نوستالجيا الدكتور عبد الله النفيسي

د. خضر محجز | فلسطين

كل نظرية اجتماعية كلية أنتجها ظرف تاريخي خاص، نسميها علاقات الإنتاج: بمعنى أن أدوات الدنيا في زمن ما هي ما أنتج هذه المقولات.

وحين تتبنى جماعة سياسية هذه المقولات، فهي في الحقيقة تحاول أن تغير المجتمع الحالي، ليتطابق مع صورة المجتمع الماضي، الذي أنتج هذه المقولات (اللازمنية)، مغفلة عوامل التطور التاريخي.

إنها تريد من الأمس أن يرجع، لأنها تراه الزمن الكلي، الذي يجب أن يتوقف عن التدفق، عند نقطة تراها هي الضوء. 

إنها تريد تثبيت الحياة عند لحظة، لم تعد ظروفها تتوافق مع ظروف اليوم.

نلكم هي الأيديولوجيا، التي تسميها الفلسفة وعياً زائفاً

إنها وعي زائف لأنه يتبنى مقولات تعارض المصلحة العامة، وغير قادرة على التحقق. وإن تحققت بالوصول إلى السلطة، فسوف تتنازل عن بعض مقولاتها، دون أن تعترف بقوة الزمن.

حين يغادر الأيديولوجيون بنية الجماعة، يصطبغ اكتشافهم هذا بكثير من بالمرارة والندم، على حصيلة عمر يخشون من الاعتراف بأن حصاده كان هشيماً.

لهذا تراهم ـر في كل حوار ـ يتشبثون في يأس بالمقولات، وينسبون الفشل إلى بنية الجماعة التي حملت المقولات.

لقد حلموا أن يكونوا ثواراً، فأقعدتهم ضآلتهم، فالتفتوا ـ في لحظة الخزي العظيم هذه ـ إلى ما كانوا عليه بكثير من الحنين المفقود إلى ما لا يكون، وتمسكوا بما تبقى لهم من سيرة الجميلة التي تخلعت أسنانها.

مثال ذلك الدكتور عبد الله النفيسي، الذي غادر الإخوان ملقياً باللوم على قيادة الجماعة، ثم اضطرب في كل لقاء فكري معه، حين حاول أن يقدم نفسه ثائراً على أفكار الجماعة، فرأيناه مؤمناً بكل ما قالته الجماعة، مع إنكاره لتصرفات قيادتها، التي أخفقت ـ في نظره ـ في تحقيق الفكرة وتطبيق المقولات.

وهذا يعني أن الدكتور النفيسي لو أتيح له أن يتولى قيادة الإخوان المسلمين، لما غادر الجماعة، ولغير وجه التنظيم الحزبي، بما ينتج تطبيقاً أفضل للمقولات.

“المقولات صحيحة، والقيادة فاشلة” هذا ما يريد قوله النفيسي في كل حوار.

فعبد الناصر لم يفعل حسنة واحدة، لأنه أعدم سيد قطب.

وأم كلثوم ـ في نظر النفيسي ـ بائعة فن رخيص، لأنها مدحت فاروق، ثم بقيت بائعة فن رخيص حين انتقلت إلى مديح ناصر. ويبدو أنها ظلت بائعة فن رخيص، حين جابت الدنيا تصدح باسم مصر الجريحة، وتدعم المجهود الحربي…

والسادات كان سياسياً محنكاً، لا لشيء إلا لأنه كره تجربة ناصر، ونقضها حرفاً حرفاً؛ وربما لأنه سامح الإخوان في كراهيتهم لمصر.

وحرب أكتوبر كانت حرب تحريك زائفة، ليس لأن السادات قادها، بل لأن الإخوان لم يقودوها، ولو قادوها لربما كانت أفضل في نظر النفيسي.

إن النفيسي غادر تنظيم الإخوان، ولم يغادر فكرة الإخوان، ثم يقول إنه غادر! كأنه يريد منا أن نقتنع بأنه هو الفكرة.

حسناً فلقد كنت الفكرة يا دكتور. ولكن أتدري ما هي فكرة الأفكار عندك وعندهم؟

كراهية ناصر ورموز مرحلته: من السد العالي، إلى تأميم القناة، إلى انتصار بور سعيد في 1956، إلى الإصلاح الزراعي، إلى تصنيع مصر وتعريب وعيها الذي هددته الفرعونية الناهضة، إلى تنويع مصادر السلاح، وتطوير قدرات جيش إبراهيم باشا، إلى عبد الباسط، وتحرير أفريقيا، وتزعم حركة التحرير في العالم الثالث، ووضع الفقراء على قدم المساواة مع الأغنياء على الساحة الدولية…

كل ذلك ما يزال الدكتور النفيسي يكرهه، ويحنّ إلى ما يحنُّ إليه الذين ماتوا من عجائز الإخوان.

الدكتور النفيسي حر في أفكاره، ولا شك، لكنه ليس حراً في القول بأنه غادر جماعة الإخوان المسلمين.

إن أيقونة الانتماء للإخوان المسلمين كانت وما زالت كراهية مصر وناصر.

فإن لم تصدق، فتكلم عن مصر بخير، ثم حدق في وجوه الإخوان حيثما كانوا، خصوصاً المصريين منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى