شاهد معنا فيلم (جبل هاكسو Hacksaw Ridge) للمخرج ” مِل جبسون “

إليكم رابط الفيلم :

?https://ok.ru/video/460858657482

 

بعد الفيلم الملحمي ( Saving Private Ryan ـ إنقاذ الجندي رايان) الذي أخرجه “ستيفن سبيلبرغ” و نال خمس جوائز أوسكار عام 1998، والذي تدور أحداثه الحربية عام 1944، أثناء الحرب العالمية الثانية، يأتي النجم الممثل والمخرج “مِل غبسون” ليقدم لنا ملحمةً أشد مضاءً من خلال فيلمه (جبل هاكسو) ، الذي تدور وقائعه في معركة بالغة الشراسة، حصلت عام 1945، ليحكي لنا قصة جندي شاب مؤمن، من الطائفة السبتية المسيحية التي لا تؤمن بحمل السلاح، يدخل المعركة الشرسة و هو أعزل، لكنه يبلي بلاءً مذهلاً ينال عنه أعلى وسام شرف يمنحه الكونغرس الأمريكي لـ ( مُستنكف ضميري ) .

من هو (المُستنكف الضميري)؟ إنه الشخص الذي يرفض القيام بأعمال عسكرية تتعارض مع ضميره و مبادئه، وهو حقٌ طبيعيٌ للفرد أُدرج ضمن لائحة حقوق الإنسان.

وكان أول مستنكفٍ ضميري في التاريخ هو “ماكسيميلانوس”، الذي رفض الإدلاء بقـسَم الولاء للإمبراطورية الرومانية، معترضاً على إلحاقه بالخدمة العسكرية في الجيش الروماني، قائلاً: (إنني مسيحي، ولا تسمح لي مبادئي بحمل السلاح)، فقُطع رأسُهُ حالاً، و كان في الحادية والعشرين من عمره .

يبدأ الفيلم (الذي طوله ساعتان و 19 دقيقة) بمشاهد الموت: جثثٌ متناثرة، نيرانٌ ملتهبة، أجسادٌ تتطاير بفعل عصف القذائف، أعضاءٌ مبتورة، أجسام مهروسة، وجوه مشوهة بآلة الحرب…. ليضعنا المخرج في صورة شراسة معركة تُعد من أعنف معارك القرن العشرين، تلك التي وقعت على جرف (جبل هاكسو) لمدة ثلاثة أشهر ، للفترة بين شهر أبريل / نيسان و شهر يونيو / حزيران من عام 1945 ، بين الجيش الأمريكي العاشر والجيش الثاني والثلاثين الياباني.

ويترافق مع مَشاهد الموت الأولى صوتٌ مناجٍ يتلو السطور الأخيرة من الإصحاح 40 من (سِفْر إشعيا) في (الكتاب المقدس)، ليكون ذلك مقدمةً لما سيطرحه الفيلم من جانبٍ تبشيري، ويكاد أن يكون هذا هو العيب الأهم الذي يُسجل على الفيلم. ومعروف عن المخرج (مِل غبسون) أنه كاثوليكي ملتزم، و هو الذي أخرج فيلم ( The Passion of the Christ ـ آلام السيد المسيح) عام 2004 ، والذي أثار ضجة لدى اليهود و لدى المسلمين على حد سواء، فصدرت فتوىً من السعودية ومن الأزهر بمنع عرض الفيلم في البلدان العربية، فلم يُعرض سوى في سوريا ولبنان ومصر والأردن. بعد هذا التقديم من صور الموت وتعاليم الكتاب المقدّس، يعود الفيلم إلى ستة عشر عاماً خلت، إلى ولاية فرجينيا، حيث كان بطل الفيلم (ديزموند دوس) ـ الذي مثّل دوره الممثل الأمريكي / البريطاني ” أندرو غارفيلد ” ـ يعيش فترة صباه مع شقيقه (هال) ووالدته ووالده المدمن على الكحول والحاصل على وسامين عسكريين، و كان قد خاض المعركة الحامية الدامية في غابات (بيلو) الفرنسية أثناء الحرب العالمية الأولى، والذي راح يندب حياته بين شواهد قبور رفاقه.

و كاد (ديزموند) أن يقتل شقيقه أثناء حالة من حالات المزاح الدائم بينهما في فترة الصِبا ، حين ضربه بآجرّة في رأسه فسقط و انقطعت أنفاسه و كاد يموت . تلك الحادثه ألقت بظلها الكثيف على حياة (ديزموند)، و يبدأ ذلك الظل من اللحظة التي يندهش خلالها مما فعله، حين يقف أمام لوحة تمثّل (سِفر الخروج) الذي تقول فيه إحدى الوصايا العشر في الإصحاح 20 : (لا تقتل) ، و عندما توجهه والدته، تُسمعُه القول: (القتل أعظم الخطايا) و تضيف : (لا شيء أشد من أخذ الروح) . هذه العبارات التي وقف عليها بعد فعلته التي كادت تودي بحياة شقيقه (هال)، لم تلقِ ظلالها على عقله حسب، بل حوّلته الى إنسان يقدّس الحياة، فيسعى الى إسعاف سواه، ويحرّم على نفسه حملَ السلاح ، و يبتعد كلياً عن فكرة القتل . هذا التحوّل الذي غيّر شخصية (ديزموند) هو الذي يمثل ثيمة فيلم (جبل هاكسو) المبني على قصة حقيقية .

ذات يوم ، عندما يصبح (ديزموند) شاباً ، و كان ينظف نافذة الكنيسة و أمه تتدرب على التراتيل مع رفيقاتها ، يفلت هيكل سيارة و ينزل على فخذ شاب كان ممداً تحت السيارة لتصليحها ، فيتطوع ( ديزموند) حالاً لنقله الى (مستشفى لينبورغ ) بعد أن نزع حزامه و ربطه و شده على فخذ الشاب ليمنع تدفق الدم ، ما يدفع طبيب المستشفى الى مدح تصرفه الذي أنقذ حياة الشاب ، إذذاك يدرك (ديزموند) قيمة إسعاف حياة الآخر ، و هناك ـ في المستشفى ـ يقع بصره على ممرضة اسمها (دورثي) فيقع في حبها ـ مثّلت دورها الممثلة الأسترالية ” تيريزا بالمر ” ـ فتبادله الحب و يتفقان على الزواج و يعرّفها على أهله.

هي وجدت فيه شاباً صادقاً نظيفاً يتصرف على سجيته، ولكنه ليس غبياً. أثناء ذلك يتطوع (ديزموند) للإلتحاق بالجيش، بعد أن كان شقيقه (هال) قد تطوع قبله، رغم عدم رضا الأب عن ذلك، لأنه خاض أهوال الحرب بلا جدوى.

ولكن الشابين، الواحد تلو الآخر أدركا جسامة الخطر الذي يحيق بوطنهما أمريكا ، فتطوّعا. غير أن الفيلم لم يوضح لنا أين اختفى ( هال ) بعد أن يصف الأبُ مشهداً مرعباً من الحرب التي خاضها و يقول لإبنه (إغربْ عن وجهي) ، فيغرب، و يختفي، ولم يعد له ذكرٌ في الفيلم . و كان الشقيقان يكرهان أباهما ، لأنه كان كثير الإعتداء على أمهما عندما يثمل، و لأنه كان يضربهما (لأن الشمس أشرقت) و يضربهما (لأنها غربت) على حد تعبير (ديزموند) في حديثه مع أحد رفاقه في معركة (جبل هاكسو) . ذات ليلة ، حين كان صبياً ، يسأل ( ديزموند ) أمَّه : ( أمي ، لماذا يكرهنا الى هذه الدرجه ؟ ) ، تجيبه الأم : ( إنه لا يكرهنا ، هو يكره نفسه ، والدك ليس كما كان قبلاً ، ليتك تعرفتَ عليه كما تعرّفتُ أنا عليه قبل الحرب) ، ما يعني أن الرجلَ قد خرج من الحرب بخيبة انسانية كبيرة عجَنت حياته بالألم ، و هو ما يفسر امتعاضه من تطوع ولديه في الجيش لاحقاً .

تطوّعُ (ديزموند) في الجيش كان غريباً ، فهو أثناء وجوده في معسكر التدريب يرفض لمس البندقية ، معتبراً إياها أداةَ قتل ، و عبثاً يقتنع قادته في المعسكر بطروحاته ، صحيحٌ أن القائد الرئيس في المعسكر يرى أن الشاب يتصرف بصورة تكشف عن إيمان عميق و مختلف ، ولكن لا يمكن التعامل مع حالة كهذه إلا باعتبارها حالةً غريبة وشاذة لدى الجيش . و يُخيّر ( ديزموند ) بين أن يتدرب على حمل السلاح أو أن يُلقى به في السجن العسكري حتى نهاية الحرب .. و هي غير معروفة النهاية . و لم تنفع معه حتى توسلات ( دورثي ) التي تزوره في السجن و تقول له : ( لا تخلط إرادتك مع إرادة القدير) . و في المحكمة ، يسأله رئيسُها ـ بما معناه ـ إذا كنت تعصي الأوامر في المعسكر ، فلماذا تطوعت للخدمة في الجيش، فيجيبه : (لأنه عندما هجم اليابانيون على ميناء بيرل هاربر أخذت الأمر على محمل شخصي) ، ما يعني أنه التحق بالجيش بدافع وطني ، و هو ما يشيد به رئيس المحكمة .

من لحظة إنتهاء المحاكمة تبدأ الأحداث الجسام التي يخوضها هذا الجندي الباسل الذي عادل كتيبةً كاملةً في جَهده العظيم في معركة شرسة ، تلك التي دخلها في شهر مايو / آيار من العام 1945 بعد أن أن أنتهى الفصل الأول منها ، حين أبيدت فرقة أمريكية قبل شهر ، أي في شهر أبريل .

الفيلم مذهل من حيث التصوير ، بكاميرا الأسترالي ” سيمون دوغان ” ، و مدهش من حيث براعة المخرج في صناعة مشاهد المعارك التي تبدو كلمة ( شرسة ) ضئيلة أمامها . و قد تفوّق ” مِل غيبسون ” ـ المُقل في إخراجه ـ على جميع من سبقه في إخراج الأفلام الحربية ، بمن فيهم ” ستيفن سبيلبرغ ” في فيلمه ( إنقاذ الجندي رايان) . فيما كانت الموسيقى التصويرية التي وضعها ” روبرت غريغسون ـ وليامز ” ساحرة و هي ترافق الأحداث ، خصوصاً في المشاهد الأخيرة . و كم كان “أندرو غارفيلد” باهراً في تمثيله دور (ديزموند ) ، الشاب المؤمن ، الذي يبدو جباناً بليداً في ظاهره .. ولكن الذكي و الشجاع و المتماسك في دواخله .

ماذا كانت تعني هذه المعركة في الحرب العالمية الثانية ؟ حتى السابع من ديسمبر عام 1941 ، كانت أمريكا على خط المراقبة من أحداث تلك الحرب العالمية ، و لم تبد رغبة في أن تكون طرفاً فيها ، فيما كانت علاقتها باليابان قد أصبحت على خط الريبة ، و قد قطعت معها معظم خطوط التعاون ، و لم تبق سوى خط إمدادات النفط ، كي لا تثير استفزاز اليابان ، ولكن اليابان كانت تفكر باتجاه آخر ، فقد اتخذت من أمريكا عدواً لها في السر ، و هو ما لم تظهره في العلن إلا قبل ثلاثين دقيقة من اعتدائها على أمريكا . لقد كانت لدى اليابان طموحات في جنوب شرق آسيا ، لغرضٍ اقتصادي يتعلق بالموارد الطبيعية التي يقع النفط في مقدمتها ، و لكي تحقق هدفها في الجموح نحو تلك المنطقة كان عليها أن تزيح العقبة . تلك العقبة كانت متمثلة في القاعدة البحرية الأمريكية القائمة في ميناء (بيرل هاربر) في (جزر هاواي) ، فأرسلت اليابان ـ على دفعتين ـ 353 طائرة لتدمير الميناء الستراتيجي ، فدمرت تلكما الضربتان 188 طائرة أمريكية و أغرقت أربع بوارج و دمرت أربع بوارج أخرى و أسفرت عن مقتل 2402 شخصاً و جرح 1282 آخرين . تلك الفعلة اليابانية ، كانت تمثل مقتل اليابان عسكرياً على يد الأمريكان ، فعلى أثرها دخلت أمريكا الحرب ، لا للإنتقام من اليابان الغادرة حسب، بل لتغيير مسارها بشكل عام ،. فاليابانيون دخلوا الحرب بصورة مباغتة الى جانب آلمانيا وإيطاليا ليتشكل حلف (المحور) في مواجهة الحلفاء: بريطانيا والإتحاد السوفييتي (سابقاً ) و فرنسا ، و أمريكا لاحقاً . ولكن اليابانيين كانوا أشرس طرف في حلف (المحور)، فالإيطاليون بدوا عاطلين و غير فاعلين ، و الآلمان باتوا رتيبين في معارك تقليدية ، فيما اليابانيون ابتكروا طرقاً شرسة في الحرب تستمد مقوماتها من تاريخهم الشرس في الحروب . فـ ( الساموراي) يشكل الإرث البطولي الأسمى في وجدان المحاربين اليابانيين ، لذلك فأن المحاربين الذين وجدوا أنفسهم و قد خسروا معركة (جبل هاكسو) أقدموا على الإنتحار على طريقة ( الساموراي ) . إنهم لا يستسلمون .

في الحرب العالمية الثانية كان اليابانيون جميعهم ( ساموراي ) ، لذلك فقد تسببت اليابان في تشكيل عقدة عسكرية لدى الحلفاء لإنهاء هذه الحرب العالمية العبثية . فقد كان اليابانيون ـ مثلاً ـ لا يقصف طياروها بوارج قوات الحلفاء البحرية ، بل يضربون تلك البوارج ضربات انتحارية : الطيار و طائرته الحربية يضربون القطعة البحرية . فأسرع ذلك في التفكير الجاد لكسر شوكة اليابان بعد تدمير قوة آلمانيا المتسببة بتلك الحرب العالمية . من هنا وضعت أمريكا خططها لتدمير قوة تلك الدولة الشرسة . فبعد عام كامل من هجوم قوات التحالف ( في يونيو من عام 1944 ) على ساحل ( نورماندي ) و هزيمة آلمانيا و تقهقرها في فرنسا ، باتت علامة نهاية الحرب العالمية مرهونة بهزيمة اليابان ، و تلك هي المهمة التي تولّت أمريكا تنفيذها ، و في مقدمة هدف هذه الخطوة الإنتقام ُ من غدرها لأمريكا في عملية ميناء ( بيرل هاربر ).

بعد عام من عملية ساحل ( نورماندي ) توجه الجيش الأمريكي العاشر لتنفيذ عملية اكتساح الساحل الياباني في جزيرة ( أكيناوا ) التي ابتدأت من حافة جبل هاكسو . معركة ( جبل هاكسو) التي جسّدها الفيلم فقدَ فيها الجيش الأمريكي 30% من قواته ، فيما قُتل 150 ألف من سكان جزيرة (أكيناوا ) ، و معظم من تبقى أقدم على الإنتحار ـ على طريقة الساموراي ـ خوفاً من الوقوع في قبضة الأمريكان .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

إليكم رابط الفيلم :

?https://ok.ru/video/460858657482

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى