يوميات فلسطيني في بلاد العم سام (الحلقة الأخيرة)

جميل السلحوت | القدس العربية

بورتوريكو مرّة أخرى

           بعد الزّفاف سافرت وابني قيس وابنتي لمى لزيارة أخي محمّد في بورتوريكو، كانت زوجته حليمة وأبناؤه ماري وحسين وسائد قد التحقوا به في العام 1994، في حين أن ابنه كمال التحق به في العام 1982، وجدت  أخي محمّد قد ابتاع بيتا جميلا من طابقين على قمّة جبل، حوله حوالي عشرة دونمات، مزروعة بالحمضيّات بطريقة هندسية لافتة، من المدخل الرئيسيّ للأرض تحفّ بالشّارع أشجار تشبه النّخيل، وجدت أن أوضاع أخي محمّد قد أصبحت في أحسن حال، فهو يملك أربع محلات نوفوتيه لبيع الملابس الجاهزة، وكلّ محلّ في مدينة يديره واحد من أبنائه، ويلتمّ شملهم في بيت الوالدين مساء كلّ سبت، يقضون الأحد سويّة، كما أنّه يمتلك عددا من العقارات التّجاريّة المؤجّرة والتي تدرّ عليه دخلا كبيرا، أخي محمّد رجل أنيق يختار ملابسه بعناية، ويهتم بقيافته، دار بنا في جميع أنحاء بورتوريكو تقريبا، ذات يوم ونحن نتناول طعام العشاء في مطعم سمك على شاطئ البحر، كانت صغيرتي لمى تتّكئ على السّور الكاسر للأمواج بجانبنا، تضحك قهقهة، ولمّا سألتها عن سبب ضحكها أجابت بأنّها تضحك مع السّمك الذي تقذفه الأمواج بين الصّخور الاصطناعيّة! ويحاول العودة مرّة أخرى إلى البحر، فأجبرتنا على مشاركتها فرحتها وضحكها الطفوليّ الآسر.

مصارعة الدّيكة

          في بورتوريكو شاهدت مبارزة الدّيكة الوحشيّة، حيث يُلبسون مخالب الدّيكة مخالب معدنيّة، ويدرّبونها على القتال، تنتهي المبارزة بقتل أحد الدّيكين للآخر، ومصارعة الدّيكة يعتبرونها رياضة وطنيّة، وقد حدّثونا عن رجل يربّي الدّيكة لهذه الغاية التي تكرهها زوجته، وذات يوم عاد إلى بيته مخمورا، طلب من زوجته أن تذبح له ديكا وتطبخه، فلبّت له طلبه، ولما خرج ليتفقد الدّيكة وجدها قد ذبحت الدّيك المقاتل، فغضب وأطلق عليها الرّصاص فأرداها قتيلة.

         في غالبية مدن بورتوريكو هناك مساجد بنيت في غالبيّتها بتبرّع وبمبادرة من السيد عزات حسن بدران، ابن بلدة عنبتا في شمال الضّفة الفلسطينيّة، ويعينّون بها أئمّة غالبيتهم من الإخوة المصريّين، وهناك مأذون مخوّل بعقد قران الزّواج من محكمة عمّان الشرعيّة.

        شاهدت بيتا جميلا لشخص ينحدر من أصول كوبيّة، ومولود في سوريّا، تحت البيت قطعة أرض مزروعة بالتّين، أهل تلك البلاد لا يعرفون التّين، بل يعتبرونه ثمرة سامّة، وأكثر ما يسعد صاحب البيت هو أن يرى العرب يتسلّقون الجدار؛ ليأكلوا ثمار التّين، بعضهم يقطع غصنا ويزرعه في حديقة منزله، كما فعل أخي محمّد، وكنت بصحبة أبي مشهور الذي أراد قطع غصن فكسر نصف الشّجرة، وصاحب البيت ينظرنا من شرفة بيته، وليسترضيه أبو مشهور فقد رفع علامة النّصر وقال يعيش كاسترو، والرّجل من معارضي كاسترو وغاضب لتحطيم شجرة التّين، فأشار إلى عدد من الدّيكة في الحقل وقال:

 انظر إلى ذلك الدّيك المقاتل…إن عقله أكبر من عقلك!

الحادي عشر من سبتمبر

           في 11-9-2001 جرى تفجير برجي التّجارة العالميّة في نيويورك بواسطة الطائرات المدنيّة التي اختطفها انتحاريّون من تنظيم القاعدة، والتي أحدثت ردود فعل واسعة أقلّها احتلال أفغانستان وتدميرها، وقد استغلتها طاحونة الاعلام الصهيونيّة والغربيّة لمهاجمة العرب والاسلام والمسلمين بشكل كبير، وأصبحت علامة فارقة في التّاريخ الحديث يؤرخ بها “قبل 11 سبتمبر وبعد 11 سبتمبر” وبعد يومين من التّفجير الارهابيّ اقتحم رجال الـ اف.بي .آي بيت أخي داود في منتصف الليل بحثا عنّي وعن أبنائي، كانت لمى نائمة، كانوا مهذّبين، طلبوا وثائق سفرنا، لم يوقظوا لمى من نومها، واكتفوا بالقاء نظرة عليها، سألونا عدّة أسئلة وغادروا المكان.

     عندما عاد راتب من ميامي، أخبرنا أنّهم اقتحموا غرفة الفندق الذي كان هو وعروسه فيه وحقّقوا معه أيضا.

الفارابي وجابر بن حيّان

         كنت جالسا أمام محلّ شقيقيّ دواد وراتب في شيكاغو، بصحبة رجل اسبانيّ دخل أمريكا تهريبا، ويعمل ميكانيكي سيّارات، مع أنّه خريج كليّة التّجارة في بلده، كانت قبالتنا صيدليّة، فأشار إليها وسألني:

من أين أتى اسم الصيدليّة بالانجليزيّة؟

فأجبته: ربّما مشتق من اللغة اللاتينيّة.

 ابتسم الرّجل وسأل ثانية: هل سمعت بطبيب فيلسوف عربيّ اسمه الفارابيّ؟

 فأجبت: نعم.

فقال هذا الرّجل أي الفارابيّ كان يحضر الدّواء لمرضاه، ويوصيهم بأنّ هذا الدّواء مفيد لحالتهم المرضيّة، وقد يكون سامّا لغيرهم، ويرسم صورة الأفعى على زجاجة الدّواء، كي لا يتناوله الآخرون، والصيدليّة باللاتينيّة مأخوذة من كلمتين تعنيان بيت الفارابي…وشعار الصيدليّات الأفعى تقليد واقرار لما فعله الفارابيّ.

       سألته عن مصدر معلوماته فقال، بأنّه درسها في الجامعة، وأضاف:

أنتم العرب كنتم سادة العالم في مختلف أنواع العلوم، وتوقفتم في مرحلة ما، ولم تتابعوا ما بناه لكم آباؤكم، فأخذ الأوروبيّون علومكم وواصلوا الطّريق، وها أنت ترى أين وصلوا؟ وأين أنتم؟

     شعرت بأنّ الرّجل يجلدني بعروبتي التي أخرجها حكامها من التّاريخ، فتألمت لذلك، وتذكّرت عندما سألني مدمن مخدّرات في شارع رقم 79 في شيكاغو عام 1990 قائلا:

 ما معنى اسمك؟

 ولكي أتخلّص منه قلت له: ليس له معنى؟

فسأل مستنكرا:

وهل يوجد اسم لا معنى له؟

فأجبت: نعم اسمي لا معنى له…وكان اسمه”جيبر” وأضفت سائلا ما معنى اسمك انت؟

فقال بفخر: اسمي على اسم عالم عربيّ شهير اسمه”جيبر بن هيان” جابر بن حيان.

فصعقني باجابته، وتساءلت عن عدد العرب الذين سمعوا بعالم علم الكيمياء جابر بن حيّان، أو يعلمون عنه شيئا؟ وكم منهم يطلق اسمه على ابنه تيمّنا بذلك العالم الجليل وتخليدا لذكراه؟

               بعد سنوات تعرّفت على البروفيسور كريستوفر كولمو، وهو محاضر في جامعة”دومينيكان” التي يدرس فيها ابني قيس، والرّجل يحمل عدّة شهادات دكتوراة، منها واحدة في الفلسفة وأخرى في التّربية، ولشدّة اعجابه بالفارابي، فإنّ موقعه الألكتروني و”إيميله”يحملان اسم الفارابي، سبق للرّجل أن عمل استاذا زائرا في جامعتي القاهرة والكويت، وفي زيارة لي لشيكاغو وبعد أن تعرّف على قيس الذي كان أحد طلابه، دعاني الرّجل للغداء في مطعم، كان قيس بصحبتنا، فأخرج الرّجل أحد مؤلّفات الفارابيّ بالعربيّة، وبمساعدة قيس حدّد جملة واحدة فيها كلمة”الرّوحانيات” ومترجمة للانجليزية”أرواح..جمع روح” فلم يستسغ الرّجل المعنى، وجزم بأنّ هناك خطأ في التّرجمة، وسألني عن معناها؟

 ولما قلت أنّها تعني المعتقدات الدينيّة، صرخ الرّجل فرحا، وقام واحتضنني شاكرا، وهو يردد:

سأعمل ثورة في الجامعات بهذه المعلومة، فقد عدت إلى التّرجمة بالاسبانيّة والفرنسيّة ووجدتها مشابهة للتّرجمة الانجليزيّة، وتساءل عن العرب الذين درسوا فلسفة الفارابيّ في الجامعات الغربيّة، كيف لم ينتبهوا لذلك، وكيف لم يقرأوا هذا الفيلسوف العظيم بلغتهم التي كتب فلسفته بها؟

متحف شيكاغو

             زرت وشقيقي داود متحف شيكاغو القريب من مركز المدينة، بناية المتحف الظّاهرة للعيان ليست كبيرة، لكنّك ما أن تدخلها حتى تجد نفسك في مدينة تحت أرضيّة، مقسمة إلى أقسام حسب المنطقة التي جاءت منها موجودات المتحف، وهناك رأيت موميات الفراعنة المحنّطة، بعضها صدورها مغطّاة بالذّهب، رأيت موجودات لا تقدّر بثمن جلبوها من دول مختلفة، ومن ضمنها الدّول العربيّة، المتحف كبير جدّا، وتحتاج إلى ساعات طويلة؛ لتمشي في مختلف أقسامه دون توقّف، ويحوي كنوزا من الحضارات السّابقة.

أبو خالد ليس مجنونا

          تعرّفت في شيكاغو على أبي خالد، وهو مغترب فلسطينيّ من رام الله، تزوّج ابنة عمّه الممرّضة المولودة في أمريكا، وأنجبا هناك عددا من الصّبايا والصّبيان، خالد في السّابعة عشرة من عمره، عندما سمعه والده يغازل عشيقته الأمريّكية هاتفيّا، وشقيقته ابنة الخامسة عشرة بجانبه، انهال والده عليه ضربا ترك آثارا على وجهه، وهو يردد:

 ماذا ستفعل شقيقتك عندما تسمع ما تقوله؟

         في اليوم التّالي رأت احدى المعلّمات في المدرسة آثار الضّرب على وجه خالد أشقر البشرة، ولمّا سألته عن السّبب أخبرها أنّها من والده، فاتّصلت بالشّرطة، والتي بدورها اعتقلت الوالد وحقّقت معه، وبعد 24 ساعة أمرته المحكمة بعدم الاقتراب من البيت ثلاثة كيلومترات من كلّ الاتّجاهات لمدّة خمسة عشر يوما.

        بعد انتهاء المدّة ذهبت مع أبي خالد إلى المحكمة، فأحضر باحث اجتماعي صورة لجسم انسان مفصول الرّأس واليدين والرّجلين، طلب من أبي خالد اعادة تركيب الصّورة، ولمّا أعاد تركيبها قال له الباحث الاجتماعيّ:

 ها أنت عاقل وتدرك الأمور جيّدا، فلماذا ضربت ابنك؟

   بعد دقائق جاء دور أبي خالد للمثول أمام القاضي، قدّم المدعي لائحة اتّهام مطالبا بايقاع أقسى العقوبات بحقّ الرّجل العاقّ بابنه! أوكلت المحكمة محاميا منها للدّفاع عن الرّجل الذي حضر بدون محامٍ….بعدها جلس القاضي الذي كان يتلمّس جبينه بيده اليسرى، ويكتب بيده اليمنى ليصدر القرار، وممّا قاله:

إنّني معجب بتربية العرب والمسلمين لأبنائهم، أتمنّى لو أنّ أبنائي يحظون بتربية مماثلة، والاحصائيّات في الولايات المتحدة تشير إلى أنّ أقل نسبة انحراف بين أبناء مختلف الجاليات هي بين العرب والمسلمين، فاستبشرنا خيرا وتأكّدنا بأنّ القاضي سيبرّئ أبا خالد ،وأضاف القاضي:

لكنّنا أمام جريمة كبيرة وخطيرة، فهذا الأب المجرّد من الأحاسيس والمشاعر الانسانيّة، يضرب ابنه لأنّه يمارس حقّه في الحياة، وبناء عليه نقرّر:

– ابعاد الأب عن البيت، ويمنع عليه الاقتراب منه ثلاثة كيلو مترات من كلّ الاتجاهات لمدّة ثلاثة أشهر.

– السّجن ثلاثة أشهر مع وقف التّنفيذ للأب ولمدّة ثلاث سنوات.

بريدج فيو

         في العام 2002 اشترى شقيقاي دواد وراتب بيتا جميلا مكوّنا من طابقين وتسوية، في منطقة برديج فيو الواقعة في طرف شيكاغو، وهي منطقة سكنيّة جميلة هادئة، حوالي 70%من سكّانها فلسطينيون، و20%عرب من جنسيات مختلفة، و5%مسلمون غالبيّتهم من الباكستان، و5% من الرّيف الايطالي وعاداتهم متشابهة إلى حد ما مع العادات العربيّة.

        في هذه الحارة مسجد ضخم جميل تعلوه مئذنة ومكوّن من طابقين، تبلغ مساحة كلّ طابق حوالي 800 متر مربع، الطّابق الأوّل منه مصلّى للنّساء، ويحيط به موقف واسع للسيّارات، تشرف على هذا المسجد جمعيّة اسلاميّة اسمها جمعيّة الأقصى، وتقام صلاة الجمعة مرّتين في هذا المسجد، لأنّه لا يتّسع للمصلّين دفعة واحدة، والقانون الأمريكيّ يمنع الصّلاة في السّاحات خارج دور العبادة.

بجوار المسجد مدرسة اسلاميّة تحمل اسم”مدرسة جمعيّة الأقصى” وهي مدرسة خاصّة يدرس فيها أبناء الجالية العربيّة، تتقاضى المدرسة أقساطا شهريّة تصل إلى 600 دولار شهريّا عن كلّ طالبة وطالب، وتدرّس المنهاج الأمريكيّ المعمول به في ولاية الينوي، اضافة إلى اللغة العربيّة كلغة ثانية، وتدرّس مادّة التّربية الاسلاميّة أيضا، معلّماتها وطالباتها يرتدين الزيّ الشرعيّ والحجاب، في حصص الرّياضة يخلعن الجلباب، ويمارسن الرّياضة ببنطال طويل وقميص بأكمام تصل إلى الكفّين، وغطاء للرّأس، وهي من المدارس المتقدّمة، وحصلت على جوائز قيّمة، ومن المدارس العشرة الأولى في دائرتها التّعليميّة بنتائجها العالية، فيها يدرس أبناء شقيقي داود”علاء، هناء وريام” وكذلك أبناء شقيقي راتب”ضرغام وأمينة”

     شوارع هذا الحيّ ذات مسارين، كلّ مسار يتسع لسيّارتين، هناك رصيف للمشاة بعرض مترين، وبعده رصيف مزروع بــ “النجيل”بعرض أربعة أمتار.

أنا وزوجتي وبناتي في شيكاغو

        في صيف العام 2002 زرت شيكاغو صحبة زوجتي وابنتيّ أمينة ولمى، وأبناء شقيقي عمر “بلقيس وتميم”، سكنّا في بيت شقيقيّ داود وراتب، كانت فرحتنا كبيرة بلقاء ابننا قيس، وشقيقيّ داود وراتب، في شهر نيسان من ذلك العام رُزق أخي داود وزوجته بابنتهما هناء، في حين رزق راتب وزوجته بابنتهما البكر أمينة في شهر تمّوز أثناء وجودنا هناك.

قيس في معهد اللغة

       في سنته الأولى أنهى قيس دورة اللغة الانجليزيّة في الفصل الأوّل في جامعة دومينيكان، اجتاز امتحان المستوى بكفاءة عالية، وسجّل للدّراسة في السّنة التحضيريّة الأولى، كان أصغر الطّلبة عمرا. في احدى حصص الفراغ لم يعرف كيف يقضي وقته، فهو لم يتّخذ أصدقاء في شهوره الأولى، وقف أمام لوحة الاعلانات، قرأ اعلانا من أحد أساتذة كليّة الاقتصاد، يفيد بأنّ ذلك اليوم هو يوم دراسيّ مفتوح عن”التّسويق” لطلبة الماجستير، يطلب فيه الأستاذ المشرف من الطلبة الأجانب في الكلّيّات الأخرى أن يحضروا نشاطات ومحاضرات ذلك اليوم اذا ما رغبوا في ذلك؛ للاستفادة من خبراتهم في بلدانهم، ذهب قيس لا حبّا في المشاركة وإنّما لقضاء وقت فراغة، وهناك سأل المحاضر الطلبة قائلا:

 كيف نسوّق بضاعة ما، ونقنع المستهلك بشرائها؟ وقف طالب أمريكيّ يحمل زجاجة عصير فاخرة ثمنها ثلاثة دولارات وقال:

 اذا أردت تسويق هذا النّوع من العصير، سأقرأ مكوّنات هذا العصير، والفيتامينات الموجودة فيه، وكيفية تنشيطه للجسم، وعندها سيشتري المستهلك هذا العصير.

وسأل المحاضر الطّالب نفسه:

كيف تُسوّق بدلة كالّتي ترتديها؟

أجاب الطالب: سأشرح للمستهلك أنّ هذه البدلة مريحة للجسم، تجمّل مرتديها؛ فتنجذب الفتيات إليه، وإذا كان فوق الأربعين سيظهر وكأنّه في العشرينات من عمره، وستلاحقه الفتيات.

وهنا رفع قيس يده مستأذنا بالحديث، فأذن له المحاضر…فقال قيس:

 ما قاله زميلي الطّالب ينطبق على ثقافة الشّعب الأمريكيّ والشّعوب الأوروبيّة، وهي بلدان الصّناعة فيها متقدّمة، المنافسة فيها كبيرة جدّا، والشّركات المصنّعة والمنتجة تغطي أسواق هذه البلدان بدعاية مركّزة ومحترفة، وباشراف خبراء محترفين، أمّا التّسويق في البلدان النّامية، بأسواقها المفتوحة للمنتوجات الأمريكيّة والأوروبيّة، فالأمر مختلف تماما، فاذا ما شرحت لهم عن مكوّنات العصير والفيتامينات الموجودة فيه، فإنّهم لن يفهموا عليك شيئا، اضافة إلى أنّهم لا يملكون ثمن هذا العصير، واذا أردت تسويق عصير عندهم، فالعصير رخيص الثّمن هو ما يشترونه، ولو قلت لهم هذا الجالون من العصير يكفي جميع أفراد أسرتك لمدّة يومين أو ثلاثة، وثمنه دولار واحد، فإنّهم يشترونه، ولو أردت تسويق بدلة مثلا، غالية الثمن بـ150 دولارا كبدلة زميلنا فإنّهم لن يشتروها، لأنّ دخلهم في الشّهر لا يصل إلى هذا المبلغ، ولو قلت لأحدهم بأنّ هذه البدلة ستجذب الفتيات إليك، فقد يضحك منك، وإذا كان مسنّا فقد يشتمك أو يضربك، أمّا اذا قدّمت له بدلة وقلت:

هذه البدلة جميلة ولائقة وتضفي وقارا على مرتديها، وتخدم عشرات السّنين، واذا ما ضاقت على جسمك فإنّ بامكان ابنك أن يرتديها، وثمنها 20 دولارا فإنّه سيشتريها، فصفّق له المحاضر وسأله عن اسمه؟ وأعطاه رقم هاتفه طالبا منه أن يزوره في مكتبه، في اليوم التّالي….وفي المقابلة أبدى المحاضر اعجابه بقيس، خصوصا بعدما علم أنّ عمره يقلّ عن 18 عاما، وأبدى استعداده لتقديم أيّ مساعدة له.

قيس يدرس الاقتصاد

         عندما أنهى قيس السّنة الأولى التحضيريّة كانت علاماته كاملة، فأخذ كلّ واحد من الأساتذة ينصحه بأن يدرس تخصّص الأستاذ نفسه، لكنّ قيس قبل بنصيحة البروفيسور جالابريسي له بدراسة الاقتصاد، وفي تخصّص الاقتصاد كانت علامات قيس كاملة أيضا، فأعفته الجامعة من عشرة آلاف دولار من الأقساط الجامعيّة سنويا، ليتبقى عليه ثمانية آلاف دولار.

       في نهاية السّنة الثّانية نصحه البروفيسور جالابريسي، بأخذ متطلّبات الجامعة موادّ تمكّنه من الحصول على شهادتي بكالوريوس واحدة في الاقتصاد، والثّانية في التّجارة الدّوليّة، وهذا ما كان، حيث تخرج قيس بشهادتي بكالوريوس، في أربع سنوات.

لحوم الحيوانات المفترسة والطّيور الجارحة

         ذات يوم اصطحبنا شقيقي داود إلى أحد الملاحم في قرية، تبيع مختلف أنواع اللحوم لنشتري لحم غزال، وهناك وجدنا شرائح لحوم لمختلف الحيوانات،غزلان، أغنام، حمير، خيول، أسود، نمور، ضباع، قردة، فهود، دببة، فيلة، أفاعي، كبد السّلاحف المائيّة الضّخمة، ومختلف أنواع الطّيور بما فيها الجارحة كالنّسور والصّقور وغيرها، اشترينا غزالا كاملا، وقرب الملحمة مزرعة شاسعة فيها مختلف أنواع الخضار غير المسمّدة، وغير المعالجة كيماويّا، تقطف الخضار التي تريدها بيديك، فيزنها صاحب المزرعة ويحاسبك عليها، اشترينا عدّة أصناف من الخضار، وعدنا إلى البيت متعجّبين من هذا البلد العجيب الذي يتوفر فيه كلّ شيء، بما في ذلك أشياء لا تخطر للمرء على بال.

الطيور البريّة

      في شيكاغو شاهدت محلّين تجاريّين يملكهما أخوان فلسطينيّان، ويبيعان فيهما الطّيور البرّيّة من دجاج مختلف الأنواع والألوان، الحمام، الشُّنّار، الفرِّة، والأرانب البرّيّة، تختار الطّيور التي تريدها، فيذبحونها لك، وأسعار طيور الدّجاج البرّيّة هذه أكثر من ضعف ثمن دجاج المزارع، وتمتاز بعدم وجود الدّهون في لحومها، وطيب طعم هذه اللحوم، وهناك نوع من الدّجاج ريشه أسود اللون، ورقبته عارية بدون ريش، ولون لحومها أسود، ويتهافت من ينحدرون من أصول بولنديّة لشرائها، أمّا باقي الدّجاج والطّيور الأخرى فيشتريها العرب والمكسيك، وتدرّ هذه التّجارة دخلا مرتفعا لأصحابها.

 عام 2014 اشترى شقيقيّ داود وراتب واحدا من هذين المحلّين.

في المتحف البحريّ

       ذات يوم اصحبنا شقيقي داود لزيارة المتحف البحريّ القريب من مركز المدينة، وهناك شاهدنا العجب العجاب، شاهدنا مختلف أنواع الحيوانات البحريّة، كلّ صنف في قسم خاصّ، يعيش في مكان شبيه بحياته البحريّة، وواجهة المكان زجاجيّة؛ ليستطيع الزّائر رؤية هذه الحيوانات تتحرك بحرّيّة تامة، شاهدنا أسماكا صغيرة شبيهة بطائرات الهليوكبتر، ويبدو أنّ مخترعي ومصنّعي هذه الطّائرات تأثّروا بهذه المخلوقات وقلّدوها بصناعاتهم، وشاهدنا عروس البحر وحصان البحر وهما سمكتان صغيرتان غاية في الجمال – كنت أظنّهما خرافة قبل ذلك- وشاهدنا سمك القرش المفترس، في بحيرة صغيرة يعلوها مدرّج شاهدنا عددا من الحيتان الضّخمة، كما شاهدنا عرضا للدّولفين يقوم بالعاب بهلوانية بمرافقة الموسيقى وبتوجيهات من فتاة جميلة كانت تشاركها اللعب.

في حديقة الحيوانات

        زرنا حديقة حيوانات شيكاغو، داود وزوجته وأبناؤه، وزوجة راتب وأبناؤها، وأنا وزوجتي وأبنائي، وشقيقتي يسرى، الحديقة قائمة على مئات الدّونمات، وبيوت الحيوانات فيها شبيهة بالحياة البرّيّة التي تعيش فيه تلك الحيوانات، فيها مختلف أنواع الحيوانات، وهناك رأيت للمرّة الأولى والأخيرة الأفاعي ذات القرون، إنّها أفاعٍ ليست كبيرة الحجم، وقرونها عبارة عن نتوء لحمي يعلو الرّأس، ولا يزيد طوله عن بضع ميلليمترات، وهناك شاهدت الغوريللا، كانت مستسلمة لقدرها ، وإن كان واضحا أنّها ترفض حياة الأسر…في قسم الجِمال رأيت بعيرا مكسور السّنام، أخبرنا أحدهم أنّ سنام الجمل ينكسر ويتراخى عندما يتقدّم البعير في العمر.

قيس يتخرج من الجامعة

      في صيف العام 2006 تخرج ابني قيس من جامعة”دومينكان” فسافرت لحضور تخرّجه بصحبة ابن العمّ محمّد اسماعيل، ويوم التّخرّج حضرنا الاحتفال بحضور الأخ داود، وجورج عازر الشّابّ اللبناني الطيّب، صديق قيس، والذي تخرّج من نفس الجامعة قبل قيس بعام، ويملك أشقاؤه محلات لبيع الذّهب في شيكاغو، كما يملكون محلا لتصنيع الذّهب في بيروت ورثوه عن المرحوم والدهم، وقيس حصل على شهادتي بكالوريوس، واحدة في الاقتصاد والثانية في التّجارة الدّوليّة، كان الأوّل في الاقتصاد والثّاني في التّجارة الدّوليّة، وحصل على مرتبة الشّرف، ووضع اسمه على لوحة نحاسيّة في قاعة المكرّمين من الطّلبة الأوائل، ازددت فخرا بقيس عندما انحنى أمامي أحد الأساتذة في الجامعة بعد أن عرفني، وصافحني قائلا:

أنت أفضل من الرّئيسين كلينتون وجورج دبليو بوش، لأنّ لك ابن اسمه قيس، ولا يوجد عندهم ابن مثله، في “الكافيتيريا”وقبل بدء الاحتفال وبحضور الطّلبة الخرّيجين، حضر أستاذ جامعيّ فرحا بكتاب له في الاقتصاد صدر قبل ذلك بيوم، أهدى منه نسخة لرئيسة الجامعة، ونسخة للبروفيسور كولمو، ونسخة لقيس قدّمها له وهو يقول:

 أنت الطالب الوحيد الذي أهديته كتابا في حياتي، وأنت تستحقّ هذا التّكريم…أنا فخور بأنّني علمت واحدا مثلك.

في نيو مكسيكو

        أصرّ ابن عمّي محمّد موسى، أن يدعونا”أنا، داود وابن عمّنا محمّد اسماعيل- وهو ابن شقيق ابن عمّنا محمّد موسى-” وقيس لزيارته في بيته الصّيفي في نيومكسيكو، وهي ثاني أفقر ولاية في أمريكا بعد ولاية المسيسيبي، فاعتذر قيس لارتباطه بعمل، في حين سافرنا ثلاثتنا، فوجدنا ابن عمّنا في استقبالنا في مطار سانتا فييه عاصمة الولاية،…واستقلّينا سيّارة إلى ألبا كيركي ومنها إلى حارة الأثرياء، حيث بيت ابن عمّنا، تقع الحارة وسط غابة كثيفة، وفيها حيوانات مفترسة، تصل الدّببة والنّمور والضّباع إلى أبواب البيوت، ويرتادها الأثرياء هربا من ضجيج المدن، وطلبا للهدوء والرّاحة، الحياة غالية جدّا في تلك الولاية، فقلت لابن عمّي: إنّها حياة تشبه حياة البراري في بلادنا.

      سكّان هذه الولاية في غالبيّتهم مكسيكيّون، مدنها صغيرة، وفي البا كيركي حارة كبيرة للفنّانين التّشكيليّين والنّحّاتين، لكلّ منهم مرسمه ومشغله، تستطيع مشاهدتهم وهم يرسمون، أو يصبّون تماثيلهم أو ينحتونها، وأعمالهم معروضة في محلّاتهم وعليها أسعارها التي يصل بعضها إلى مئات آلاف الدولارات… في المدينة “غاليري” دائم للفنون التشكيليّة، يعرض الفنّانون من مختلف أنحاء أمريكا أعمالهم فيه، والدّاخل إليه يدفع تذكرة بخمسة عشر دولارا، هذه المدينة تراثية، أبنيتها من طابق واحد، وعلى النّمط القديم، إنّها تشبه الأبنية القديمة في مدينة أريحا الفلسطينيّة، تتوسط المدينة ساحة واسعة، على أحد جوانبها يجلس يوميّا عدد من الهنود الحمر، يعرضون صناعاتهم اليدويّة الخفيفة للبيع، إنّهم يشبهون فلاحي بلادنا.

       نيو مكسيكو ولاية صحراويّة، أشجار غاباتها لا ترتفع كثيرا، مواطنوها يعيشون على الزّراعة البدائيّة، يزرعون الخضار ويروونها من مياه بعض القنوات، في الرّيف رأيت بيوتا من الصّفيح، وهم يقتنون الخيول والحمير والكلاب، التي يندر أن لا تشاهدها أمام كلّ بيت في الرّيف. هواء تلك البلاد جافّ، وينصح من يعيش فيها أن يشرب الماء باستمرار؛ خوفا من أن يصاب بالجفاف. ومن عجائبها أنّ المنطقة السّهليّة الواسعة محاطة بجبال شاهقة، تعلو قممها الغابات والثّلوج، لم أجد جوابا شافيا لاعتبارهم إيّاها منطقة صحراويّة.

الهنود الحمر

       في نيو مكسيكو قرى للأمريكيّين الأصليّين”الهنود الحمر” الذين تعرّضوا للإبادة على أيدي البيض الأوروبيّين الذين غزوا البلاد بعد اكتشافها، يقدّر عدد من قتلوا من الهنود الحمر بسبعين مليونا، في حين يبلغ عددهم الآن سبعة ملايين، ولتكفير حكّام أمريكا عن جرائم أسلافهم بحقّ الأمريكيّين الأصليّين، فقد سمحوا لهم بالبناء غير المرخّص في أراضيهم، كما سمحوا لهم بافتتاح المحلّات التّجاريّة ومحطّات الوقود بدون جمارك وبدون ضرائب، كما أنّ أبناءهم وبناتهم يُعفون من الأقساط الجامعيّة. غير أنّ هذا لم يحمهم من مكائد الرّجل الأبيض الذي لا يزال يستغلّهم، فالبيض يفتتحون المحلّات التّجارية المختلفة بأسماء بعض (وجهاء) الهنود الحمر مقابل مردود شهريّ بخس، قياسا بما يجنيه الرّجل الأبيض، ولهذا فإنّ ّ”كازينوهات” القمار ومحطّات بيع الوقود والسوبر ماركت منتشرة في الولاية، باسم الهنود الحمر، لكنّ مالكيها الحقيقيين هم من البيض.

قريتان للهنود الحمر

     زرنا قريتين للهنود الحمر، واحدة محاطة بأسوار، ولها مدخل واحد يحرسه رجال أمن، ويسمح لك بالدّخول بعد شراء تذكرة بخمسة عشر دولارا، يمرّ من وسط القرية سيل ماء من المياه المنحدرة من الثّلوج الذّائبة من على قمم الجبال المحيطة، بيوت القرية بسيطة متراصّة، لا طوابق فيها، تتقدّمها محلّات يعرضون فيها صناعاتهم اليدويّة التّراثيّة، أمام كلّ بيت عدد من الكلاب، وطابون يخبزون عليه، لفت انتباهي أنّ لون بشرتهم يشبه لون بشرة العرب، ولو اختلطوا بالعرب لما استطاع أحد تمييزهم، ونساؤهم يرتدين ثيابا مطرّزة كثياب القرويّات في بلادنا، وهنّ يطرّزن صورا للدّببة والفهود والنّمور، وهذا يعني تأثّرهم ببيئتهم المحليّة…ولا أعرف لماذا راودتني فكرة بأنّ أصولهم قد تكون عربيّة، وأنّه ربّما أنّ العرب هم أوّل من اكتشفوا أمريكا واستوطنوها.

      اشترينا رغيف خبز طابون من امرأة في الخمسينات من عمرها، فسألتنا:

 من أين أنتم؟

أجبتها: من البلاد المقدّسة..من القدس.

 فاحتضنتني وهي تقول باكية:

 أنتم إذن فلسطينيون…أنتم الهنود الحمر في الشّرق الأوسط، يقتلونكم للاستيلاء على بلادكم كما قتلوا أجدادنا واستولوا على أرضنا، ورفضت استلام ثمن رغيف الخبز.

       زرنا قرية هنديّة ثانية تخونني ذاكرتي، فلم أعد اذكر اسمها على ضفاف سيل هي الأخرى، قرية شبيهة بقرانا الزراعيّة، بيوتها فقيرة، سكّانها يزرعون بعض الخضار كالقرنبيط وغيره، يقتنون الحمير والخيول والكلاب….وفي هذه القرية يجري احتفال تراثيّ للهنود الحمر لمدة أسبوع في السّنة.

       كما زرنا قرية مهجورة، تمت إبادة سكّانها على أيدي البيض قبل حوالي ثلاثة قرون، و تقع كهوف القرية في باطن جبل صخريّ شديد الانحدار عميق، يقابله جبل مثله، في الوادي سيل ماء أيضا، والكهوف تصلها بطريق ضيّقة تتّسع لمرور شخص واحد، احتمى سكّان القرية بكهوفهم، وكانوا يلقون الصّخور على من يحاول اقتحام كهوفهم معتديا، لكنّهم لم يصمدوا طويلا أمام الأسلحة النّاريّة.

      هناك محاولات للقضاء كليّا على الهنود الحمر من خلال صهرهم في المجتمع من خلال الزّواج المختلط بالأجناس الأخرى….خصوصا بين طالبات وطلاب الجامعات.

قرية ويلنج

      على أطراف شيكاغو تقع قرية ويلنج، يبلغ عدد سكّانها حوالي أربعين ألفا، ومن خلالها عرفت أنّ الحياة الأمريكيّة الهادئة والآمنة هي في القرى، وليست في المدن، وهذه القرية الجميلة، شوارعها واسعة، بيوتها جميلة، مركزها هادئ، فيه محلّات تجاريّة، ومقهى يجلس فيه من يريد أن يقضي وقتا، أو يلتقي أحدا، رأيت فيه طلبة جامعيين يقومون بأبحاثهم، ورجال أعمال يتحاورون بهدوء تامّ، وفي هذه القرية حديقة ورود عامّة تجذب النّاظرين، في هذه القرية مصانع وشركات ومطار للطّائرات الصّغيرة التي يستعملها رجال الأعمال كسيّارات خاصّة، وابني قيس بعد أن حصل على شهادة البكالوريوس، التحق بالجامعة للحصول على شهادة الماجستير في ادارة الأعمال، عمل في شركة برمجة كمبيوتر مقرّها في هذه القرية، يملكها شخص ينحدر من أصول مالطيّة، اختار قيس للعمل معه بناء على نصيحة أساتذة من الجامعة لصاحب الشّركة، استأجر قيس بيتا وسكن فيها، وعندما زرت أمريكا في العام 2008، زرت هذه القرية التي يسكنها قيس، هناك ذهلت بتخطيط القرى الأمريكيّة، وطريقة تنظيمها وتنظيم شوارعها، وفيها شاهدت المقرّ الرئيس لشركة موتورولا للاتّصالات، وهو بناء ضخم من عشرات الطّوابق، وموقف السّيّارات المحيط بالبناء تصطفّ فيه آلاف السّيّارات.

     في القرية مطعم عربيّ على النّمط الأمريكيّ، وهو فرع لشبكة مطاعم عربيّة يملكها رجل أعمال مقدسيّ فلسطينيّ.

سيادة القانون

        القانون في ولاية انديانا يمنع فتح “كازينوهات” القمار على أرض الولاية، فاحتال رجلا أعمال على القانون، وحصلا على قرار من المحكمة بفتح كازينوهات في بحيرة متشيغن، واشتريا لذلك سفينتين ضخمتين، أرسياهما على الشاطئ، وأقاما مكاتب فخمة، وفنادق، ومطاعم ومواقف للسّيّارات على اليابسة التي تتّصل بهاتين السّفينتين.

المقاهي التّركيّة

      منذ العام 2005 انتشرت في شيكاغو المقاهي التّركيّة التي يدخّن فيها روّادها الأرجيلة، وقد دخلت احدى هذه المقاهي من باب الفضول، فوجدتها تتكوّن من فراش عربيّ، تفصله برادي من قماش سميك، وحجرات هذه المقاهي مقسمة لتّتسع لشخصين أو أربعة، ….إلى عشرة اشخاص، عند المدخل صالون ينتظر فيه الزّبائن دورهم، حتى يأتي النّادل ويصطحبهم إلى المكان الذي يختاره هو لهم حسب عددهم…وهناك مقاهي من هذا القبيل للعائلات، أي لمن يريد اصطحاب زوجته معه، وغالبيّة روّاد هذه المقاهي من أصول عربيّة، أو أنّهم مسلمون من جنسيّات مختلفة.

في الطّريق إلى ستيرلنج

  اشترى شقيقاي داود وراتب عام 2012 مزرعة مساحتها 45 دونما، وفي مدخلها”كوتيج، في قرية اسمها “ستيرلنج” تبعد عن شيكاغو 180 ميلا، عدد سكّن القرية ثمانية وثلاثون ألفا،وهي قرية زراعيّة، شوارعها من اتّجاهين، بينهما جزيرة مزروعة بالورود، وفيها محلّات تجاريّة ضخمة، بعضها فروع لشركات عملاقة مثل محلات “والمارت” الشّهيرة، وفيها مختلف المكاتب الحكوميّة، يحيط بها نهر عرضه يزيد على الأربعين مترا، في انحناءة قوسيّة للنّهر حديقة عامّة تزيد مساحتها على المائة دونم، مرتّبة بطريقة لافتة.

  في الطّريق إلى هذه القرية شاهدت عمليات حصاد للذّرة البيضاء والفول، بجانب آلة الحصاد، تسير شاحنة في صندوقها رجلان، ترمي إليهم الحصّادة شوالات الحبوب، وما عليهم إلا ترتيبها في صندوق الشّاحنة، في حين تترك خلفها بالات القشّ الجاهزة للتّحميل والنّقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى