حديث الغريب.. أصداء الرحلة (9)

سوسن صالحة أحمد | سورية – كندا

المعظمية كانت وجهتنا، المعضمية التي لم يكن مصيرها معروفا، لأنها تحت النزاع بين الطرفين، ذهبنا ولم نكن نعلم من فيها، أهي بيد الجيش النظامي (هذا ما أصبح يُدعى به جيش البلد)، أو بيد الجيش الحر (وهذا ما كان يُطلقُ على الجماعات التي تسلحت باسم الثورة)، حين وصلنا إلى مدخل البلدة كان هناك حاجز للجيش النظامي، سلمنا ورقة المهمة وعرفنا عن أنفسنا، وانتظرنا حتى أعادوا لنا بطاقاتنا الشخصية بعد أن تأكدوا أن الشخصيات التي ستدخل البلدة غير مطلوبة أمنيا أو لأي سبب آخر، لم نجد في البلدة أي جهة رسمية نعود لها قبل وقوفنا في أي شارع يُسمح لنا بالوقوف فيه، رغم ذلك اخترنا لنا مكانا بقرب مبنى البلدية الفارغة من موظفيها وقمنا بتقديم ما نستطيع من مساعدة لمن لم يتركوا البلدة بعد، كانت شبه خاوية، رحل أغلب سكانها منها بسبب ما يحصل فيها من اقتتال بين الطرفين، خلال النهار تقدمت منا مجموعة من المسلحين تجاوز عددها العشرة وأحاطوا بنا، ورفعوا بنادقهم موجهة إلينا، ولم يتركونا إلا حين تأكدوا أننا لم نأتِ لمعالجة عناصر الجيش النظامي، قفلنا راجعين، وفي الطريق وقبل مغادرة البلدة، أوقفنا عناصر أمن تجول في البلدة، نفس المشهد، بنادق تُرفَعُ موجهة إلينا، ولم يتركونا إلا حين تأكدوا أننا لم نأتِ لمعالجة عناصر الجيش الحر.وكلا الجيشين من أبناء سوريا.
تريد أن تبكي، فتقف الغصة التي تعني رفضك لما يحصل أمامك حاجزا في طريق الدمعة، تحتار كيف تعبر عن ألمك فتسكت، وربما تصاب بالخرس لحظات تفكيرك بالحدث، هابيل وقابيل، لم يبقيا حكاية أو أسطورة، أو حتى قصصا قرآنيا، إنهما مجسدان أمامك في أشخاص كثيرين تراهم وتحدثهم، يرونك ويحدثونك، على أن كليهما يحملان سمة القتل، سمة إراقة الدم، أي كره يحمل الإنسان لقتل أخيه! لإفشاء الذعر والخوف بين الناس، لاستسهال أن يكونوا سببا في التشرد، دون أي حساب لطفل أو امرأة أو شيخ كبير أو أحد مريض، في الحرب تضيع القيم وتنمحي القيمة، يظهر أسوأ ما جُبِلَ عليه البشر، ولا يبقى من الجمال سوى الحسرة عليه، في الحرب تنتصر الشراسة وتغيب الرحمة.
خرجنا من المعضمية ولم يكن لنا لها عودة أبدا، لأنها بعد فترة أُغلِقت جميعها، وسُدَّت كل الطرق المؤدية إليها بعد أن (حررها) الجيش النظامي من الجيش الحر، لكن لم يبقَ فيها حجر على حجر، صارت وتراب الأرض سواء، ولم يبق فيها من أهلها أحد.

صديقي
سوسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى