بهجة زراعة الأرز

د. محمود رمضان | أكاديمي مصري

لزراعة الأرز بهجة حقيقية، في وجه بحري، بالإضافة إلى بعض المناطق من الفيوم وما جاورها من صعيد مصر أيضاً.. يحكي لي صديقي الذي تخصص في مجال الزراعة كثيراً عن فرحة الأقبال على زراعة الأرز وموسمه السنوي وأهميته كمحصول للفلاح المصري.. كنّا نبيع ثلاثة أرباع ما نحصده، والربع الباقي جزء منه لنا وجزء آخر نهديه لأقاربنا في القاهرة، وأرزنا حباته متوسطة الطول، وطعمه شهي ولذيذ للغاية، ويختلف مذاقه تماماً عن الأرز الذي يباع في السوبر ماركت، فصنع أيدينا به البهجة الحقيقية.
تدري، تذوقت جميع أنواع الأرز الباكستاني والهندي والبخاري والأمريكي، فلم أجد أشهي من الأرز المصري، وخصوصاً من أرضنا العفية المروية بالحب.
بداية نكون قد جلبنا البذور من زرعة العام الماضي، ونقوم بتنقية البذور وتنظيفها وتشميسها ليوم كامل، منذ شروق الشمس حتى غروبها، والفرحة الحقيقية تبدأ بنزول الرجال أرضنا مع الشباب والصبايا لعزق الأرض (حرثها)، ويستغرق ذلك ثلاثة أيام، فلدينا عشرة أفدنة نزرعها أرزاً، ثم نترك الأرض لتحتضنها الشمس بنورها ودفئها ثلاثة أيام أخرى، ثم نسوي الأرض لتقليل كمية الماء المهدرة، وبعد ذلك نلقي البذور في خطوط طولية، تسير صفوف البنات في الأرض وينثرن البذور ويغنين أغنيات تراثية جميلة مشهورة في ريفنا.
في تلك الأثناء نعد ولائم لكل من نثر البذور في مزرعتنا، ونتناول طعامنا معاً في بهجة وود حقيقي، نحن أصحاب الأرض مع الفلاحين والفلاحات، جميعنا واحد، لا فرق بيننا، وهذه البهجة أغلى لدينا من ثمن المحصول، فلا أحد يشتري الحب والضحكة الحلوة حتى لو دفع فيها ملايين الجنيهات.
في اليوم التالي يأتي الفلاحون بماكينات الري، ونغمر الأرض تماماً بالمياه، وتعود الصبايا للمزرعة فرحة بالماء فيتقاذفن بعضهن بزخات منها ويلعبن ويلهون ببهجة وفرحة حقيقية، والقلوب كلها صفاء ونقاء واستبشار بمحصول وفير.
منذ هذه اللحظة نذهب للحقل للتأكد من كمية المياه المطلوبة لزرعتنا، ونستمر على هذا الحال نحو أربعة أو خمسة أشهر حتى نرى بأعيننا ثمرة تعب وجهد الجميع بنمو الزرع وتحوله إلى اللون الذهبي، هنا نوقف الري تماماً، ونصرف الماء ويجف الحقل تماماً، ثم تكتمل الفرحة بالحصاد.
كل فلاحي وفلاحات قريتنا يشاركون في الحصاد، وسط غناء الصبايا الجميل المبهج، ويتم فرش كميات من المحصول على جزء من الأرض وبالماكينات الحديثة يتم فصل حبيبات الأرز عن العيدان.
لحظات مبهجة حقاً للجميع، فاليوم يأخذ الفلاحون والفلاحات والصبايا أجورهم، منهن من تستعد للزواج، ومنهم من يريد أداء العمرة، ومنهم من اعتزم تسفير أبيه وأمه لأداء العمرة، وغيرهم يعتزمون شراء غرفة نوم جديدة وستائر وأجهزة كهربائية جديدة، فرحة الجميع تفيض من قلوبهم لعيونهم وشفاههم، لتغمر الجميع بالرضا والنور والبهجة.
ثم نبيع ثلاثة أرباع المحصول، ونحصل على المال الوفير، نتصدق بجزء منه يوم بيع المحصول على فقراء قريتنا، وهذا سر البركة في محصول أرضنا عن أراضي جيراننا، السر في رسم البهجة في القلوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى