حديث الغريب.. أصداء الرحلة (11)

سوسن صالحة أحمد | سوريا – كندا

التواصل الاجتماعي ضرورة معرفية، لازمة لتأكيد تشكيل المجتمعات، من صديقين يلتقيان في مقهى، عائلة تلتقي لصلة الرحم واعتبارات أخرى لا تخلو من محبة واشتياق، مجموعات تلتقي حول فكرة في مأدبة ثقافية، التواصل يفضي إلى تمتين العلاقات غالباً، أو على الأقل هذا هدفه المُعلن، في الحرب السورية أضحت اللقاءات جميعها تدور أحاديثها مخمورة بالواقع، وفي ضجة الانقسام مابين مؤيد ومعارض، ولا أدري لليوم صراحة التأييد أو المعارضة، هل قصدت أشخاصاً أم أحداثاً، وجهات النظر كثرت وفاضت عن الحاجة، كذلك الآراء والتحليلات، لنقل بالأصل أن التواصل كان أقل بكثير من أيام ما قبل الحرب، الأسباب كثيرة، فرض الحظر في أيام الجمع، المسافات التي طالت بسبب الحواجز الأمنية وما تستهلكه من وقت، أخطار القناصة في الكثير من الطرقات، طول الطرقات بعد سد كل الطرق الفرعية والصغيرة وإبقاء الطرق الأساسية والكبيرة والتي يسهل مراقبة حركة المرور فيها من قبل أجهزة الأمن والحواجز، وبحزن كبير.. غلاء المعيشة الذي كان كل يوم في علو والمداخيل لم تختلف وخصوصا لأصحاب الدخل المحدود مما يجعل الكرم وهو عادة متأصلة في أهل سوريا عموماً في حرج كبير، إلا أن التواصل لم يتوقف نهائياً، غير أنه أصبح بطعم آخر حين يحصل، أصبح بطعم الخلافات إثر اختلافات وجهات النظر في الواقع المر الذي تعيشه سوريا، في نقاشات عديدة حضرتها ولم أشارك فيها إلا بقدر قليل قبل أن أمتنع نهائيا عن الخوض في أي نقاش مع اي أحد، صرت أرى مفهوم الوطن من منظورات عديدة.
التاجر:” إنهم يفرضون ضرائب عالية تنهكنا ولا يسمحون بالاستيراد أو التصدير إلا تحت شروط قاسية قد تساوي خمسين بالمئة من أرباحنا، نريد أنظمة رحيمة بنا.”
الذي يحلم بدولة إسلامية:” إنهم لا يطبقون الفقه الإسلامي وتعاليم الإسلام لأنهم يسيرون باتجاه العلمانية وهذا مضيعة للأجيال وللدين، نعم نريدها إسلامية.”
الذي يحمل توجهات يسارية أو علمانية:” يكفي أن يكون هناك بند في الدستور أن هناك دين رسمي للدولة ليكون هذا إجحافا بحق أهل الديانات الأخرى والأقليات، نحن نريدها علمانية يتساوى فيها الجميع تحت ظل القانون.”
الإنسان البسيط :” لقد خرج جميع من أعرفهم في المظاهرات ومن المعيب أن أخالفهم.”
المثقف الحقيقي:” الحل لهذه الأزمة في الحوار الشفاف بين المعارضة والنظام، إسقاط النظام يعني خراب مؤسسات الدولة.”
إنسان بسيط آخر:” ليكنا عايشين لشو هالخراب كله.”
إنسان بسيط آخر ولكن له نظرة واثقة وفي أول حراك لما سُميَّ ثورة قبل خروج بعض المثقفين في المظاهرات:” اشتهيت شوف شي مهندس أو طبيب أو فنان أو اسم ألو وزنه وسمعته بهالمظاهرات.”
مثقف سياسي:” ما هذا الأبد الذي فُرِضَ علينا، ماذا يعني أن يحكم البلد حزب واحد منذ أكثر من خمسين عاماً، نريد دولة فيها تعددية سياسية وحزبية.”
هذا غيض من فيض بما أسعفتني ذاكرتي من الآراء، على أن هناك رأياً اعترف به الحكام على خجل ضمن أحداث المرحلة كي لا يقال أن الحرية السياسية غير مكفولة في البلد، وهم موجة جديدة تشكلت ضمن مجموعات مختلفة وتحت أسماء عدة، إلا أنها جميعها اشتركت على أن التغيير يبدأ بانتقال مرحلي للسلطة وبانتخابات جديدة، وحين لم يُسمع صوتهم طالبوا بأن حل المشكلة السورية يجب أن تكون بأيدي سورية دون أي تدخل خارجي ضمن حوارات مفتوحة تنتج توافقا بين أطراف النزاع، أيضاً غُيِّبَ المطلب والصوت بعد محاولات فاشلة،هؤلاء أطلِقَ عليهم اسم الرماديون لأنهم لم يختاروا أن يكونوا معارضة مسلحة ولم يختاروا أن يكونوا صوتاً للحكم،وأخبرتك أني كنتُ منهم، هكذا.. واستمر الجنون يشق صدر سوريا كما شقت الأمهات أعبابها وصرخت من ويلات الفقد المجاني الذي لم يسفر إلا عن خسارة الطاقات الشبابية في البلد إما عن طريق تجنيد معظم الشباب أو عن طريق هجرة الأغلبية أو فقدهم في هذه المهزلة، وعن خراب الكثير من البنى التحتية والعمارة المسكونة بأشكال عدة، براميل تسقط على المناطق السكنية في ملاحقة الجيش النظامي لأماكن تجمع الجيش الحر(هكذا قيل )، أو بمدافع الجيش الحر تقصف مناطق تجمع الجيش النظامي، وكثيرا ما كانت تقع القذائف التي لا يُعرَف مصدرها على أهداف خاطئة فتحصد الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا، هذا ما حصل مرة في باب توما وعن طريق إصابة أخطأت الهدف مات الكثير من العُزَّل وكان أن فقدتُ أصغر اخوالي محمود أبو نزار بين من فُقِدوا في هذا الحزن.

صديقي
سوسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى