حديث الغريب.. أصداء الرحلة (10)

سوسن صالحة أحمد | سورية – كندا

التناقض في كل معرفة وصلتنا لا يعني سوى الاختلاف بين القول والفعل، النية والفعل، القرار ونقضه، كما نعرف أن المتناقضين وجهان لصورة واحدة، إنه في العموم حالة من البياض والسواد تشكل دائرة التكامل في اللون وطبع الوجود، إلا في الحرب، إنه يعني كارثة حقيقية حين يكون بينك وبين العدو الذي أذعنتَ لعداوته، وابتدأت معه في ساحة اتخذتها للحرب، ليس من الضروري أن تكون مكاناً، يكفي أن يكون قلبك قد أعلن ذلك، أو بالأحرى عقلك الذي صوره لك عدواً لا يريحك إلا إزاحته من حياتك حتى لو كان بموته، تلك متناقضات شاهدتها مرات في الحرب السورية، أولها ما أذهلني وجعلني أعتقد أن اللعبة السياسية أكبر من فئتين انطوتا تحت اسم المعارضة و ( المنحبكجية ) والمنحبكجية اسم اطلق في وقتها على الموالاة للنظام القائم، بالأحرى الحكم القائم، لأن مفهوم النظام يتعدى الحكم والحكام، إنه مؤسسات قائمة تدير البلد بغض النظر عن شكل سيرها الذي كان أغلبه يعمه الفساد، غير أنه بالنهاية شكل منظم للبلد ومفاصلها، وسقوطه يعني شلل الحركة العامة للبلد، الشعب يريد إسقاط النظام، هتاف لم يكن في محله أبدا، رغم أن النظام من الأساس ساقط، فلا رقابة ولا حساب، ولست بمعرض اقتراح هتاف أفضل، لأن أي حركة غير منظمة وغير مدروسة وغير مخطط فيها لمستقبل أفضل حتماً نهايتها الفشل، وهذا ما حصل، لم ينجح أحد، لا المعارضة ولا الموالاة ولا الحكام في إيجاد حلول تكفي سوريا الويلات التي وصلت لها.
نعود للتناقض لأخبرك يا صديقي، يوم كنا في الزبداني، وقفنا في منتصف البلدة، كنتُ قد أخبرتك أنها كانت بيد الجيش الحر، وقف معنا في الساحة العامة أكبر مسؤول منهم، وأكبرَ عملنا، وبارك جهدنا، وفي منتصف وقتنا سمعنا أحد الجنود ونحن نقوم بعملنا داخل السيارة: ” هذه السيارة تنفعنا” سمعته صديقتي نجاح وبسرعة أخبرت السائق وقد كان صديقنا ماهر نشواتي، قالت له: أبو موفق إنهم يخططون لسرقة السيارة، أكملنا عملنا مع آخر مريض كان في السيارة، وتهامسنا فيما بيننا أن علينا العودة قبل أن يقع لنا أي سوء، بالفعل صرفنا باقي المرضى على وعد بالعودة، وأغلقنا باب السيارة لنمشي، أوقفنا رئيسهم مصمما أن يرافقنا إلى أول حاجز أمني للجيش النظامي ليطمئن على سلامة وصولنا، كان وحده معنا لكن بيده بندقية، كل الافتراضات السيئة مرت بمخيلاتنا، وربما رضا أهالينا علينا قد وقف معنا، أوصلنا رئيسهم فعلا إلى أول حاجز أمني للجيش النظامي، ونزل معنا حيث كان يجب أن ننزل لنوقع على ورقة خروجنا من الزبداني لأسباب أمنية أيضاً، سلمنا الأوراق للمسؤول الأمني، والمشهد الذي أذهلني يومها هو مصافحة حارة حدثت بين رئيس الجيش الحر في الزبداني والمسؤول الأمني على الحاجز ودعوة لشرب الشاي، هذا التناقض الذي ليس له تفسير إلا خراب كبير قادم إلى البلد، هذا التناقض الذي لا يعني اكتمالاً، بل يعني نقصاً سيتوالى على أمن وأمان واستقرار البلد، قالت لي نجاح: أي تناقض فيما نرى؟!، أجبتها.. ليس في ذلك تناقضاً، إنها لعبة الخراب تكتمل فصولها.
لم نعد بعدها أبدا إلى الزبداني، ولم ترسلنا إدارتنا أبدا بعد إلى هناك بعد أن أخبرنا رئيسنا في العمل بكل ما حصل.
هذه ليست المرة الوحيدة التي أرى فيها هذا التناقض، كان بيت أختي الكبيرة وأمي الثانية في منطقة الدحاديل، وبعد مفرق نهر عائشة كان هناك إشارتان مروريتان متتاليتان، على أولهما يقف عناصر من الجيش النظامي، وعلى الثاني يقف حاجز من الجيش الحر، بهذا القرب كانت المناطق بينهما، وكنتُ كلما مررت هناك باتجاه بيت أختي فريال، أرى عناصر الحاجزين يجلسون على كراسيهم في مكان واحد، يشربون الشاي مع بعضهم أو يتناولون وجبة طعام.
أي محاولة لتفسير هذه المشاهد بشكل مقنع لا تنفع، إلا إذا قلنا أن الاتفاقات كانت على الشعب المسكين، وما كل هذا التجنيد لكلا الطرفين إلا غلبة على الأمر.
أرأيت كيف يضيع الحق والحقيقة، وتضيع مع ضياعهما بلد بأكملها وشعب عن بكرة أبيه.

صديقي
سوسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى