يوم الدجنّة
د.ريم سليمان الخش-شاعرة سورية
.
حوار غنائي بين شاعر وقرينه
الشاعر:
يغرّقني وقتي بلجّة غربتي
وياليتني أحظى بعقلٍ مفرمتِ
.
وياليتنا جمعا نعودُ بلا أسى
صفائحنا البيضاء رهن المسرّة
***
تخيّل بأنّ الدهرَ طهّرَ حِسّنا !!
خفافا بلا شكوى وخوفٍ وغمّةِ
.
على ضفة الحب الدفوق جرارنا
وأنظارنا تحكي بدون طويّةِ
.
طيورٌ على عشّ الوئام تجمّعت
تغرّد من وقع الضياء المصلّتِ
.
تصوّر رعاك الله عمق نعيمنا
وقد رُدّت الأرواح طيرا بروضة
.
ولكنّه أمرٌ محالٌ وقوعه
فطورا على ضوءٍ يشعّ وعتمةِ
.
يُقلّبنا عقلٌ تقلّبَ دهرنا
فلسنا جماداتٍ بكنّهٍ مثبّتِ
.
فما كلّ ماأقررت يوما بصائبٍ
وما كلّ ماأقصيت يبقى بعزلةِ
.
فقد تطرقُ النفس الكشوفُ عوالما
بعكس التي رامت قُبيلَ سويعة
.
وقد ترعوي عن حقل ضوءٍ مؤطّرٍ
لترمى بدهليزٍ يموج بظلمة
.
إذا احترب الضدان عمقا بقوةٍ
تذكّر بأن العدل روح الشريعة
.
وأنّك إنْ تقضي بعيدا عن الهوى
تعش وقتك الأرضي حرا برفعة
***
القرين:
وماذا إذا صار الذي رُمت أمره ؟
وكلّ غدا فعلا نقيّ السريرة !!
.
وصرنا إلى بدء الحياة جداولا
عليها انعكاس البدر وجه الحقيقة
.
أنختزن النشوى تسابيح عابدٍ
يظلّ على وصلٍ كحبّات سُبّحة
.
أيمهرنا الكون البهيّ بلونه
جمالا وتحنانا ودفءَ فضيلةِ
.
أليست لغات الذات إنسٌ ورحمة ؟
جُبلنا على نور السلام بفطرة
الشاعر :
ستجري وحوش النفس إثرَ مصيدة
على قنصها تنوي بعنفٍ وحيلة
.
ويتبع قابيل الشقيّ مجونه
ليقصى غريمٌ دون درسٍ وعبرة
.
يظلّ على جمر الحشايا مقلّبا
إلى أن يصيد الظبيّ حال استمالتِ
.
صريعا حبال القنص نجما غوايةٍ
يشعان في لقياه شعّ الأهلّة
.
فشدّا ومالا واستدارا وعُلّقا
على درب أفلاكٍ بيومِ الدجنّةِ
.
سجينان هذا الجوّ غيمٌ مكثّفٌ
أصابع من رعدٍ وبرقٍ ورعشةٍ
.
وعشقٌ به الأكوان خرّت بهزّةٍ
وأوديةٌ ماجت وأخرى اقشعرّتِ
.
حرائقُ مازالت تُسعّر أرضهم
ليصلى بها وحش النفوس بقسوة
.
على أنّ أنهار الوصال دفوقة
يبرّدهم فيها انسيابٌ بمتعةِ
.
عروقٌ بها الأشواق بالدمّ ترتوي
وهابيل من فيه المُضحى بنزوة
.
ولابدّ في عرف الغرام من الأذى
ولابدّ أن ينأى الغريم بقوّةِ
***
ضبابٌ على عشبٍ تنهنه نسغه
خليطا على طينٍ وماءٍ ونشوةِ
.
إذا شقّها ومضٌ وهزّته عاصفٌ
أقاما على تهطال غيمٍ سخيّةِ
.
رعودٌ وإحراقٌ وطقسٌ مزمجرٌ
وصوتٌ كما دكُ القلاع المنيعة
.
وماكان تنزاف الذوات مشرّعا
سوى أنّه الإدمان حقنٌ بجرعة
.
سوى أنّه طقس الطقوس ومعبدٌ
وجوعٌ بلا حدٍّ بكامل شهوة
.
عواءٌ على بدرين زادا تكوّرا
يُشقُ به دربٌ لأقصى المجرّة
القرين :
ولكنّها أصوات وحشٍ مجلجلٍ
وقد نابه محوٌ بكلّ الشريحة
.
الشاعر:
ألم تدرِ أنّ النطق في البدء قبلةٌ
تذوقت الحرف الشهيّ بلذّةِ
.
تأولّت المعنى فباحت تنهدا
بما شعرّت بين اللسان وشفّةِ
.
تعلّمت النطق السريع بلسمةٍ
وحسٍّ به جريُ الحروف الندّيةِ
.
وأولُ من قال القصائد بلبلٌ
تغنّى بأزهار التلال البهيّة
.
وأول ألحان الكمان به اقتدت
شغوفا على ألحان نايٍ شجيّةِ
***
ستنكسرُ الكأس الشغوف فجاءةً
لتترك من هاموا بلحظة ريبةِ
.
كأنّ الكؤوس العاشقات بهم وشت
وقد شُرّب المثوى بخمرٍ عتيقةِ
.
يقومان من بعد انعتاقٍ ليهرعا
برعبٍ إلى أوراق توتٍ ظليلةِ
.
يهمّان في نزع الشكوك بسترةٍ
يخافان من قذفٍ بأقسى فضيحةِ
.
قتيلان لم يُلقَ الرداء عليهما
بجنحة إغواءٍ وإدمان جرعة !!
القرين :
أليس انجذاب المرء للجنس فطرّة ؟
علام به يُلقى بنارٍ حرورة؟
.
الشاعر:
تخيّل بأنّ الحبّ كالنهر جَريه
حلالٌ لمن يرجوه دون أذيّةِ
.
ستغرقُ في طين الرذيلة صاغرا
وتطفو بلا وجهٍ بغيرِ هويّةِ
.
فلا زارعٌ يعنى بتربة زرعه
ولا طفرةٌ تُرجى بأمشاج تربةِ
.
تَدنٍّ فلا يَلقى النبوغ بزوغه
بنشأة (كروسوماتَ) دون السويّةِ
.
هو الشرع قبطان السفين ومنقذٌ
يُنجي من الطوفان إمّا استقامتِ
القرين:
ولكنّ مايؤذي من العشق هيّنٌ
أمام الذي أفنى نفوس البريّة !!
.
إذا سُعّرت حربٌ وزحزح ثقلنا
فمن شهوة كبرى لعرشٍ وسلطة !!
.
وحوشٌ على أشلاء مُلْكٍ تهافتت
وأخلاقهم نتنٌ كريحٍ بجيفةِ
.
كتائب دون الوعي للبغض ديدنٌ
لكلّ بذاك الدرب شيخُ طريقة
.
ألم يسفكوا فحوى الجمال بحربهم ؟
ألم يذبحوا عرق الحياة البريئة؟
الشاعر:
ترقّب وذاك الحال غضبةَ جارفٍ
ليُمحى بلا نوحٍ ضلالُ البسيطة!!
.
الكنه = الماهية
الأنسان وجود لذاته …والأشياء وجود في ذاتها …والفرق جوهري (انظر سارتر)
اثبت علم الوراثة أن تزاوج الأقارب يضعف النسل البشري ويعود ذلك بالطبع الى تلف الكروسومات المتشابهة