردت منار بابتسامة ساخرة وواثقة 

اتركي أمرها لي. 

مريم التي تسمع همسهما بوضوح قاطعت حديثهما بكلمات لبقة ؛يا بنات ماهو  رايكن بفنجان قهوة بعد نهاية يوم شتوي بارد ومتعب.

ترد جمانة بصوت متهكم أشربي واتهني مافي هناء بوجودك. 

تجاهلت مريم كلامها وقالت؛ المطر ينهمر بغزارة (الله يبعت الخير) ارتدت معطفها وقبعتها متجاهلة كل ما دار  ومايدور حولها ،في ذلك اليوم الشتوي حتى أنها نسيت تماما بعد وصولها إلى موقف الحافلة لتعود إلى البيت ….

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كسرة خبز
    *
    تسألني عيونها الجميلة ..من أنت ؟ اخاف منك ! شكل انسان ..أبعد يدك عن وجهي ..لاتلمس ماعلق عليها من تراب وحصى ..سآخذهم معي أرمم فيهم اوجاع نفسي التي حطمتها ..ماذا اقول لاولادي عنك في يوما من الايام اذا تزوجت …وعن وجهك القاسي النحاسي .. ويديك التي بطشت بها لم ترحم طفولتي ..اتركني وشأني ابيع الكبريت او اجمع شيء من علب فارغة شربتها ورميتها ..لربما اشتري فيها كسرة خبز ..اذهب غير مأسوف عليك .. والبرد يغزو اوصالي .وقواي قد خارت يوم فراق امي في خيمتها الممزقه …ووالدي هاجر ولم يعد، ربما اكلته الضواري في البراري . ..كتبي ودفاتري اشعلت فيها النيران لكي لااتجمد ..فالبرد… وانت لاترحم.
    *
    احمد ابو حميدة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى