دراسة نقدية في المجموعة القصصية ” أجنحة المخيم” للكاتب محمد حسين

 بقلم الناقدة : حنان بدران | فلسطين

في أي عمل أدبي مهمة الكاتب لا تتبدل في خدمة الحقيقة والحرية ومقاومة الاضطهاد، ورفض الواقع بما تلتزم فيه حقيقة الجماهير ضمن مسيرة حقل الالغام الذي يفرضه علينا الواقع لا ننسى أن مهمات الكاتب استشفاف المستقبل .

وفي قضيتنا المحورية  القضية الأم القضية الفلسطينية هناك حقل من الالغام على الكاتب أن يسير من خلالها فهناك القنابل الاستعمارية المحرقة التي تمطر على رؤوسنا بأي لحظة فهنا تجد الكاتب هو موقعه موقع الجماهير وهو الملتصق غضبا ونزفا وغضبا وثورة  ونزفا وهو الذي يعايشها من خندق التعبئة والقلق المصيري .

مثل هذه الظروف الصعبة تشكل تحدي الكاتب فالظروف التي يعاني منها كالتهجير القصري والاجباري والغربة لواقع فرض عليه وواقع همه كفئة مشردة بأصقاع الأرض  الأمر يدفع بالفنان إلى التيه عن ذلك الخط الرفيع جدا الذي يفصل أدب الشعارات وبين ابداع أدب مناضل .

إن زخم المعركة التي نمر بها والتي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لطمس حضارته كينونته ذوبان تاريخه ومحوه عن الوجود ..

يجعل من اللعبة الصهيونية الامبريالية التي تدور فوق أرضنا بكل أطماعها -كل هذه العوامل قد تجعل الكاتب يذهب إلى المباشرة والخطابية وبالتالي إلى تدمير فنه.

وفي مثل ظروف كما ذكرت على الفنان أن يجد التوازن بين اخلاصه للجماهير  وبين اخلاصه لفنه ، وأن يصل لصيغة لا يتضارب فيها الاخلاصان.

وانما يتكاملان ويتحدان لينتجا أدبا ثوريا يفيد فيه قضيته الأم أولا ويفيد بالتالي كل الشعوب المناضلة التي تسير على ذات المنهج وذات الدرب في كل العصور.

في” أجنحة المخيم”  للكاتب ا.محمد حسين لم يكن الكاتب يرحل بنا لصيد العصافير ولا قطف الزهور من على ضفاف النهر بحجة الاخلاص لفنه ولم يكن يرتجل لنا منشورات اعلامية عادية وعابرة منها الى الأدب الثمين إنسانيا وفنيا وبالتالي المقام.

 

أهم ما يثير انتباهك في صوت أجنحته التي ترفرف بك  هو الصوت الفلسطيني الذي احتلته فلسطين من الوريد إلى الوريد 

فضاء السرد حلق بنا بسماء الواقعية واخذنا لحذافير وتفاصيل غارقة بالخصوصية الفلسطينية في المخيمات بالخارج غرق في خصوصيات لن تعيش مثيلا لها في جو

حقيقي للغاية ورحلنا بتفاصيل معاناة يومية تحار الكلمات والمفردات فيها حين صارت الهزيمة واقع لم يفرض إلا التهجير والعيش بواقع قمة في اللاإنسانية التستر عليه جريمة نكراء ومرفوضة وبدأت الحكايات تنساب بسرد واقعي غارق بالخصوصية وتفاصيل من أرض الهزيمة خارج الوطن حين تدور الأرض من حولك في رمال متحركة نغوص ببطء قبل أن تبتلعنا نهائيا وتتلاشى.

معركة الحياة بواقع مؤلم لم نقرأ فيه نغمة البكاء والنواح ولم نرى صور العويل ولم يعبروا لنا الشخوص الحقيقة التي كتبها لنا الكاتب عن خساراتهم ولكنها كانت مثال التحدي والصمود وقمة الإرادة وما بين ارادة الأمل بالتعليم كان درب النور الذي يولد من رحم الخلاص ..

بين تفاصيل المعاناة واروقة الألم الذي كان بعيدا عن غيبوبة العقول تربى جيل كامل على الفقد والتحدي لواقع مرير عاش تفاصيله بالتكاتف والتعاضد الإنساني المنفرد والذي يضرب فيه المثل بالوعي والايمان والارادة وادراك الوعي بالتعليم كان صغار إنذار مبكر للعيش الكريم والذي كان بمثابة مفتاح للحصان الذي بات يستشعر الزلزال قبل قدومه وقبل وقوعه.

 

ومن هم وطني معاش بداخل الكاتب ومن روح متقدة بحب الوطن كان لا بد من إيصال صوت الحقيقة إلى العالم الخارجي وهذا أضعف الايمان وكانت هذه المجموعة القصصية التي احتوت على اربعين قصة بدأت من أول التهجير بالخيمة اللعينة وانتهت بالرحيل الصامت ..ومن اشكالية المعاناة الإنسانية كانت تلك التقاسيم المنفردة على جدار الوجع الإنساني سواء باستخدام الواقع بصور شاعرية التعبير او استخدم السهل الممتنع في السرد أو حتى اللغة المحكية الدراجة في بعض النصوص ..وسواء اتفقت مع الكاتب في شروط القصة القصيرة أو اختلفت إلا أنك لا تملك إلا أن تقدر وتقر له بالاعتراف بخصوصية التفاصيل الدقيقة واستشعارك كقارئ أنك ستعيش مع أسماء حقيقية من قلب الواقع المعاش في تلك الفترة وأنك تستعيد مع السيدة تفاحة معاناة طويلة موسومة بالوعي الشديد والتمسك بالهوية والتحدي والصمود ، ترى كل تلك الشخوص التي سيأتي على ذكرها بأسمائها الحقيقية وتفاصيلها الواقعية.

ومن ذاكرة حفرت بصخر الألم كانت التفاصيل الأولى في المخيم ومع أول منزل بارد في منفى بعيدا عن الوطن الذي أخذ يتطور مع الأيام نتيجة الانتظار المؤلم والطويل المدى الذي فرض على الجميع أن تتحول الخيمة إلى بيوت من طين..

ولم تكف الساعد النازف عن العمل والدراسة والجهاد فكانت مروج الأرض الخضراء تزحف على اليباس  وتؤسس لحياة تعيد جزء من واقع يتمدد في جذوره بعيدا عن جذور الوطن ..

ورغم ما حملت هذه الرحلة من صعوبات رسم فيها الفلسطيني أروع أنواع الصبر والتحدي والصمود وقمة الإرادة في قهر الظروف الصعبة من صناعة الأكياس الورقية لرحلة الماء 

الشاقة …

واخذنا الكاتب ليس في رحلة مكانية الشكل لا بل كان عنده أصرار أن يأخذنا في رحلته الصعبة تلك بالتوازي مع الزمن الذي أخذ يتطور وبدأت الحياة بالمخيم كلها تظهر مظاهر التأقلم والتطور فيه إلى إنه حتى لم ينسى ان يذكر السينما والتلفاز التي اخذت تظهر على السطح مع مرور الزمن في الغربة  والتي عاشها الفلسطيني  ولم تتعارض مع الروح الثورية التي كانت سائدة في زمن المقاومة والتحدي المر ..بالتوازي مع المدرسة التي كانت تتحدى الظروف الصعبة التي كانت تواجه الطلاب والأهالي حتى تحولت المدارس من مدرسة تقليدية إلى مدرسة تصنع الأمل بكل ما يحمل لها القادم ..

وكانت المساعدة والمساندة من الأب المعلم الساند والداعم لأولاده إلى تفاصيل كثيرة كان يعيشها المخيم اخذت تكبر وتمتد من الفرن للمطعم ، إلى تفاصيل بطاقة الاعاشة التي جبلت بالذل وكما ذكرت سابقا كان الزمن حاضرا بتفاصيل رمضان لعيد يأتي وعيد يرحل والمكان والزمان يتحول لأخطبوط يمشي إلى الذاكرة العنيدة التي تأبى النسيان ..

فكانت صناديق الحلوى بلون الفرح المغمس بالدموع حين يأبى كل فلسطيني أن يمحو أو تطاله ممحاة الزمان فكان يزغرد البارود والبندقية تتحدث وتوقظ وجع الخيمة مرة أخرى ولم يعجز الشارع فيها عن الابتسام والضحك ويملأ الطرقات بالصمت أيضا..

فكان افراز المخيم رموز وشخصيات حفرت شخصيتها من وعي نادر كانت المرأة اخت الرجال فيه العنصر الابرز بالحكايات ..

تفجرت القصص بالذكريات والصداقات والسهرات المميزة ولكنها برغم البعد والتهجير لم تكن الا القدس العنوان الابرز بالحكايات 

رغم غربة الوطن التي ترسم وشم مقصلة البعد والمسافات المرسومة لم يكن هناك مجال إلى أن تكون الجلجلة القيامة الكبرى في رجال عاهدوا الله على الشهادة أو الموت فكانت كلمتهم من الرصاص فازهر البيلسان على جدران المخيم فوق مقاعد الدراسة وفوق جثامين الشهداء التي كانت تصل تباعا على ابواب المخيم المشرعة لحلم لن يتحقق ولكن بالمقابل لأمل لم يفقد لعرس الأرض 

فكانت الحكايات بين اخلاص الجميع للقلم والورقة والدراسة باتت مفتاح الخلاص من الفقر والجهل ومواجهة الحياة حتى وان انسكب الحليب الدافئ على الرحيل الصامت في فجر كئيب ..

وأنت تقرأ تشعر بأسى عظيم وأنت تتابع رحلة عمر كانت فلسطين تبعد بالمسافات وتقترب بالروح ..

فكانت فلسطين المحتلة تسكنهم دون أن يسكنوها..

ومن هنا نحسب للكاتب ا.محمد حسين هذا الصوت الفلسطيني الذي كان يصرخ بتفاصيل دقيقة وكانت لغة الموضوعية الأقرب بالسرد إلى التوثيقية لكنها لغة الواقع المعاش بكل مرارة التهجير والتشرد والقسوة التي كتبها في واقع يومي تعايشه قلبا وروحا.

لم يكن القلم محايدا فيها الا إلى وجه الحقيقة التاريخية رغم قباحة الوجه إلى إنه حاول أن لا يزيف القناع ويرسم لنا القناع على القناع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى