رواية المطلقة والمجتمع التقليدي

حسن إبراهيمي | المغرب

صدرت رواية المطلقة للأديب الفلسطيني جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء في حيفا عام 2020، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله في 192 صفحة من الحجم المتوسط.
أعتقد بأن أهم فكرة تمحورت حولها مضامين رواية المطلقة هي فكرة الحفاظ على المجتمع التقليدي في فلسطين من قبل الصهيونية من أجل منعه من التحرر منها.
ومن هنا جاءت مجموعة من الأحداث تحمل ظواهر اجتماعية سائدة في فلسطين، بحيث شملت مواقف ترعاها الصهيونية من أجل القدرة على تغلغلها داخل بنى تقليدية في فلسطين، ومن أجل منع تسريع التأثير على الوعي الجمعي الفلسطيني، وبالتالي منع دفعه نقد ومعارضة السياسات التي تمارسها الصهيونية بواسطة مختلف أجهزتها داخل فلسطين.
من هذا المنطلق جاءت هذه الرواية من أجل أن تنبهنا إلى مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي تكبل المجتمع الفلسطيني، وتؤطر السيرورة التاريخية له اجتماعيا، ثقافيا، وسياسيا.
وكما هو متعارف عليه فبما أن هذه الظواهر تحتضنها المؤسسات وترعاها، لذلك جاءت مؤسسة الأسرة موضوع سؤال من حيث التركيز على شروط الزواج، وذكر بعض أسباب الخلافات بين الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق.
وفي هذا الإطار تطرح الرواية مسار العلاقة الزوجية المبنية على التناقض بين مواقف الزوجين، ونتائج ذلك، وعليه أعتقد أن السارد يود أن ينبهنا إلى أسباب فشل بعض العلاقات الزوجية، من أجل أن نسائلها؛ لتجنب الطلاق.
إنه بسبب ذلك ينبغي تأسيس علاقات مبنية على التفاهم، لتجنب الطلاق ونتائجه.
لهذا أرى ضرورة طرح قضية أخرى تندرج ضمن نفس السياق، حيث هيمنة المجتمع الذكوري، والتعامل مع المرأة على أساس أنها كيان غير منتج، كيان تابع للرجل، ولتقديم بديل لهذا الطرح أرى ضرورة تأسيس علاقات رفاقية، والتفاهم حول أغلب المواقف ذات الصلة بالعلاقات الزوجية، كل ذلك يشكل مدخلا لتحديد شروط نجاح العلاقات الزوجية، وتحديد مسارات هذه العلاقات قبل الإقدام على التعاقد، إذ ينبغي التريث قبل الإقدام على فتح علاقة زواج يجهل الطرفان مصيرها .
ضمن نفس السياق يطرح السارد ظاهرة التكفير الجديدة القديمة في المجتمع الفلسطيني من أجل أن يلفت انتباهنا إلى ضرورة اكتساب وعي نقدي تجاهها، كل ذلك من أجل منع الشباب الفلسطيني من الانخراط في صفوف التكفيريين، وبالتالي من أجل منع خلق تناقض ثانوي في المجتمع الفلسطيني يمنعه من طرح التناقض الرئيسي داخله، ويتعلق الأمر بالتناقض الذي يجمعه بالمحتل، ومن هنا أعتقد أن السارد يود أن يدفع كل المؤسسات الفلسطينية من خلال مؤسسة الأسرة إلى الانخراط في الحوار الوطني حول هذه الظاهرة من أجل تحديد موقفها منها، وللوقوف عند أسبابها، وبالتالي العمل على وضع حد لها.
على اعتبار أن ممارسة العنف مرفوض، كما أن التعصب ينبغي نبذه، ذلك أن هاتين الظاهرتين تتناقضان مع ما جاء في الدين الإسلامي، أيضا تتناقضان مع ما جاء في بنود بعض المواثيق الدولية، ومن هذا المنطلق فما على المؤسسات الفلسطينية إلا الانخراط في نقاشات حول ظاهرة التكفير، من أجل الوقوف عند أسبابها، ووضع حد لانتشارها؛ بسبب ما يخطط له من شرعنتها داخل مجتمع يتوق إلى الحرية والانعتاق، ولن يتأتى ذلك إلا بتثبيت دعائم الديموقراطية، والانخراط في نقاشات من منطلق الإيمان بحق الآخر في الوجود، وفي حقه في التعبير عن الرأي بحرية، وكل ذلك ينبغي دعمه من قبل الفصائل الفلسطينية اليسارية، والديموقراطية التي تؤمن بالحق في الاختلاف، ونتتحمل مسؤوليتها التاريخية في تقديم إجابات لأسئلة ذات صلة بالموضوع.
إذا كان الأمر كذلك، فإنه ينبغي الإشارة إلى كون السارد دعم مجموعة من المواقف ذات الصلة بالزواج والطلاق بمرجعية دينية، حيت تضمنت الرواية العديد من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي تدعم مجموعة من المواقف ذات الصلة بالزوج أسامة من منطلق الفهم الخاطئ للدين، بحيث شكلت مواقفه التكفيرية سبب فشل علاقته بزوجته جمانة ذات المواقف المعتدلة، ومن هنا أعتقد بأن السارد أراد أن ينبهنا إلى التناقض السائد بين موقفين من خلال الاختلاف السائد على مستوى فهم المرجعية التي ينهل كل منهما، ويؤسس لمواقفه، وما الموقف من الزواج إلا موقف ضمن العديد من المواقف من اظواهر الاجتماعية المختلفة التي يفرزها المجتمع بشكل مستمر.
ومن هنا أعتقد أيضا أن السارد أراد أن ينبهنا إلى منع تربية الناشئة من منطلق التكفير والتعصب في المجتمع، وبالتالي من أجل وضع حد للاستقطاب، ومنع دفع الشباب للانخراط في معركة وهمية الهدف منها تأجيج الصراعات بين الشعب الفلسطيني ومنعه من تأسيس شروط الوحدة ومقاومة المحتل على أساس برنامج حد أدنى من أجل التحرر.
في هذا الإطار لاحظت عدم تضمين الرواية المرجعية الكونية لحقوق الإنسان على اعتبار أن المواثيق الدولية تتضمن مجموعة من الحقوق ذات الصلة بالأفراد والجماعات، خاصة بعض البنود ذات الصلة بحقوق المرأة بسبب اضطهادها داخل المجتمع، ومن ثم من أجل تنوير المجتمع الفلسطيني بمجموعة من المواقف ذات الصلة بتحرر المرأة، وبالتالي ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل المصادقة عليها لإعادة الاعتبار لها، ودفعها للانخراط في بناء اقتصاد وطني منتج، يشترك في بنائه الجميع، ويستفيد منه الجميع.
لقد فضل السارد الاقتصار على مرجعية دينية، كما أن المجتمع الفلسطيني غاب فيه النقاش بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، وأعتقد أن سبب ذلك راجع الى رغبة السارد في لفت انتباهنا الى خطورة المواقف التكفيرية، وبالتالي ينبغي التصدي لها.
أيضا ينبغي الوقوف عند ظاهرة الشعوذة كظاهرة تنخر المجتمع الفلسطيني، هذا واذا نجحت الرواية في طرح هذه الظاهرة للنقاش، فإنها لم تحسمه لصالح تنوير المجتمع بطرح بديل لها، والتركيز على إيجابياته، والتأثير في الوعي الجمعي الفلسطيني للتخلي عنها على الرغم من ورود بعض نتائجها، ويتعلق الأمر بالخيانة الزوجية، وما يمكن أن يترتب عليها من طلاق.
ومن جهة أخرى أعتقد بأنه ينبغي توضيح الخلفيات الثقافية التي تكمن من وراء تضمين الرواية مجموعة من الأمثال الفلسطينية، وضمن هذا الإطار أعتقد بأن السارد أراد أن يعيد الاعتبار للثقافة الشعبية الفلسطينية بكل مكوناتها، وبالتالي العمل من أجل دفع المؤسسات الفلسطينية إلى إعادة الإعتبار لهذه الثقافة الشعبية وإحيائها وتدوينها لما لها من ارتباط بالشعب الفلسطيني، وتوظيفها في إطار جبهة ثقافية لمقاومة المحتل، لهذا وظف السارد الأمثال الشعبية ضمن الرواية؛ من أجل تمرير موقف التحرر من الكيان الصهيوني لكل الفئات الاجتماعية، حيث فضل السارد الاستعانة بها من أجل تبسيط مضامين الرواية، على الرغم من كون أسلوبها بسيط، وبالتالي من أجل القدرة على انتشار الرواية والتأثير في الوعيين الفلسطيني، والعربي بهدف تغيير مجموعة من السلوكيات، والمواقف في المجتمع العربي الفلسطيني، وبالتالي أيضا من أجل أن ينخرط المجتمع في بناء الإنسان والاقتصاد في إطار عملية البناء لغد أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى