حوار بين شاعرين فلسطينيين هاشم شلولة وأدهم العقاد (وجها لوجه)

يقول أدهم العقاد في تغريدة له: (إن حياتي تبدو مبتورة وبلا فائدة، اكاد أجزم أن أحدهم قام باستبدالها بواحدة أخرى لشخص قضى معظم أيامه من حمام المعتقل إلى الزنزانة. لا يسمح له بتحسس الضوء، ولا يسمع شيئًا سوى ارتطام بوله في المرحاض، وخطوات السجان حين تقرع في رأسه كالطنين.. أعتقد أنني من خلال ما عشت في آخر أشهر مررت بها أن الله لم يخلق الوجود من فراغ، لم يخلقه لاختبار مدى إيمان المرء وإنما خلقه كإحدى الدوافع التي فرضها على نفسه لقضاء وقت ممتع. ما أعنيه أن البكاء ذروة الشعور ومن نال في يومه ساعةً واحدة من البكاء قد يشعر بالرضا الالهي على نفسه. فبكوا، فالبكاء ليس عيبًا ولا ضعفًا وإنما إحدى الإشارات التي ينتبه إليها الرب بكامل ما بلغ من حكمه. ابكوا فالبكاء ماركة صحية، وعلاج لخيبتنا من الوجود).

فإلى الحوار……..

س: من هو أدهم العقاد بشكل بيوغرافيك صغير؟ وكيف يشكل عالمه؟

ج: أدهم عبد الرحيم مصطفي العقاد، مواليد الواحد والثلاثون من ديسمبر عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين، من محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة.

أمّا بالنسبة لتشكيل عالمي؛ فالكون بشكل عام هو عبارة عن عدة عوالم، وداخل كل عالم عوالم أخرى، وكذلك الإنسان. أنا مثلًا؛ لديَّ عدة طقوس ترتقي إلى أن تكون عوالم. أهمّها؛ ما يُسقِطه المجاز على مساحة النص الأدبي خاصتي الشاسعة شساعة هذه الطقوس.

***

س: يقول “غاستون باشلار”: “إنَّ وظيفة الشعر الكبري هي أن يجعلنا نستعيد مواقف أحلامنا..” ماذا يشكل الشعر بالنسبة لك؟ ومين أين تأتي به؟ وما هو مفهومك له؟

ج: الشعر يا عزيزي بالنسبة لي فتات من الجنة وقوالب من الجحيم، ولك الحرية فيما إن كنت ستؤمن بمفهومي أم لا. لكن الآن، وبينما تدور جُلّ مفاهيمي حول صعلكة الأدب، فهذا ما يشكله الشعر بالنسبة لديّ.

أما عن شِقّ الإتيان به:

فإنّي آتي به من الجوع والبرد، من اشتعال الحب في نفسي، من طاحونة الذاكرة، من وجوه الصعاليك، من بائعي الرصيف، من السيدات الناضجات من الحرب، وما خلّفته أربعة فصول من الدم. 

مفهوم الشعر، فقد أخبرني ذات مرة أحد أصدقائي حين أنتهى من كتابة النص أشعر بنشوةٍ غريبة، لذا؛ فالشعر عملية استمناء حدسي تؤدي بنا إلى تلك النشوة. الاختلاف بيني وبين ذلك الصديق هو أنَّ الشعر بالنسبة لي عملية استمناء فاشلة، وفي اعتقادي أنَّ الفشل في العملية هو المُحرِّك الدائم للرغبة في استغلال أيّ مفهوم عابر من اللغة في الشعر.

***

س: ما مدى علاقتك بالمصنفات الأدبية (أو ما يشبه هوية النص)؟ وكيف تنظر لها من وجهة نظر مرحلة انطلاقك نحو عالم الأدب؟

ج: سأكون كاذب لو قُلت لك؛ أنَّني أحب الرواية بجميع أصنافها؛ أُحبّ الروايات التي تختصر زمنًا بعينه لا الروايات التي تتنقل بين الأزمنة، اندفاعي الشديد دائمًا ما ينصب داخل قالب القصة القصيرة والنثر. أما عن عوالم ما أكتب الهووية وخصوصًا الشعر، فأنا لا يعنيني كثيرًا مشهد تصنيفه نوعيًا وفق التكنيك الشعري بقدر ما يهمني إسقاط الحالة الإنفعالية الحقيقية والمجردة في النص.

***

س: حدثنا عن مجموعتك القصصية (حين تموت العصافير لا تفكروا في إيقاظها) والتي ستُنشَر قريبا؟ ولماذا اخترت هذا العنوان؟ وما هو شكل المحتوى؟ وما هي الخطوط العامة للمجموعة؟ ولماذا ذهبت للقصة؟

ج: “حين تموت العصافير لا تفكروا في إيقاظها”. اخترت هذا العنوان لأجل إيصال فكرة معينة، وهو اختصار لست كلمات هي: “إن قتلت حلم شخص، فاقتل صاحبه” ولعلَّك الآن أدركت المعنى الدفين الإنتقام بالإنتقال إلى المحتوى يا عزيزي؛ فمعظمه يتطرق إلى إنسانية الإنسان كأعمق مستوى للدلالة عليه بتجرُّد وانسياب عَذبيّن.

حاولتُ قدر المستطاع أن أُجَمِّل أقبح نساء الأرض غزة داخل المجموعة، لكنّي فشلت، فأربعة حروب كفيلة أنّ تُبدِّل الحبر بالدم. تحدثتُ عن خان يونس وشوارعها، عن بائعيها البسطاء، عن علاقات الحب الفاشلة، عن الحرب، عن الكثير مما مررت به ويمُرّ به معظم الشباب المسحوق، والذي أهلكه الوعي، وما يناهضه في بلادنا المُتعَبة. 

***

س: ما مدى ارتباط المشهد الفلسفي بقصيدتك؟ وما هي القصيدة الجيدة من وجهة نظرك؟ كذلك؛ بأيِّ عين يرى الفكر الأدب؟

ج: أخاف الفلسفة؛ على الرغم من أنَّ بعض النصوص الشعرية التي أكتبها تحوي بين طواياها فلسفة ما، عدا عن أنني لا أدرك سبب خوفي منها.

القصيدة الجيدة؛ هي القصيدة التي تُعيدني بلُغتها الشاعرية المحضة إلى حدث أو تُنبئني بأخر.

***

س: المكان بكل ملامحه هو مدى طويل للتأمل، تحيط بنا الأشياء ولكنها دائمًا تترك أثرًا عميقًا في الحدس دون انتباه مباشر ولا يشبه أثر الفراشة. الغرفة، الأسفلت، المقعد، السرير، وعوالم مكانية أخرى كثيرة… ما هو موقع هذه الأشياء من الوجود في قصيدتك؟ وكيف توظفها؟ 

ج: المكان دائمًا يُشكِّل عمودًا فِقريًّا للقصيدة، لأن القصيدة دون المكان هي قصيدة مُقعَدة، ولا تستطيع الحركة. لذا؛ المكان هو قصائدي.

كيفية التوظيف مُرتبطة بشكل انفعالي، ومدى تأثير المكان حسب المعايير الإنفعالية التي تُستخدَم كمسوِّغ لكتابة قصيدة.

***

س: هناك جدل واسع لا ينضب، عميق ومُتشعِّب والتباسي حول قضايا الإنسان الكبرى، هناك أسئلة، وهناك الكثير من القضايا الوجودية المكتنزة بالتأويل… هل من الممكن توظيف الفن كمشهد حلولي لهذه الأزمات العملاقة؟ وما هي المهمة المنوطة بالفن برأيك؟

ج: الفن لا يكون حلًّا ولن يكون، إنما يشكل في هذا السياق مجرد أداة لتجميل الأزمة مما يسمح لنا كمأزومين بالتعايش معها وخلق حالة انسجام بيننا وبين هذه الأزمات الكبرى. عدا عن أنَّ هذه الإجابة تضمن الشق الثاني من السؤال.

***

س: يقول الفرنسي “رولان بارت”: “الكتابة جافّةٌ، بليدةٌ، إنها نوع من مرداس، تمضي غير آبهة، وبفظاظة، وبدلاً من أن تنحرف عن حتميّتها (اللغزية على كلّ حال)، قد تقتل “الأبَ، الأم، المحبوب”. عليّ حينما أكتب، أن أعود إلى هذه البديهية (التي تمزّقني، حسب ما أتخيّل): لا رفقَ في الكتابة، بل، بالأحرى، رعبٌ: تخنق الآخر، الذي يقرأ فيها، وهو بعيد عن أن يدرك فيها العطاء، تأكيدَ السيادة، والقوّة، والمتعة، والعزلة. ومن ثَمَّ مفارقة الإهداء القاسية: أريد، بأي ثمن، أن أقدِّم لك ما يخنُقك.” .. لماذا تكتب؟

ج: أكتبُ لأتنفس، لأُمارسني وأُضَيِّعني ثم أجدني كمُحاكاة لضياعي الحقيقي الذي لا أجدني فيه. أكتبُ لأنمو كمحاولة لمحو ركود نموي في الواقع. أكتب لأنسى الخلل الذي تبعثه الأشياء في نفسي كأثر رجعي للتأمل.

***

س: كيف توظف انفعالاتك في النص؟ وهل تفضل النص المنثور أم المشعور؟ ومن شاعرك المفضل؟ ولماذا؟

ج: أوظفها بشكل غير مقصود أو منظم، أي عشوائي كحياتي.

أُفضِّل النثر بكل أنواعه وأشكاله، وأكتب قصيدة النثر.

شاعري المُفضَّل مُظفَّر النواب، محمود درويش لا يمكنني تفضيل أحد منهم عن الآخر.

***

س: تحدث ما شئت عن الشعر؟

ج: الشعر هو حكاية التكوين الجمالية، المُصاغة بفنية عالية وإحساس عميق عُعمق الإستعارات. الشعر هو البديل الأوحد للحياة البائسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى