تَحلِيلٌ دَالِّيٌ فِي نَصِّ الكَاتِبِ عبد الكريم هدّاد

يحيى السداوي | أديب وناقد عراقي

 

يعتبر أستاذ اللسانيات الهندو أوربية السويسري (فرديناند دي سوسور)(1)، أول من اقترح مصطلح (سيميولوجي)، علم الإشارات الذي يبحث في علاقة الدال بالمدلول(2)، عن طريق (التحليل النموذجي)، الذي يبحث في مفاهيم المفردات والجمل، باعتبارها تراكيب مستقلة بذاتها، مرتبطة بالبحث الدَّالِّي لإسلوبية الجملة، الذي يسمى (التحليل النحوي)(3)، بعيداً عن الفوضوية في القراءة، وعلى هذا الأساس تعتبر المعاني والسياقات الكلامية (النحو شكلاً وإعراباً)، من أهم طرق التحليل في النظرية البنيوية، بل هي عمادها الأساسي، إذا ما علمنا أن وجود (السيمياء)، في نص ما قائم على أساس التركيب البنيوي له، ولا وجود للأفكار العائمةَ فيهِ!

ففي سياق (التحليل النموذجي)، نجد في نص الكاتب عبد الكريم هدّاد، الموسوم (هِيَ)(4)، إعادة بناء مشهد تأسيسي للأرض، في جملة (هي الأرض تنحني)، وثم استخدام مايفيد أسبقية زمان الفعل، في الدال إليه جملة (قبل مخاضها)، والمدلول عليه بكلمة (أنحني)، لتوافر قرين لفظي سابق، في كلمة (تنحني)، وفي استعمال (مخاضها) إشارة على أن انحناء الأرض ليس عادياً، فالمخاض هو آلآم قبل الولادة، لاتكون إلا عند الحامل، فهي دالةٌ إليه بحملها، والمدلول عليه هو بقوله: (كي تلدني)، فالكاتب يعيد تكوينهُ في حمل الأرض وينحني معها، صورة مأخوذة من انحناء الجنين داخل رحم أمه، فالأرض تمثل رحمًا تندمج بداخله، روح الكاتب عبد الكريم هدّاد، بقوله (لأمزج الروح فيها)، إشارة لتمازج روح الجنين بروح الأم، أثناء فترة الحمل وصولاً لولادته، بعد آلآم مخاضها، باعتبار الأرض رحما تحمل روح الكاتب وتلدهُ، في صورة جديدة من صور الحياة.

فعلاً إن هذا النص، تركيب مزدوج جديد، وإعادة بناء صورة إبداعية رمزية أخرى، للتمسك بعمقه الإرثي والحضاري الروحي، ويستمد منه بوارق النور والأمل.

النص بعنوان (هِيَ)

للكاتب عبد الكريم هدّاد(5)

(هي الأرضُ تنحني .. 

وقبل مخاضها أنحني ..

لأمزج الروح فيها..

كي تلدني..)

الهامش:

-1 – فرديناند دي سوسور/ فيلسوف وعالم لسانيات عنى بدراسة اللغات الهندوأوربية، الألمانية والفرنسية واللاتينية والاغريقية والسنسكريتية. ويعد ألأب الروحي للنظرية البنيوية في الآداب لإطلاقه مصطلح (سيميولوجيا) علم الإشارات في بحثه (ألألسنية العامة) باللغة الفرنسية نشر بعد وفاته العام 1916م.

– 2 – الدال والمدلول عند سوسور/ فالدال هو صوت المفردة اوسياق الجملة المكتوب حرفياً، والمدلول هو الصورة الذهنية والفكرية المقصودة للدال، وهما معاً يكونان مفهوم (الرمز).

– 3 – 

– التحليل النموذجي/ هو تحليل النماذج المضمنة في النص (معاني المفردات) ومدلولاتها.

– التحليل النحوي/ هو تحليل سياق الجملة السطحي مع القواعد النحوية (إعراب المفردات).

– 4 – نص (هِيَ) منشور في مجموعته (أنسَكِبُ شَبِهَاً لروحكِ) الصادر 2020م عن دار الأدهم للنشر والتوزيع مصر، صفحة 55.

– 5 – عبد الكريم هدّاد/ كاتب عراقي مغترب له أعمال منها: (طفل لم يرمِ حجراً/ جنوباً هي تلك المدينة/ حيث لاينبت النخيل/ أكبر من الجنة أصغر من البلاد/ أنسكبُ شبيهاً لروحكِ)، وأغانٍ بالعامية العراقية، ومقالات متفرقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى